عربي ودولي

خطة إنقاذ ليبية عاجلة لتجاوز كبوة الأزمات المالية
خطة إنقاذ ليبية عاجلة لتجاوز كبوة الأزمات المالية
عادت روح التفاؤل لتسود أوساط الليبيين عقب اعتماد مجلس إدارة البنك المركزي خطة إستراتيجية قصيرة المدى، بما يؤدي إلى تدشين مرحلة تجاوز الأزمة المالية التي تعرفها البلاد منذ سنوات، وتفاقمت بعد اندلاع أزمة البنك في أغسطس الماضي.

وبعد اجتماع هو الأول الذي يعقده المجلس بكامل أعضائه منذ 10 سنوات، تبين أن الخطة تتضمن حزمة من المبادرات لتطوير أعمال المصرف في تنظيم السياسة النقدية وسعر الصرف والأساليب الرقابية الفعالة وتفعيل دور لجنة السياسة النقدية بالمصرف.

وقال مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في بيان “اعتمدنا مشروع شهادات إيداع المضاربة المطلقة وفقا لمبادئ الصيرفة الإسلامية وتفعيل حسابات الاستثمار لتشجيع المواطنين على استثمار مدخراتهم وإيداعها في هذه الحسابات.”

وأضاف “تم اعتماد دليل تأسيس شركات التأجير المالي واللائحة التنظيمية لعقودها والنماذج المنظّمة لعملها لمنحها إذنا بالمزاولة وقبول طلبات منح التراخيص.”

وقرر المركزي منح تراخيص الموافقة النهائية لشركات ومكاتب الصرافة المتحصّلة على الموافقة المبدئية شريطة أن تسوّي أوضاعها وفتح المجال أمام تقديم طلبات جديدة.

كما وافق على اعتماد دليل حوكمة القطاع المصرفي الليبي ليكون أكثر شمولا واستجابة للمعايير الدولية، والموافقة على تفعيل نظام المقاصة الموحد بين فرعي المصرف في طرابلس وبنغازي بما يمكن المصارف من استخدام أرصدتها بالكامل.

وبعد أن ناقش الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على سعر الصرف، قرر المجلس اتخاذ الإجراءات المناسبة لدعم قيمة الدينار بهدف تعزيز القدرة الشرائية والمساهمة في انخفاض الأسعار.

وتم الاتفاق على تداول الورقة النقدية من فئة 50 دينارا على أن يكون آخر موعد لقبولها يوم 30 أبريل 2025 ويكون آخر تاريخ لقبولها في المركزي يوم 8 مايو 2025.

وخوّل المجلس للمحافظ اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لتسريع وتسهيل دفع الرواتب في مواعيدها، ودعم خطة المركزي لتوفير السيولة لكافة فروعه.

كما شدد على تمسكه بتطوير عملية الدفع الإلكتروني ونقل الموزّع الوطني إلى المركزي وتخويل المُحافظ ونائبه اتخاذ الإجراءات اللازمة في ذلك.

ويرى مراقبون أن الخطة تهدف إلى حلحلة الأزمة المالية عبر توحيد المواقف من جملة من الملفات الخلافية، ومن خلال السعي إلى فصل الجانب التقني المصرفي عن الجوانب السياسية التي أدت إلى عرقلة مجلس الإدارة السابق في مناسبات كثيرة.

ورأى العضو السابق في لجنة سعر الصرف بالمركزي مصباح العكاري أن هناك قرارا مهما للبنك سيكون انعكاسه إيجابيا على السيولة وسعر الصرف.

وقال إن “قرارات البنك المركزي كان يتطلع إليها القطاع المصرفي وينتظرها بفارغ الصبر إلى أن أصبحت واقعا ملموسا.” وأضاف “مع أهمية كل القرارات لكني اعتبر أهمها هو اعتماد منتج شهادات إيداع المضاربة المطلقة لامتصاص جزء من المعروض النقدي.”

أبرز الإجراءات

وأوضح أن هذه الأداة سيكون لها تأثير كبير على سعر الصرف والسيولة، فمعروض النقد البالغ 170 مليار دينار (35.2 مليار دولار) يمثل المحرك الرئيسي للطلب على العملة الأجنبية، لاسيما بعد أن كان المركزي يعالج هذه المشكلة بضخ كميات النقود من احتياطياته.

ولفت العكاري إلى أن الاستثمار فيها يساعد في امتصاص الكم الهائل من النقود خارج البنوك، وكذلك الودائع تحت الطلب الأمر الذي يتيح أمام المستثمرين فرصة لتوظيف أموالهم.

