كشف صمت الحكومة المصرية على الانتقادات الحقوقية التي طالتها مؤخرا بسبب مشروع قانون تنظيم شؤون اللاجئين ضيقها من هذا الملف بعد تحوله تدريجيا إلى أداة تشبه “الابتزاز” السياسي من بوابة حقوق الإنسان، في ذروة سعي القاهرة لتحسين سجلها الحقوقي لأسباب داخلية ودواع خارجية.
وانتقدت منظمتا المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر موافقة لجنتي الدفاع والأمن القومي وحقوق الإنسان بمجلس النواب على مشروع القانون المقدم من الحكومة لتنظيم لجوء الأجانب إلى مصر، بحجة أنه يهدد حقوق اللاجئين ويتعارض مع التزامات مصر الدولية بشأن ملتمسي اللجوء.
وقالت المنظمتان إن مشروع القانون، حال إقراره رسميا من جانب البرلمان، سوف يعصف بالحمايات الأساسية للاجئين ويفتح الباب للتوسع في تجريمهم وترحيلهم خارج البلاد، مع أن الحكومة أعلنت وجود تكليفات رئاسية بتوفير كل سبل الرعاية والحماية للاجئين واحتوائهم اجتماعيا.
ولم تعلق أي جهة رسمية على الانتقادات الحقوقية للحكومة، حتى منتصف الثلاثاء، لكن الصمت يوحي بوجود تذمر داخل دوائر رسمية من تحويل بعض المنظمات ملف اللاجئين لمشكلة مرتبطة بحقوق الإنسان، في حين أن مشروع القانون منح الجنسيات الأجنبية فرصة لنحو عامين لتوفيق أوضاعهم بلا ترحيل.
ولمست المنظمتان وترا حساسا، حيث أشارت إلى وجود حظر حكومي له أبعاد أمنية، على قيام اللاجئين من أي جنسية بالتعبير عن رأيهم ولو بشكل سلمي، في إشارة إلى حقهم تنظيم احتجاجات، وهو ما تراه الحكومة خطرا يهدد السلم المجتمعي لأن نسبة كبيرة من اللاجئين يقيمون في مناطق بعينها وقد يشكلون منغصا أمنيا.
ودافع وزير الشؤون البرلمانية والسياسية محمود فوزي عن الحكومة قبل أيام بقوله إن القانون يكفل للاجئين الحقوق المتعارف عليها دوليا، ويحفظ للمجتمع استقراره وأمنه القومي مع التأكيد على حسن معاملتهم.
وذهب حقوقيون إلى أن الانفراد بإعداد مشروع قانون يخص اللاجئين دون مشاركة المجتمع المدني والهيئات المختصة بشؤون اللاجئين، يُكرس الطابع الأمني في تعامل الحكومة مع قضايا حقوق الإنسان واللاجئين والمهاجرين في مصر.
وقال عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني إن هناك إصرارا من مؤسستي الرئاسة والحكومة على احترام حقوق اللاجئين، وليس عيبا وجود اعتبارات أمنية، لأن أعداد اللاجئين في مصر ضخمة، ومن المهم فرض سيادة الدولة ووضع تشريعات تقنن أوضاعهم بما يتناسب مع الحالة المصرية.
وأشار لـ”العرب” إلى وجود منظمات حقوقية تتعمد ابتزاز القاهرة بملف اللاجئين واستغلاله خارجيا، بعد أن وجدت تحركات إيجابية في ملف حقوق الإنسان محليا، والهدف تقديم صورة مشوهة عن السلطة في مصر، ومن الحكمة عدم الرد على تلك الادعاءات لأن ما تقدمه السلطة للاجئين يفوق قدرة دول أخرى في الإقليم.
وترى دوائر سياسية أن وضع قانون مصري ينظم شؤون اللاجئين دون إشراك منظمات حقوقية لا يعني أن القاهرة أغفلت الملف الحقوقي في تعاملها مع طالبي اللجوء، ومن الطبيعي أن تتعاطى مع الملف من منظور أمني في ظل وجود أكثر من عشرة ملايين لاجئ، بعضهم يتعامل مع مصر كمحطة وبوابة للسفر إلى أوروبا.
