تواجه مناطق غرب ليبيا نذر اندلاع مواجهة عسكرية بعد اتساع دائرة الاحتقان في مدينة الزنتان والمناطق المجاورة وخاصة في الحمادة الحمراء الغنية بالنفط والتي يحتدم حولها الصراع بين أطراف عدة داخلية وخارجية.
وذكرت مصادر ليبية أن الجزائر دعت المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية إلى حسم الموقف بخصوص الحدود المشتركة في الوسط الغربي لليبيا، والتي عجزت سلطات طرابلس على بسط نفوذها عليها ما أدى في مناسبات عدة إلى تأجيل إعادة فتح معبر الدبداب المشترك، الذي لا يزال مغلقا منذ عشر سنوات.
وعقد المجلس الرئاسي الذي يعتبر القائد الأعلى للجيش الليبي في غرب البلاد، الأحد اجتماعا تشاوريا حول تطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية في البلاد، مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وزير الدفاع عبدالحميد الدبيبة، ووكيل وزارة الدفاع، ورئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد الذي قدم إحاطة كاملة حول عمل المناطق العسكرية، والإجراءات التنظيمية المتخذة لضمان عملها بطريقة انسيابية.
وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، تم التأكيد على استمرار العمل لمواجهة التحديات التي تعيق المؤسسة العسكرية، لضمان تحقيق الاستقرار والمحافظة على وحدة ليبيا وسيادتها. لكن مصادر مطلعة أكدت أن الاجتماع تناول بالخصوص الوضع المتأزم ميدانيا في منطقة الحمادة الحمراء في ظل الخلافات الحادة مع قبائل وميليشيات الزنتان لاسيما بعد واقعة اختطاف العميد مصطفى علي الوحيشي مدير إدارة الأمن في جهاز المخابرات داخل مدينة طرابلس.
الزنتان أرسلت تعزيزات عسكرية إلى منطقة الحمادة الحمراء ما يشير إلى إمكانية اندلاع المعركة الفاصلة في أي وقت
وحذر المجلس الأعلى لثوار الزنتان، حكومة الدبيبة من التقاعس بشأن الواقعة وقال في بيان “نستنكر الأعمال الإجرامية الممنهجة في العاصمة طرابلس وباقي المدن الأخرى” مشيرا إلى أن الوحيشي كان يقوم بواجبه الوطني من خلال عمله كموظف في جهاز الأمن من أجل أن تنعم ليبيا بالاستقرار والسلام.
وأدان المجلس ما وصفه بـ”العمل الشنيع والجبان الذي تعرض له ابن مدينة الزنتان من قبل العصابات الإجرامية والتي تنفذ أفعالها بتوجهات فاسدة من عمليات الخطف والقتل” محملا “حكومة الدبيبة بكل أجهزتها الأمنية مسؤولية سرعة إطلاق سراح ابننا المذكور.”
ولفت المجلس إلى أن الوحيشي يتبع هذه الحكومة وعليها مسؤولية سلامته وضمان حياته والقبض على من اقترف هذا العمل الدنيء وتقديمه إلى المحاكمة بأسرع وقت، وحذر حكومة الدبيبة في حال تقاعسها وعدم اهتمامها بالبحث عنه وضمان سلامته من أنه سوف يتحرك وبقوة وبكل الوسائل المتاحة لديه من أجل إنقاذه وضمان سلامته ولن يتوانى في ذلك حفاظا على حياته.
وجاء ذلك، إثر انعقاد اجتماع مشحون ضم أعيان ومشايخ الزنتان والنائب بالمجلس الرئاسي عبدالله اللافي ورئيس جهاز المخابرات حسين العائب الذي يتهمه الزعماء القبليون بالوقوف وراء اختطاف الوحيشي وقدموا أدلة تثبت تورطه.
وبحسب قادة من الزنتان، فإن الوحيشي جرى اختطافه بسبب انهماكه في إجراء تحقيق أمني شامل حول ملف حقل “إن.سي7” في منطقة الحمادة بحوض غدامس، وتواجه سلطات طرابلس اتهامات بمحاولة التفريط به في صفقة مشبوهة وفق مجلس النواب وقيادة قبلية وقوى سياسية وناشطين في المجتمع المدني.