ومن شأن ذلك أن يحد من الطلب على النقد الأجنبي ويتيح للبنوك أداة استثمارية تدر عليها عائدات جديدة، الأمر الذي يعطيها فرصة لإعادة النظر في العمولات التي تفرضها على زبائنها.

ووافق مجلس إدارة المركزي على تفعيل نظام المقاصة الموحد بين فرعيه في طرابلس وبنغازي، بما يمكن البنوك من استخدام أرصدتها بالكامل، وهي خطوة تأتي ضمن خطته للعمل على تسريع وتحسين جودة الخدمات المصرفية.

ورأى الخبير المصرفي حسام الشهيبي أن هذا القرار مؤشر إيجابي على رغبته في إصلاح ما أفسدته السياسة عبر عقد من الزمن.

وأشار إلى تكرر مثل هذا الإجراء في عدة مناسبات جمعت فرعي المركزي، أهمها بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ولقاء محافظ البنك في بنغازي محمد الحبري ومحافظ البنك في طرابلس الصديق الكبير، دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ.

وثمة منظومتان للمركزي في بنغازي، الأولى أصلية وتم فصلها عن المنظومة الأم بقرار من الكبير قبل عشر سنوات لأسباب سياسية. ويمكن تفعيلها ببساطة غير أن ذلك لن يحل المشكلة لأنها ستظهر في حال تفعيلها فقط حساباته في 2014.

أما المنظومة الثانية فاستحدثت بعد الانقسام وهي منفصلة تماما عن عمليات المركزي في طرابلس، وهي المنظومة الفعلية التي تعكس ميزانية مركزي بنغازي بما فيها أرصدة البنوك.

وأوضح الشهيبي أن دمج المنظومتين، أو بلغة محاسبية “دمج ميزانية المصرفين”، يواجه مشكلة فنية متعلقة بتوافق النظام المحاسبي والحسابات العامة المختلفة عن حسابات منظومة طرابلس.

وقال إن “توحيد عمليات المقاصة يبدو في ظاهره إجراء مصرفيا يمكن للمركزي اتخاذه بقرار، لكن الحقيقة أنه يتجاوز صلاحياته.”

ومن أجل حل مشكلة المقاصة لا بد أن تنقل أرصدة البنوك من الجانب الدائن بميزانية مركزي بنغازي إلى الجانب الدائن من ميزانية مركزي طرابلس وهو ما يتطلب نقل ما يقابلها في الجانب المدين إلى ميزانية مركزي طرابلس وهنا تأتي المشكلة، وفق الشهيبي.

ويشرح قائلا إن “أرصدة البنوك لدى مركزي بنغازي يقابلها دين عام يتجاوز 90 مليار دينار (18.66 مليار دولار)، وهذا يتطلب رغبة من أطراف الصراع السياسي في تسوية هذا الملف ودمج الدين العام وشرعنته كدين عام ليبي موحد.”

في الأثناء يعتبر المتابعون للشأن الليبي أن البلاد مقدمة على فترة ازدهار مالي واقتصادي وأن على المركزي أن يكون مهيأ للقيام بدوره على أحسن وجه، لاسيما قطاع النفط الذي يمثل حوالي 98 في المئة من نشاط الاقتصاد.

وتشهد الصناعة تحولا إيجابياً مع الزيادة الأخيرة في الإنتاج، حيث تجاوز 1.3 مليون برميل يوميا، وهو مستوى لم يُسجل منذ سنوات.

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الأحد الماضي ارتفاع إنتاج النفط والمكثفات ليصل إلى 1.36 مليون برميل يوميا، مع إنتاج الغاز الذي بلغ نحو 200.7 ألف برميل مكافئ يوميا، ليصبح إجمالي الإنتاج من النفط والغاز حوالي 1.56 مليون برميل يوميا.

وتأتي هذه الزيادة في ظل استقرار نسبي في ليبيا، ويرى الخبراء أنه يفتح آفاقا جديدة لاستقطاب استثمارات الشركات الأجنبية التي كانت قد تراجعت عن العمل في ليبيا منذ عام 2014 بسبب التوترات السياسية والأمنية.

وتستعد السلطات لطرح أول مناقصة لعقود التنقيب منذ العام 2007، في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء قطاع الطاقة وزيادة مستويات الإنتاج.

وتتضمن هذه الجولة مواقع برية وبحرية للتنقيب في أحواض سرت ومرزق وغدامس، وفقا لتصريحات أدلى بها وزير النفط المكلف خليفة عبدالصادق الأسبوع الماضي لبلومبيرغ الشرق.

12 نوفمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة