أثار مقطع فيديو بثته طبيبة على موقع فيسبوك حالة من الصدمة واللغط في أوساط المجتمع المصري، تحول خلال يومين إلى ترند بعد أن فاق عدد مشاهداته، حتى صباح الأربعاء، عشرة ملايين مشاهدة، وأدى إلى الزج بالطبيبة الشابة في السجن بعد صدور قرار النيابة العامة بحبسها على ذمة التحقيقات بسبب ما تضمنه من محتوى.
وتحدثت طبيبة أمراض النساء والتوليد وسام شعيب، من كفر الدوار في محافظة البحيرة شمال مصر، في الفيديو الذي بثته في الخامس من نوفمبر الجاري، عن قيامها خلال 24 ساعة بالكشف عن ثلاث حالات لسيدات اكتشفت أنهن حملن سفاحا بعد علاقات غير شرعية.
واستخدمت الطبيبة خلال مقطع مدته 13 دقيقة ألفاظا غير لائقة عن الحالات باستخدام أمثال شعبية فظة، وتستخلص النتائج حول انتشار العلاقات غير الشرعية في المجتمع بشكل كبير، متسائلة بسخرية “هو احنا (نحن) في شيكاغو؟” لتنصح بضرورة العودة إلى الدين والأخلاق والبعد عما سمته التربية الإيجابية، وتكون التربية بـ”الشبشب”، أي الضرب بالحذاء، حتى لا يفاجأ الأهالي بعودة بناتهم إليهم حوامل.
وأدى انتشار مقطع الفيديو إلى حالة من الصدمة انتهت إلى إلقاء القبض عليها والتحقيق معها وحبسها أربعة أيام على ذمة التحقيقات، بعد أن وجهت إليها اتهامات تكدير الأمن والسلم العام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة البلبلة، والإساءة لجموع المواطنين، والتعدي على القيم الأسرية، ونشر أخبار كاذبة.
وتحولت شعيب إلى ترند على مواقع التواصل خلال ساعات قليلة تحت وسم “طبيبة كفر الدوار”، في ظل حالة من الجدل حولها وما ذكرته، بين رافض لإطلاق التعميم وإفشاء أسرار المرضى واستخدام أسلوب لا يليق بوقار مهنة الطب، ومؤيد لها باعتبار أنها كشفت المستور في المجتمع وتحدثت من واقع عملها بهدف النصح، وجاء في تعليق:
وعلق ناشط:
وجاء في تعليق:
وهناك من وجد مبررات لحديث الطبيبة:
وبالرغم من أن القضية بين أيدي جهات التحقيق، إلا أنها لا تزال مطروحة على وسائل التواصل كقضية تهم الرأي العام، لاسيما أن الطبيبة ظهرت قبل القبض عليها في فيديو آخر حاولت فيه الرد على من هاجموها بلغة خطاب أهدأ كثيرا، معلنة رفضها حذف مقطع الفيديو موضوع الأزمة.
ووقعت الطبيبة في أخطاء عديدة، ودافعت عنها بفخر بعد أن قررت ارتداء عباءة القاضية، متخلية عن دورها كطبيبة مهمتها إنقاذ الأرواح وعلاج البشر جميعا، يستوي في ذلك الفاضل والمنحرف.
وسقطت الطبيبة في خطأ آخر، باعتراضها على نصوص القانون، عندما استنكرت في مقطع الفيديو أن تكون العقوبة القانونية للسيدة المدانة بارتكاب جريمة الزنا هي السجن لعامين فقط، معتبرة أنها ستخرج بعد أداء العقوبة لاستكمال طريقها المحرم بشكل عادي، قائلة إنه لو تم تطبيق عقوبة الرجم مرة واحدة لتحقق الردع بشكل بات.
ولا يختلف هذا الخطاب بالطبع عن خطابات شعبوية مماثلة، ترتدي ثوب التدين السطحي، وتستند إلى رؤية أحادية، تذهب أحيانا إلى أنه لو تم قطع يد السارق مرة واحدة لاختفت جريمة السرقة دون أي اعتبار لمحاولة دراسة وفهم الأسباب المجتمعية التي قد تؤدي بصاحبها إلى السرقة أو الخيانة الزوجية بهدف الوصول إلى علاج حقيقي يحد منهما ولا يمكن بحال أن يقضي عليهما، طالما أننا نناقش أمر مجتمع بشري، وليس مدينة من الملائكة.
والطبيبة ليست وحدها في هذا، إذ انتشرت مثل هذه الأفكار استنادا إلى خطاب ديني تغلغل في المجتمع على يد شيوخ بعينهم في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أُفسحت لهم المنابر والبرامج التلفزيونية، فنشروا أفكار التدين السطحي الشعبوي، حتى ظن الناس أنها صحيح الدين دون قبول أي تفسيرات مغايرة أو تأويلات أخرى.
