ينطلق مؤتمر المناخ (كوب) الاثنين في باكو عاصمة أذربيجان حاملا في طياته آمالا ممزوجة بالطموحات من أجل الخروج بحلول جماعية تساعد في إنقاذ الكوكب، بحيث يركز أحد محاور هذا المسار على زيادة دعم الشركات الخاصة ليكون دورها أكبر.
ورغم أن تحقيق صافي الصفر لا يستند إلى أيديولوجية أو وجهات نظر سياسية، لكن قوانين الطبيعة الصارمة والسريعة تحتم تأمين المرونة والازدهار على المدى الطويل، وهو أمر يتطلب التسريع فيه من قبل الحكومات وقطاع الأعمال عموما.
وكان صندوق النقد الدولي قد حث أواخر عام 2023 على زيادة مساهمة القطاع من 40 إلى 80 في المئة لتلبية الاحتياجات الكبيرة إلى الاستثمارات المناخية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
وبالتوازي مع ذلك، يتعين استثمار تريليوني دولار سنوياً بحلول العام 2030 طبقا للبيانات التي أوردتها وكالة الطاقة الدولية والمبلغ المقرر حاليا من إجمالي هذا المبلغ يصل إلى 400 مليار دولار فقط للسنوات الستة المقبلة.
وتعَد مؤتمرات الأطراف أفضل منتدى للإجابة على هذه الأسئلة. وكما هو الحال مع جميع مؤتمرات الأطراف، ستشهد قمة المناخ لهذا العام صخبا من مطالب المجتمع المدني باتفاقيات اختراق.
ويترافق مع ذلك تشاؤم في مواجهة جماعات الضغط ذات المصلحة الخاصة والمواقف السياسية ومبادرات التمويه، بينما تكافح الحكومات حول كيفية تقاسم تكاليف ومسؤوليات العمل المناخي.
وفي ظل الانسحاب الأميركي الوشيك من اتفاقيات المناخ الدولية وخطط توسيع الوقود الأحفوري لا توجد طريقة للنظر إلى هذا التحول على أنه أي شيء آخر غير انتكاسة كبرى بينما يحتاج العالم إلى الاتحاد في مواجهة التحديات.
ولكن وسط الاضطرابات السياسية والمفاوضات الحكومية الدولية الصعبة، فإن تركيز القمة على تمويل المناخ يضع كوب 29 عند مفترق طرق حاسم آخر: العلاقة المستقبلية بين القطاعين العام والخاص في السعي لتحقيق صافي صفر.
وترى ليندسي هوبر الرئيسة التنفيذية المؤقتة لمعهد كامبريدج للقيادة المستدامة أن أزمة المناخ هي النتيجة المباشرة للنماذج الاقتصادية والطاقة والتجارية اليوم، والتي تحفز الشركات على العمل بطرق يمكن أن تدمر الأسس البيئية التي نعتمد عليها جميعا.
وتفرض مشكلة المناخ تكاليف بشرية كارثية بشكل متزايد، مثل العواصف والفيضانات الأخيرة في فلوريدا ومنطقة الساحل وفالنسيا.
وقالت ليندسي في تقرير نشرته وكالة رويترز إنه “أيا كان ما يتم التفاوض عليه بين الحكومات، سواء في كوب 29 أو في القمم الدولية اللاحقة بشأن التجارة والأمن، فإن الشركات في نهاية المطاف هي التي ستحشد الموارد وتخصصها لتحقيق أهداف الطاقة النظيفة”.
وأوضحت أن القطاع الخاص قادر على التحرك بسرعة عندما تكون هناك ضرورة سوقية للقيام بذلك ويتلخص التحدي في أن الأسواق لا تزال تعاقب بدلا من مكافأة العمل التجاري في مجال الاستدامة بالنسبة للعديد من القطاعات والمناطق.
وفي هذه النقطة الحرجة، يتكشف أمران. الأول أن الحكومات تضع نفسها في مأزق المصالح السياسية والاقتصادية قصيرة الأجل، ولا تتخذ سوى خطوات تدريجية ترضي الناس وتؤجل المقايضات الصعبة وتترك الاقتصادات والشركات عُرضة لمخاطر متزايدة.
