لعبت الميليشيات والفصائل في السويداء منذ العام 2015 دورا سلبيا في المحافظة الواقعة في جنوب سوريا، وقامت الميليشيات بأدوار مزعزعة للاستقرار متعلقة بأجندات الجهات المرتبطة بها، سواءً كانت أفرعا أمنية أو ارتباطات خارجية مع روسيا وإيران وحزب الله، أو لتأمين تمويلها عبر عمليات الخطف والإتاوات.
وتفاوتت حدة التوترات بين الميليشيات والفصائل تبعا لتغير موجات الحراك في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، وذلك بالتزامن مع اتساع دور الميليشيات في تجارة المخدرات خصوصا الكبتاغون وتبلور خطوط التوريد له مع وضوح المساحات الجغرافية لعمل كل ميليشيا وقيادتها وموقفها من الحراك وتبعيتها.
وسلطت ورقة بحثية أعدها الباحث يمان زياد ونشرها مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية" الضوء على خارطة الميليشيات والفصائل في السويداء وفهم ارتباطاتها وديناميات عملها وأدوارها ضمن مشهد الحراك من جهة، وضمن سلاسل توريد وإنتاج الكبتاغون من جهة أخرى، والمشهد الأمني والاجتماعي في المحافظة بشكل عام.
اعتمدت الورقة المنهج الوصفي التحليلي من خلال الرصد الذي أجراه الباحث منذ عام 2021، ويُضاف إليه الأوراق السابقة التي نُشرت في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية عن محافظة السويداء وتضمنت تحديثات خارطة المجموعات المسلحة في المدينة خلال عامي 2022 و2023، والفواعل السياسية عام 2024، والمقابلات التي أجراها الباحث مع عدة شخصيات محلية ذات اطلاع وبعضها مقرب من المرجعيات الدينية، إضافة إلى تتبع حركة وسلوك المجموعات المسلحة في المحافظة من خلال المصادر المفتوحة.
تشابك في التبعيات
كانت حركة “رجال الكرامة” أول الفصائل التي أنشئت بعد 2011، إذ أسسها الشيخ وحيد البلعوس بهدف تشجيع شباب السويداء على عدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش السوري، لتتحول لاحقا إلى فصيل عسكري، ولكن اغتيال وحيد البلعوس في سبتمبر عام 2015 كان مفصليا لمسار الحركة، إذ طُرد منها كل من ناصر السعدي ومهران عبيد عام 2016 اللذان أسسا ميليشيات خاصة بهما، وأيضا خرج من “رجال الكرامة” ليث البلعوس الذي أسس قوات “شيخ الكرامة” عام 2017، وشهدت الفترة بين عامي 2016 و2020 ظهور ما يقارب من 34 فصيلا وميليشيا في المدينة تعددت أدوارها وتبعياتها.
◙ أدوار الفصائل والميليشيات تبلورت ضمن أربعة أنواع بناء على هدف وجودها وسلوكها وآليات تمويلها
تبلورت أدوار الفصائل والميليشيات ضمن أربعة أنواع بناء على هدف وجودها وسلوكها وآليات تمويلها: ميليشيات تتبع لجهات خارجية وأمنية ويتمثل دورها في الخطف والإتاوات فقط، وميليشيات تتبع لجهات خارجية وأمنية ويتمثل دورها في الخطف والإتاوات بالإضافة إلى تجارة المخدرات، وفصائل تتبع للمرجعيات الدينية ومقربة من المجتمع المحلي، وميليشيات لا تتبع لأي جهة وتعمل في الخطف والإتاوات لتأمين تمويلها من أجل استمراريتها.
لم تكن أنواع المجموعات المسلحة ثابتة خلال تلك السنوات، إذ تحول عدد منها من ميليشيات تستهدف زعزعة الأمن إلى فصائل مقربة من المجتمع المحلي بسبب مساعي المرجعيات الدينية والوجهاء المحليين، كما اختفى عدد من الميليشيات نتيجة لأحد سببين؛ إما بسبب مصالحات محلية تحت إشراف المرجعيات الدينية، وذلك بهدف تسليم الميليشيات لسلاحها والكف عن عمليات الخطف مثل “ميليشيا سليم حميد” و”ميليشيا ناصر السعدي” اللذين أعادا تفعيل ميليشياتهما لاحقا بشكل أكبر، أو حملات قام بها عدد من الفصائل ضد تلك الميليشيات مثل “حراك تحرير السويداء” في عام 2022 الذي استهدف بشكل أساسي ميليشيا راجي فلحوط التي نشطت في عملية الخطف وتصنيع وتجارة الكبتاغون،حيث تم إنهاء وجود عصابة الفلحوط والعثور على معدات لتصنيع الكبتاغون في مقرها، وتمت إضافة الفلحوط في نوفمبر عام 2023 ضمن مشروع قانون “الكبتاغون 2” الذي يستهدف الشخصيات المتورطة في تجارة الكبتاغون ومنها قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد وراجي فلحوط. أما على صعيد تبعية الميليشيات لجهات خارجية وأمنية فتتمثل تبعيتها الخارجية المباشرة إما لروسيا أو إيران أو لحزب الله، أما على صعيد الأفرع الأمنية، فإما لفرع الأمن العسكري أو شعبة المخابرات العسكرية أو شعبة المخابرات الجوية.
