دخل القانون الجديد للهجرة في موريتانيا حيز التنفيذ الأسبوع الجاري، حيث تأمل السلطات في أن يسهم في كبح اندفاع المهاجرين غير النظاميين، خاصة وأنه تضمن حزمة من العقوبات الزجرية من بينها السجن ودفع غرامات مالية.
وشهدت موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة موجة “غير مسبوقة” من المهاجرين غير النظاميين واللاجئين الأفارقة الحالمين بالعبور نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل وهربا من نزاعات مسلحة وأزمات اقتصادية تهز بلدانهم.
وباتت شواطئ مدينتي نواكشوط (غرب) ونواذيبو (شمال غرب) وجهة مفضلة للآلاف من المهاجرين، غالبيتهم من بلدان الساحل ومنطقة غرب أفريقيا، نظرا إلى موقعها الجغرافي القريب من جزر الكناري الإسبانية في عرض المحيط الأطلسي.
ويفرض القانون الجديد، الذي نشر في الجريدة الرسمية، عقوبة السجن من شهرين إلى 5 أشهر، وعقوبات مالية على كل “من دخل التراب الوطني دون المرور بأحد المعابر الرسمية المحددة من طرف السلطات المختصة،” أو من “أقام في البلاد بطريقة مخالفة لأحكام أنظمة الهجرة.”
موريتانيا سجلت في الأشهر الأخيرة تزايدا كبيرا في أعداد المهاجرين واللاجئين ممن وصولوا إلى أراضي البلاد إما لغرض الإقامة أو للعبور إلى أوروبا
وبحسب القانون ستطال العقوبات أيضا كل من قدم العون والمساعدة لأي شخص بغرض الدخول أو الإقامة في البلد بطريقة غير نظامية، مع علمه بذلك، وكذلك كل من لم يلتزم بالمتطلبات الصحية المنصوص عليها في الترتيبات الجاري بها العمل، إضافة إلى الأجانب الذين خالفوا منع الدخول أو الإقامة في مناطق معينة أو أماكن محددة، أو الحكم بالإبعاد من نفس المناطق أو الأماكن، دون الإخلال بإجراءات الطرد التي يجوز اتخاذها ضد أي أجنبي من المحتمل أن يؤدي وجوده أو نشاطه إلى الإخلال بالنظام العام.
وتنص المادة الثالثة من القانون على السجن من 5 أشهر إلى سنتين لكل من يستخدم وثائق ثبت أنها مزورة أو مزيفة، أو حصل على هذه الوثائق بهوية مزورة، أو باستخدام بيانات حالة مدنية مزورة وكل من قام بتزوير تأشيرة قنصلية.
كما أنشأت السلطات محكمة تحت اسم المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين. وتنص المادة 11 من هذا القانون على تخلي المحاكم الابتدائية عن القضايا المعروضة أمامها، التي تدخل في اختصاص هذه المحكمة، وذلك بمجرد بدء نفاذ التشريع الجديد.
وكان وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين قد أكد في توضيحات قدمها إلى البرلمان في سبتمبر الماضي أن “قانون الهجرة المعدل يأتي في إطار مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والحد من تداعياتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ضغطها على الموارد المحلية،” مشددا على أن “هناك حاجة ماسة لسد النقص الملاحظ في الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الهجرة غير الشرعية.”
وأوضح ولد محمد الأمين “أن موريتانيا لن تكون، بحال من الأحوال، حارساً لحدود الآخرين، وستتعامل مع الهجرة غير النظامية وفق ما تمليه عليها القوانين والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.” وتابع “سيقتصر تدخل موريتانيا على ضبط حدودها بما يضمن مصالحها وأمنها واستقرارها، والحكومة حريصة على مطابقة قوانين الهجرة لنظم العمل الوطنية والدولية، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل الذي هو مبدأ راسخ في العلاقات الدولية، ومع السهر على كل ما من شأنه خدمة مصالح الجاليات في الخارج.”
وسجلت موريتانيا في الأشهر الأخيرة تزايدا كبيرا في أعداد المهاجرين واللاجئين ممن وصولوا إلى أراضي البلاد إما لغرض الإقامة أو للعبور إلى أوروبا.
ألف لاجئ تستضيفهم موريتانيا من مالي، يتركز معظمهم في مخيم "أمبره"
وبحسب إحصائيات كشف عنها وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك الشهر الماضي تحتضن البلاد ما بين 350000 و400000 مهاجر من دول الساحل، أي ما يعادل 10 في المئة من سكان موريتانيا البالغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة.
وتخشى موريتانيا تزايد عمليات تدفق المهاجرين إلى أراضيها، مع تصاعد التوترات الأمنية في دول الساحل، وما سيفرضه ذلك عليها من ضغوط أمنية وأعباء مالية ولوجستية.
وقال محمد الأمين ولد خطاري، رئيس “المرصد الأطلسي الساحلي للهجرة” (غير حكومي)، في وقت سابق إن أبرز مُسبب لموجات الهجرة الأخيرة إلى موريتانيا يتمثل في ما تعانيه دول منطقة الساحل وحتى منطقة القرن الأفريقي من اضطرابات أمنية وحروب أهلية.
وأشار إلى أن مدينة باسكنو جنوب شرق موريتانيا تحولت إلى “ثاني أكبر تجمع سكاني في البلد بعد العاصمة نواكشوط، بسبب استضافتها مئات آلاف اللاجئين من دولة مالي وحدها.” وتستضيف موريتانيا نحو 120 ألف لاجئ من مالي، يتركز معظمهم في مخيم “أمبره”.
وفي مؤشر يعكس تنامي القلق الإسباني خصوصا، والأوروبي عموما، من قضية الهجرة انطلاقا من سواحل موريتانيا، زارت وزيرة الدفاع الإسبانية ماركاريتا روبلز في أكتوبر الماضي نواكشوط حيث أجرت مباحثات مع كبار المسؤولين في هذا البلد، من بينهم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ووزير الدفاع حننه ولد سيدي.
ونبه ولد سيدي خلال اجتماعه مع المسؤولة الإسبانية إلى أن الوضع الأمني في منطقة الساحل مستمر في التدهور وانعدام الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتأزم الاقتصادي، ما يعرّض الأمن والسلام للخطر على المستوى العالمي والإقليمي والقاري.
وأشار إلى أن تدفق اللاجئين على بلاده “وصل إلى عتبة حرجة،” مضيفا أن “تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة يؤدي إلى تكثيف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، الذين يعبرون بلادنا نحو إسبانيا.”