يعمد الإسرائيليون إلى تنفيذ ضربات مقصودة ضد بعض البلدات التي ينتقل إليها النازحون الشيعة قادمين من مناطق سيطرة حزب الله، ما يجعل سكان البلدات التي يتجهون إليها، سنية كانت أو مسيحية، يتوجسون من وجودهم، والكثيرون يرفضون استقبالهم وتأجير الشقق لهم خوفا من استهدافها.
ونجحت إسرائيل عبر هذا الأسلوب في زرع الشقاق بين اللبنانيين وتعميق التوجس من الشيعة الموجود أصلا؛ فسكان المناطق الآمنة التي ينتقل إليها الشيعة يخافون من أن يكون هؤلاء أو بعضهم -أو حتى نفر منهم- قادة أو عناصر فاعلة في حزب الله، متوقعين أن تلاحق إسرائيل النازحين وتقتلهم وتقتل من يسمح لهم بالسكن في الأحياء البعيدة عن ساحة الحرب في الضاحية أو بعلبك أو الجنوب.
وانتشرت في الفترة الأخيرة تحذيرات عبر بعض التطبيقات تحذر سكان القرى البعيدة عن الحرب من استقبال النازحين الشيعة، وتنشر تفاصيل عن الاستهدافات الإسرائيلية للنازحين، وهو ما حول الشيعة في لبنان، المحسوبين على بيئة حزب الله، إلى طرف غير مرغوب فيه في بلد الأرز، خاصة إثر اتساع دائرة القصف وزيادة أعداد الضحايا.
من المرجح أن يزيد الضغط على النازحين لدفعهم إلى البقاء في مراكز الإيواء القريبة من الجنوب بدلا من الاتجاه شمالا
وفي بلدة عين يعقوب الواقعة في أقصى شمال لبنان طغت على السكان الثلاثاء مشاعر الغضب والصدمة، بعد غارة إسرائيلية استهدفت مبنى كانت تقطنه عائلات نازحة.
ولم يبقَ شيء من المبنى الصغير الواقع في البلدة التي كان يعتقد قاطنوها أنّها في مأمن من الحرب. وأيا كان المستهدفون، وسواء أكانوا مدنيين أم من بينهم من هو منتسب إلى حزب الله، فإن البلدة ستجد نفسها مجبرة على رفض استقبال نازحين من الجنوب ولو كانوا أقارب أو معارف.
ويؤكد هاشم هاشم، مالك المبنى المستهدف، أن “الأشخاص الذين يقطنون المبنى هم خالي وزوجته وأقرباؤها وأطفالهم.”
ويوضح أنّ العائلة جاءت من جنوب لبنان قبل أربعين يوما، هربا من عمليات القصف الإسرائيلية، مضيفا “في الطابق الأول كانت هناك عائلة قدمت من سوريا منذ حوالي عشر سنوات.”
وتقع بلدة عين يعقوب الحرجية والجبلية النائية، وسكانها من المسلمين السنّة والمسيحيين، في منطقة عكار المحرومة على بعد حوالي 150 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية، وهي قريبة من سوريا.
وهذه من المرات القليلة التي تُستهدف فيها قرى في عكار، لاسيما أنّ الغارات التي طالت المنطقة في السابق تركّزت على معابر حدودية تربط لبنان بسوريا.
ويتوقع مراقبون أن يزيد الضغط على النازحين لدفعهم إلى البقاء في مراكز الإيواء القريبة من الجنوب بدلا من الاتجاه شمالا، إلا إذا كان الأمر يتعلق بالتحضير للسفر إلى سوريا أو العراق حيث يحظى النازحون الشيعة بحفاوة واسعة من الشيعة هناك.
وبات بعض الملاك يرفضون إيواء النازحين القادمين من الجنوب، رغم أن أسعار الإيجارات قد ارتفعت كثيرا غداة انطلاق الحرب، لكن بعد توسع دائرة القصف الإسرائيلي تغير كل شيء.
ويرسل ملاك آخرون إلى مستأجريهم إخطارات تحثهم على معرفة جيرانهم ومن أي منطقة قدموا، والحد من الزيارات “للحفاظ على سلامة الجميع.”
إسرائيل نجحت في زرع الشقاق بين اللبنانيين وتعميق التوجس من الشيعة الموجود أصلا
وتتعالى بين الفينة والأخرى أصوات محذّرة من أن استقبال نازحين شيعة في بلدات سنية أو مسيحية قد يغير التوازنات الديمغرافية، خاصة أن العودة إلى الجنوب على المدى المنظور صارت صعبة بعد التدمير الكامل للبلدات الشيعية واستحالة إعادة الإعمار قريبا، ما يدفع النازحين إلى بداية حياة جديدة في القرى التي لجأوا إليها.
وتشنّ إسرائيل بين الحين والآخر غارات عنيفة على بلدات وقرى تقع خارج معاقل الحزب، مستهدفة سيارات أو أفرادا أو شققا سكنية. وتحدثت تقارير عدة مرات عن ارتباط الأهداف بحزب الله.
والأحد شنّ الجيش الإسرائيلي غارة على بلدة علمات التي تقطنها غالبية شيعية في قضاء جبيل ذي الغالبية المسيحية، وتقع على بعد حوالي 30 كيلومترا من العاصمة بيروت. وأسفرت الغارة عن مقتل 23 شخصا على الأقل، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
وفي الخامس من نوفمبر الجاري استهدفت غارة إسرائيلية مبنى في بلدة برجا الساحلية الواقعة على مسافة أكثر من 20 كيلومترا إلى الجنوب من بيروت. وأسفرت عن مقتل 20 شخصا على الأقل، بحسب وزارة الصحة. وقُتل 21 شخصا على الأقل في 14 أكتوبر الماضي جراء غارة استهدفت بلدة أيطو المسيحية في قضاء زغرتا في شمال لبنان.