◙ خارطة واضحة
تتمايز تبعية الميليشيات على النحو التالي:
♠ الميليشيات المرتبطة بحزب الله وإيران: منها التي يكون تواصلها غير مباشر مع الحزب ويتم عبر فرع الأمن العسكري ومنها التي يكون تواصلها معه مباشرا، وتعتبر المرتبطة بالحزب بشكل مباشر أكثر الميليشيات نفوذا وخطرا على السلم الأهلي في المحافظة، إذ تخصصت بعمليات الاغتيال وتهديد الحراك الثوري بشكل مستمر، بالإضافة إلى مهمتها الأساسية في تجارة الكبتاغون مثل “ميليشيا قوات سيف الحق”، و”ميليشيا ناصر السعدي”، و”ميلشيا نافذ أسد الله” التي يرأسها يعرب عصام زهرالدين والذي عُيّن قائدا على التشكيلات الرديفة للفرقة الرابعة في جنوب سوريا.
♦ بعد انتفاضة أغسطس 2024، ازداد وضوح الاصطفاف المسلح في محافظة السويداء بين الميليشيات
♠ الميليشيات المرتبطة بروسيا: تناقصت فاعليتها وعددها خلال عامي 2023 و2024 واقتصر دور تلك الميليشيات على بعض عمليات الخطف والخلافات الداخلية. أما على صعيد الميليشيات المرتبطة بالأفرع الأمنية، فيمكن تصنيفها إلى:
♠ ميليشيات تابعة لشعبة المخابرات العسكرية أو فرع الأمن العسكري: أغلبها يرتبط بإيران عبر الشعبة، وأصبحت تجارة الكبتاغون أهم أدوارها بالإضافة إلى بعض حالات الخطف، وتجلى دورها في مواجهة الحراك الثوري في موجاته الثلاث 2021 – 2022 – 2023.
♠ ميليشيات تابعة للمخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة: تتركز أدوارها في الزعزعة الأمنية ولا تشارك بشكل منظم في تجارة الكبتاغون، وتراجع دورها في المحافظة خلال عامي 2023 و2024 مقابل زيادة نفوذ شعبة المخابرات العسكرية.
بعد انتفاضة أغسطس 2024، ازداد وضوح الاصطفاف المسلح في المحافظة بين ميليشيات اعتبرت الحراك مهددا لها إما وجوديا بسبب اصطفافها مع النظام أو حتى اقتصاديا خوفا من تعرض خطوط تهريب الكبتاغون للخطر في حال أعادت الفصائل المحلية ما فعلته مع راجي فلحوط، وبين فصائل التزمت بدعم الحراك المحلي والتأكيد على وجودها لحماية المظاهرات السلمية، حيث لجأت الميليشيات بداية إلى تشويه الحراك واعتباره مؤامرة خارجية انفصالية، ولاحقا إلى تهديد الحراك وفتح عدة مقرات لحزب البعث عنوة بعد إغلاقها من قبل المتظاهرين الرافضين لتواجد أفرع الأمن أو أفرع حزب البعث في المحافظة.
ميليشيات تهريب المخدرات
كانت احتجاجات يوليو 2022 نقطة تحول في تمترس الفصائل والميليشيات ووضوح أدوارها في المحافظة، وذلك بعد المواجهة بين الفصائل المحلية وراجي فلحوط التي أفضت إلى إنهاء فصيل راجي فلحوط واكتشاف مدى تورطه في تصنيع الكبتاغون وتجارته في المحافظة، وانعكس الأمر على باقي الميليشيات التي انحسر نشاطها من الخطف والاغتيالات نحو تركيزها على تجارة المخدرات عموما والكبتاغون خصوصا.
ولكل من تلك الميليشيات أدوارها في سلاسل تجارة المخدرات:
♠ ميليشيات نقل إلى المحافظة: ويتمثل دورها بنقل الكبتاغون من أماكن تصنيعه أو تخزينه إلى السويداء، إذ شكلت السويداء خط عبور بين أماكن التصنيع والحدود الأردنية، ويشكل الكبتاغون القادم من الفرقة الرابعة في دمشق ومن البادية غربي السويداء من منطقة اللجاة خصوصا، النسبة الأعلى للكبتاغون في المحافظة، حيث تشرف “ميليشيا نافذ أسد الله” بقيادة يعرب زهرالدين على نقل الكبتاغون من دمشق إلى السويداء وهو ابن العميد عصام زهرالدين قائد الحرس الجمهوري في مدينة دير الزور الذي قتل في أكتوبر 2017 في دير الزور، بينما تشرف “ميليشيا رياض أبوسرحان” على إدخال الكبتاغون من البادية إلى السويداء.