وتتمسك الحكومة المصرية بعدم إثارة أي مشكلة حقوقية أو أمنية تخص اللاجئين من أي جنسية، كي لا تشوه الانطباعات الإيجابية حولها، كدولة حاضنة لكثير ممن يطلبون اللجوء إليها، وتتعامل معهم كمواطنين لهم حقوق وخدمات.
واعتادت بعض المنظمات الحقوقية توظيف أي تحرك من جانب الحكومة بشأن ملف اللاجئين لتصدير صورة سلبية عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، والإيحاء بأن القاهرة تتعامل معهم بطريقة غير آدمية، وهي إشكالية تحدث حرجا سياسيا للسلطة.
وثمة شواهد عديدة مؤخرا، توحي بأن تعامل النظام المصري مع ملف اللاجئين تغير من الخشونة والتهديد بالترحيل للمخالفين إلى المرونة والاحتواء، وقد لا ينفصل ذلك عن إدراك مصر أنها إذا قررت ترحيلهم ستخسر ورقة مهمة في الضغط على دول أوروبية وقت القضايا الخلافية مع القاهرة، وتتراجع الوعود بمساعدات مادية.
وتستهدف مصر من قانون اللاجئين إعداد قاعدة بيانات دقيقة عن أعدادهم وجنسياتهم وسبب اللجوء، وما إذا كانت شروط الإقامة مستوفاة أم لا، بما يساعد على تقديم الدعم لهم، وسداد مستحقات الدولة عليهم، والبدء في توفيق أوضاع المخالفين منهم.
وتعرّض القانون لانتقادات مرتبطة بعدم السماح للاجئين بالمشاركة في النقابات العمالية، بما يُعد تمييزا يزيد من معاناتهم ومنع اندماجهم، في حين ترى الحكومة أن عضوية اللاجئ في النقابة العمالية تمنحه الإقامة في مصر بقوة قانون العمل بلا حاجة لتقنين أوضاعه وتقديم الأوراق التي تثبت أنه لاجئ شرعي.
كما أن الطعن في السجل الحقوقي للحكومة المصرية من بوابة اللاجئين يسبب لها إزعاجا في توقيت سياسي صعب، لأن القاهرة على موعد مع المراجعة الدورية لملفها الحقوقي بمجلس حقوق الإنسان الدولي بعد أسابيع.
واعتادت القاهرة الرد على الاتهامات المرتبطة بحقوق اللاجئين بطريقة حادة، عندما تكون الاتهامات غير واقعية أو تتناقض مع جهودها في احتضان الملايين منهم، بلا التفات للجنسية وأسباب اللجوء، وتتمسك بالتعاطي معهم بشكل إنساني.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها منظمات حقوقية بالحديث عل نطاق واسع عن أوضاع اللاجئين في مصر، وسبق أن زعمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الأمن المصري يعتقل لاجئين أفارقة ويقوم بترحيل معارضين منهم رغم طلبهم اللجوء السياسي، وهي اتهامات نفتها وزارة الخارجية المصرية.
وتضع الحكومة المصرية جملة من الضوابط الأمنية الصارمة التي بمقتضاها يجري رفض منح الإقامة للمتورطين في أعمال عنف وشغب في بلاهم، ويتم التعامل معهم أمنيا، لكن تلك الحسابات لا تلقى تأييدا من بعض المنظمات الحقوقية، ويتلقفها معارضون للقاهرة لتوظيفها كأداة للانتقام من السلطة، لأن هذا الملف له أبعاد دولية.
ومن المتوقع أن تمضي القاهرة في إقرار قانون تنظيم شؤون اللاجئين، بقطع النظر عن الانتقادات التي توجه إليها، على الأقل تمتص غضب الشارع من عشوائية التعاطي مع المهاجرين وتتفرغ لضبط أمنها القومي، طالما أن الحكومات الغربية يمكن أن تتركها لتتحمل وحدها تبعات الصراعات في الدول المحيطة، ووجدت نفسها متهمة بالإساءة للاجئين.