أما الأمر الثاني فهو أن الحكومات ترسم مسارا جريئا وذو مصداقية بشأن الخيارات الصعبة المقبلة، ويعالج تحدي الاستهلاك ويطلق العنان لقوة الأسواق وهو ما يحفز التحول الذي يعزز الاقتصادات ويزود الشركات بالثقة اللازمة للاستثمار في مستقبل مستدام.
وفي خضم ذلك، هناك أمر آخر يعتمد على القرارات التي ستتخذ في القمة وأيضا في الأشهر المقبلة، إذ يكشف القادة المنتخبون حديثا، بما في ذلك دونالد ترامب، عن أوراقهم ويوضحون ما إذا كانوا سيشاركون في التحول الحتمي في مجال الطاقة.
وأظهر قانون خفض التضخم أن الطاقة النظيفة توفر فرص عمل حقيقية وقيمة. ومن المتوقع ألا تتخلى واشنطن عن هذه المكاسب بسهولة.
وتدرك العديد من الشركات أن الافتقار إلى الحوكمة يحد من قدرتها على الاستثمار مستقبلا، ومع ذلك، هناك انعدام الثقة في التنظيم، وانعدام الثقة في أن المزيد من العمل الحكومي سيحقق المزيد من التغيير في العالم الحقيقي.
ويستمر العديد من المستفيدين من الوضع الراهن في الدفاع عن نماذج الأعمال القديمة، مما يغذي المخاوف بشأن المخاطر الاقتصادية والأمنية للتحول السريع. لكن ليس من دور الحكومة استرضاء الشركات أو دعم جميع نماذج الأعمال الحالية.
وتكمن القيادة الحقيقية في الاستراتيجيات الاقتصادية والصناعية والإبداعية التي تكون استباقية ومنسقة وتتطلع إلى المستقبل وتعطي الأولوية للمرونة طويلة الأجل والقدرة التنافسية الاقتصادية على الملاءمة قصيرة الأجل.
وهناك حركة دولية كبرى ومتنامية للشركات التي تميل إلى دعم الحكومات التي تعمل على تحقيق إصلاح فعال للسوق. ويقود هذا شركات كانت تعمل، في مصالحها الاستراتيجية طويلة الأجل، لدفع حدود ما هو ممكن، لكنها تصل إلى حدود ما تتحمله أسواق اليوم.
ولكي تقود الشركات عملية تحقيق صافي الصفر، يجب على الحكومات تقديم إشارات سياسية واضحة وطويلة الأجل لتوفير الظروف التي تلهم الثقة وتدفع الاستثمار.
ويشمل هذا تمويل الابتكار والإعفاءات الضريبية لدعم الحلول التقنية الجديدة، فضلاً عن المشتريات العامة والحوافز المالية وضرائب الكربون وإعادة توجيه الإعانات لدفع انتقال الشركات القائمة.
ومن الأهمية بمكان بنفس القدر الاستثمار في البنية الأساسية، بما في ذلك التحسينات المستهدفة في شبكات الطاقة وشبكات التخزين والنقل الأخضر.
ويبدو دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي غالبًا ما تكون في طليعة الابتكار الأخضر، أمر ضروري أيضا، فهي تحتاج إلى الوصول إلى الأدوات والموارد والمساعدات المالية والدعم التنظيمي لمعالجة قضايا التوسع والحواجز أمام دخول السوق.
وفي الوقت نفسه، تعد تنمية القوى العاملة وبرامج إعادة التدريب ضرورية لتجهيز العمال للقيام بأدوار في الصناعات الخضراء الناشئة. ومن شأن التحول نحو الاقتصاد الدائري أن يعزز المرونة وكفاءة الموارد، مما يساعد في استقرار تكاليف الموارد وتأمين سلاسل التوريد.
وإلى جانب ذلك يعد التعاون الدولي الفعال أمرا حيويا ومن خلال توحيد المعايير وتعزيز اتفاقيات التجارة الداعمة، يمكن للحكومات إزالة الحواجز وتعزيز الطلب العالمي على التقنيات المستدامة والسماح للشركات بالتوسع بشكل مستدام عبر الحدود.
وخلال كوب 29 تضرب المخاطر في قلب ما تحتاجه الأعمال التجارية العالمية من الحكومة لدفع صافي الانبعاثات الصفرية. وتقول ليندسي إنه “بينما نقف عند مفترق طرق، تقدم باكو للحكومات فرصة لإطلاق العنان لقوة الأسواق والقطاع الخاص لقيادة التحول”.