قوات الزنتان حسمت موقفها من ضرورة التصدي لأي محاولة قد تقوم بها قوات السلطة المركزية للسيطرة على مناطق النزاع
ورفض مجلس النواب في ديسمبر الماضي اعتزام حكومة الوحدة على “التوقيع على اتفاقية استثمار لحقل الحمادة الحمراء” وقال المجلس في بيان إن الاتفاقية تشمل تنازل حكومة الدبيبة عن نسبة تقارب 40 في المئة من إنتاج الحقل لصالح ائتلاف شركات أجنبية.
وحذر المجلس “الدول المعنية من التورط في استغلال الظروف التي تمر بها ليبيا لأجل نهب ثرواتها والابتزاز من أجل صفقات فاسدة أو ملحقة لضرر جسيم بالبلاد واقتصادها.”
وأوضح البيان أن القطعة التي تعني بها الاتفاقية “تتبع شركة الخليج الوطنية ومستكشفة منذ زمن ومؤكد احتواؤها على احتياطات كبيرة جدا من الغاز والنفط والمكثفات وأن طرحها للاستثمار والشراكة الخارجية خسارة كبيرة للدولة الليبية، خصوصا أن توفير التمويل اللازم ممكن محليا.”
وفي يوليو الماضي، أصدر المجلس الأعلى لثوار الزنتان بيانه الثاني من أرض الحمادة الحمراء. مؤكدا رفضه دخول أي قوة من القوات العسكرية إلى المنطقة، ورفضه القاطع لدخول شركات استثمارية، أو تحت أي مسمى أو لأي عذر كان إلى الحدود الإدارية، دون إذن مسبق من المجلس الأعلى لثوار الزنتان، وجميع مكونات الزنتان، معتبرا أن “الحقول النفطية وحقول الغاز، هي ملك للشعب الليبي دون استثناء، ولن نسمح بالتفريط فيها أو التعدي عليها دون قيام انتخاب حكومة شرعية منتخبة.”
وفيما تواجه حكومة الدبيبة اتهامات بمحاولة السيطرة بالقوة على منطقة الحمادة الحمراء لتنفيذ مخططاتها الاستثمارية وتحقيق التنسيق المطلوب مع الجانب الجزائري، نفى اللواء 444 قتال ما وصفه بـ”المعلومات المضللة” بشأن نيته الاستيلاء على الحقول النفطية، وقال إن عملياته تركز على مكافحة التهريب وضبط الشبكات الإجرامية، لافتا إلى أن قواته تخوض معارك مع المهربين ذاتهم حيث فقد ثلاثة من جنوده خلال إحباطهم لعملية تهريب في مايو الماضي.
وتابع اللواء أن عملياته ترتكز على مكافحة شبكات التهريب وإحباط عملياتها، وأن تأمين الحقول والمنشآت النفطية ليس من اختصاصاته، وأن قواته لم تتواجد بداخلها يوما، نافيا كل ما يتداول حول محاولته السيطرة على حقول نفطية بصحراء الحمادة مؤكدا أنها محض ادعاءات غرضها تشويه السمعة وتشتيت الانتباه.
لكن هذا النفي، لا يستبعد نذر المواجهة لاسيما بعد أن تمكنت قوة عسكرية من الزنتان من أسر سرية كاملة تتألف من 28 عنصرا من لواء 444، بكامل عدتهم وعتادهم وآلياتهم، بعدما حاولوا التسلل إلى منطقة الحمادة، وهو ما فتح باب التأويلات على أكثر من صعيد، فيما أرسلت الزنتان تعزيزات عسكرية إلى منطقة الحمادة الحمراء بما يشير إلى إمكانية اندلاع المعركة الفاصلة في أي وقت.
ووفق مراقبين، فإن قوات الزنتان حسمت موقفها من ضرورة التصدي لأي محاولة قد تقوم بها قوات السلطة المركزية للسيطرة على مناطق النزاع، كما أن هناك أطرافا أخرى مستعدة لدعمها في المواجهة، بما في ذلك قوات الجيش الوطني المسيطرة على جنوب غرب البلاد إلى جانب بقية مناطق الجنوب والشرق وجزء من المنطقة الوسطى.
وكان جهاز حرس المنشآت النفطية في الجنوب الغربي قد تحفظ على دورية تابعة للواء 444 قتال، أواخر أكتوبر الماضي، وأفرج عنهم في وقت سابق، بعد مصادرة سياراتهم وأسلحتهم، محذرا إياهم من دخول المنطقة النفطية، ومؤكدا أن أي مشكلات قانونية تقع على عاتق حرس المنشآت.