♠ ميليشيات تخزين ونقل داخل السويداء: ويتمثل دورها بتخزين الكبتاغون في القرى وخاصة في الريف الشرقي للمحافظة، حيث ينشط التهريب في أشهر الشتاء وذلك بسبب سوء الأحوال الجوية الذي يُعطي المهربين فرصة إيصال بضاعتهم إلى الحدود الأردنية، بينما تكون باقي أشهر السنة لتنسيق تخزين الكبتاغون في المحافظة من قبل الميليشيات، مثل “ميليشيا ناصر السعدي” في بلدة صلخد، و”ميليشيا فارس صيموعة” في بلدة عرمان، و”ميليشيا صقور الوطن” في بلدة الكفر.
وتضاف إلى تلك الأدوار أدوار أخرى متعلقة بإقناع المجتمع المحلي بتخزين الكبتاغون ريثما يتم تهريبه لاحقا، حيث أدى التراجع الاقتصادي في المدينة إلى محاولة الميليشيات إشراك المجتمع المحلي في سلاسل تجارة الكبتاغون نظرا لعائدها المادي المرتفع وتقديم ضمانات من قبل تلك الميليشيات بتأمين الحماية للمتعاملين معها، وبالتالي إغراق المجتمع المحلي بالمخدرات سواءً كتجارة أو كتعاط مما يمنح نظام الأسد لاحقا ورقة تؤهله لاستخدام حلول أمنية أو حتى عسكرية للتدخل في المحافظة وإيقاف الحراك المستمر ضده وسحب السلاح المتواجد خارج ميليشياته وأفرعه الأمنية بحجة مكافحة تجارة الكبتاغون.
تقاطع في محافظة السويداء في عامي 2023 و2024 ملفان أمنيان أحدهما محلي مرتبط بالحراك الثوري في المحافظة ومهدداته الأمنية، وملف تجاوز الجغرافيا السورية ليصبح مهددا أمنيا إقليميا ودوليا، وهو تجارة المخدرات وماهيّة السبل الواجب على الأردن أو الدول الأخرى تبنيها بهدف تقنين تهريب المخدرات ومكافحة إنتاجها، ويمكن تلخيص النتائج ضمن ثلاث حِزم:
على صعيد تجارة المخدرات تُشرف الميليشيات المحلية في السويداء بشكل كامل على سلاسل توريد المخدرات وخاصة الكبتاغون داخل المحافظة، إذ يُلاحظ غياب الميليشيات غير السورية أو من خارج المحافظة، مما يُعطي تجارة المخدرات بعدين؛ أحدهما داخلي مرتبط بإغراق المجتمع المحلي بالكبتاغون، وبُعد خارجي يشكل جريمة سياسية تطبقها دمشق وطهران عبر أدواتهما في المحافظة للعب بالأمن الإقليمي لدول عديدة منها الأردن.
تُعتبر الميليشيات المحلية التابعة لإيران وحزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر عبر شعبة المخابرات العسكرية والأمن العسكري أكثر الميليشيات خطورة ضمن عدة مستويات، أولها مواجهة الحراك المحلي وتهديده، وثانيها تجارة المخدرات بكل مستوياتها من الجلب إلى المحافظة وتخزينها فيها وتجهيزها للتهريب خارج الحدود، ثالثها توريط المجتمع المحلي في تخزين الكبتاغون في أشهر الصيف التي يتعذر التهريب فيها.
إن تراجع الوضع الاقتصادي في المدينة من جهة، والبطالة الناتجة عن عدم قدرة شباب المحافظة على العمل في دمشق بسبب عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية واحتمال سوقهم تعسفيا في حال مغادرتهم السويداء من جهة أخرى، جعلا تجارة المخدرات أحد مصادر الدخل المربحة للشباب في ظل قلة فرص العمل.
مكافحة تجارة الكبتاغون
أي عملية تهدف إلى مكافحة تهريب المخدرات والكبتاغون نحو الحدود الأردنية أو العراقية يجب أن تتم من بداية السلسلة وليس في المراحل الأخيرة منها، أي في مرحلة الإنتاج والنقل، وبالتالي تكون مقرات حزب الله والفرقة الرابعة في دمشق، أو منطقة اللجاة في درعا (التي تعتبر نقطة عبور للمخدرات باتجاه السويداء) هي هدف تلك العملية.
إن تآكل سلطة الحكومة المركزية في المحافظة لصالح الميليشيات المتورطة في تجارة المخدرات، يفرض تنسيقا عاليا بين الأطراف الفاعلة الراغبة في تقنين تلك التجارة، وذلك تفاديا لتحول الوضع في المدينة إلى صراع بين الفصائل والميليشيات، مما قد يفضي إلى استخدام النظام لورقة العنف بهدف إعادة سيطرة أجهزته الأمنية على المدينة.