ولا تتوقف التناقضات في خطاب الطبيبة، التي تقول إنها استهدفت نصح المصريين بحسن نية حفاظا على بناتهم ودفاعا عن الأخلاق، وتناشد الأسر المصرية، بتكرار وحُرقة، الكف عما تسميه التربية الإيجابية والعودة إلى أساليب التربية التي ترى أنها سليمة وأخرجت نماذج ناجحة مثلها، على حد قولها، عبر الضرب بـ”الشبشب”، ثم تعود لتستشهد في الفيديو التوضيحي بعد مقطع الفيديو الأول بالرسول الكريم الذي دعا إلى ضرب الأبناء للصلاة بعد سن العاشرة، دون أي تفقه أو محاولة للفهم أو عدم الوقوف عند ظاهر النص، لمعرفة طبيعة الضرب المقصود، وكيفيته وحدوده، والتي لن تكون بالطبع باستخدام الحذاء.
والمفاجئ أيضا أن الطبيبة التي تقول إنها لم تذكر أسماء الحالات التي تعرضت لها في الفيديو قامت في أكتوبر الماضي ببث مباشر في فيديو آخر تقول في بدايته إنها لن تتحدث عن موضوع إنما عن حالة بعينها قامت بفحصها، وذكرت اليوم والساعة بشكل محدد، قائلة إنها بدت أمامها طفلة لكنها اكتشفت إصابتها بنزيف حاد في ليلة عرسها التي ذكرتها بالتحديد، ثم راحت تتحدث بشكل غير لائق ينطوي على سباب مباشر لزوج العروس وحماتها، مع تحديد طبيعة عمل والدها، متسائلة: ما هذا الذي وصلنا إليه؟ وماذا يجبر أبا على تزويج ابنته الطفلة؟
بالطبع فإنه في حالة قيام أفراد هذه العائلة بتقديم بلاغ ضد الطبيبة بالسب أو القذف في حقهم، خلال فترة ثلاثة أشهر من الواقعة، فإن القانون سيكون في صفهم إذ لا يشترط في هذه الجرائم ذكر الاسم صراحة إنما يكفي لإثبات الجريمة الاستدلال على المجني عليه وأنه المقصود بالكلمات التي تنطوي على التحقير منه. وبالطبع يمكن الاستدلال على شخصيات من تم تناولهم في مقطع الفيديو الجديد أو القديم عبر شهادات الشهود وسجلات عيادة الطبيبة أو المستشفيات التي تعمل بها.
ربما لا تعلم طبيبة كفر الدوار، أو لا يهمها أن تعلم بمثل هذه الأمور، أو تعلم لكنها تدرك جيدا أن العائلة أو الحالات الثلاث التي تناولتها في الفيديو الأخير موضوع الأزمة لن تُقدم على تقديم شكوى ضدها، ليس فقط لأن الجميع ينتمون إلى بيئة ريفية محافظة، إنما لأنهم خالفوا القانون بتزويج فتيات قصر أو الحمل سفاحا دون عقد زواج، بالتالي فهؤلاء في نظر الطبيبة التي نصًّبت نفسها قاضية في المجتمع يستحقون التحقير منهم دون أي جرأة على الشكوى.
والأمر الملحوظ في الأزمة ما أثارته حسابات إلكترونية على السوشيال ميديا، راحت تدعم الطبيبة في ما قالته، وسخرت من عدم إدانة المشاهير الذين أعلنوا تأييد المساكنة، وإقامة علاقات خارج نطاق الزواج، في حين تتم مساءلة من تدعو إلى الخلق القويم. ولا شك أن هذا ينطوي على خلط واضح للأمور، إذ أن تصريحات أولئك المشاهير إنما عبرت عن آراء شخصية دون دعوة إلى تعميمها على الجميع، وقد رفضها المجتمع في الحال وشن حملات ضد أصحابها، أما طبيبة كفر الدوار فقد أفشت أسرار عملها وفضحت مرضاها، وسقطت في التعميم على المجتمع ككل، مع إطلاق النصائح حول سبل التربية الواجبة باستخدام العنف، بلغة خطاب لا تليق بمهنتها بحال من الأحوال.
ويمثل الفيديو الصادم لطبيبة كفر الدوار محاكمة “لايف” للمجتمع المصري ككل، على الهواء مباشرة، ليس لأنه فضح شيئا جديدا أو كشف مستورا خفيا، إنما لأن التدين السطحي واليقين الزائف واستسهال إطلاق الأحكام على الآخرين دون محاولة لفهم الظروف المحيطة، مع تبرير الأفعال للذات بكل الأشكال في المقابل، كلها صفات ليست قاصرة على الطبيبة، إنما هي سمات استشرت في المجتمع، في عصر السوشيال ميديا.