أثار سعر زيت الزيتون المدعّم غضب المزارعين في تونس، حيث عبّروا عن استيائهم من تدني أسعار البيع، في وقت يرى فيه المستهلك أن سعر اللتر الواحد مناسب بالمقارنة مع الموسم الماضي. ويرى المزارعون أن سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون لهذه السنة تراجع بالمقارنة مع العام الماضي، مطالبين بمطابقته للأسعار العالمية، في ظلّ غياب تمويل الدولة للمزارع وارتفاع كلفة الإنتاج.
في المقابل، تطالب المنظمات المدافعة عن المستهلك في تونس بضخّ كميات من زيت الزيتون المدعّم في الأسواق والمحال التجارية الكبرى، كما تمّ في الموسم الماضي، وسط دعوات إلى مضاعفة تلك الكمية في ظلّ الزيادة الكبيرة في الإنتاج. وتقدّر أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري في تونس، زيادة بأكثر من 80 ألف طن من إنتاج الزيت هذا الموسم، مقارنة بالموسم الماضي. وعبّر عدد من مزارعي ولاية القيروان (وسط) عن استيائهم من انخفاض أسعار الزيتون في ظل عدم وضوح الرؤية حول مصير المحصول.
وتشهد الضيعات الزراعية عزوف عدد من المزارعين عن جني الزيتون في انتظار استقرار الأسعار وذلك بعد تدنيها حيث أصبحت الأسعار الحالية لا تغطي كلفة الإنتاج حسب تقديرهم. وطالب الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالقيروان بضرورة تدخل ديوان الزيت لتعديل الأسعار وفتح أسواق جديدة لترويج المنتوج مع تمويل المصدرين والفلاحين حتى يتمكنوا من شراء وتسويق الزيت.
وكان الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري قد نظم الجمعة جلسة عمل حول موسم الزيتون بهدف تأمين حسن سيره وسماع مشاغل الفلاحين وذلك بحضور كل المتداخلين في القطاع من بينهم عدد من الفلاحين وأصحاب المعاصر والمصدرين. وتعتبر تونس أحد أبرز منتجي زيت الزيتون في العالم وبجودة عالية، حيث تملك البلاد أكثر من 100 مليون شجرة زيتون، حوالي 75 في المئة منها منتجة.
وتنشط في البلاد قرابة 1750 معصرة و15 وحدة تكرير و14 وحدة لاستخراج زيت الثفل، إلى جانب 35 وحدة معالجة وتعبئة. ويكتسي الزيتون أهمية كبرى في تونس إذ تقدر مساحة الغراسات بنحو 2 مليون هكتار مما يؤهلها لتكون الثانية عالميا على مستوى المساحة بعد إسبانيا وهي من ضمن الأربعة الكبار المنتجين لزيت الزيتون.
لكن القطاع يعاني من صعوبات عديدة أدت إلى تراجع كبير في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة جرّاء التغيرات المناخية وقصور دور الدولة في إيجاد الحلول اللازمة لدعم المزارعين في هذا القطاع الحيوي. وقال المولدي الرمضاني، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بالقيروان (وسط)، “عقدنا اجتماعا منذ يومين بحضور عدد من المزارعين وأصحاب معاصر الزيت، وتدارسنا فيه الأسباب التي تجعل سعر زيت الزيتون منخفضا ولا يطابق الأسعار العالمية”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “تلك الأسباب تتمظهر في غياب تمويل الدولة للمزارعين، وتراجع الديوان الوطني للزيت عن لعب دوره المعتاد”. ولفت الرمضاني إلى أن “سعر الزيت في الأيام الأخيرة وصل إلى 11 و12 دينارا تونسيا (عرض وطلب)، والسلطة قالت إنها ستعيد تجربة العام الماضي بضخّ كميات مدعمة في السوق بـ15 دينارا”.
وأشار إلى أنه “كمزارع سعر اللتر الواحد بين 18 و20 دينارا يكون مناسبا، ويجعل هامش الربح موجودا، كما أكّد أن اللتر الواحد حاليا يباع في معاصر الزيت بين 14 و16 دينارا”. والعام الماضي، قامت وزارة الفلاحة بتعليمات من الرئيس قيس سعيد بضخّ ربع كميات زيت الزيتون المخصص للاستهلاك (30 ألف طنّ)، بسعر مدعّم في الأسواق بهدف التحكم في الأسعار.
وأثارت خطوة السلطة الرامية إلى التحكم في سوق الزيت وأسعاره مخاوف لدى المزارعين من إمكانية زيادة الكمية هذا الموسم، في وقت تتعالى فيه الأصوات المنادية بضرورة أن يطابق سعر الزيت المحلي السعر العالمي، وهو أمر غير معقول مقارنة بالقدرة الشرائية للتونسي والأوروبي.
وكانت تونس قد صدرت حوالي 150.8 ألف طن في الموسم الماضي، وقد حققت إيرادات تقدر بنحو 2.4 مليار دينار (770 مليون دولار). وحققت مبيعات زيت الزيتون مساهمة لافتة ضمن سلة الصادرات الغذائية بلغت 52.1 في المئة خلال 2023، مقابل 41.5 في المئة قبل عام.
ويقدر معدل الصادرات التونسية السنوية من زيت الزيتون خلال العقد الأخير بما لا يقل عن 145 ألف طن، يذهب أغلبها إلى الأسواق الأوروبية حيث تمثل الصادرات قرابة 80 في المئة من الإنتاج المحلي. ويدرّ تصدير زيت الزيتون على تونس نحو مليار دينار (620 مليون دولار)، ويمثّل 40 في المئة من مجموع الصادرات الغذائية.
وأفاد لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، بأن “طاقة الإنتاج لهذا الموسم أكثر من 340 ألف طن من الزيت مقابل 220 ألف طن للموسم الماضي، أي بزيادة تقدّر بـ80 ألف طن، والاستهلاك التونسي يقدّر بـ10 في المئة من تلك الكمية، كما أن الاستهلاك المحلي لهذه السنة يقدّر بـ30 ألف طن”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس قيس سعيد أذن العام الماضي بضخّ كميات من زيت الزيتون المدعّم في حدود 25 في المئة من كمية الاستهلاك المحلي، ونطالب اليوم بمضاغفة تلك الكمية في الأسواق والمحلات التجارية الكبرى، أو على الأقل زيادة بـ50 في المئة منها”.
وأشار الرياحي إلى أن “دور الديوان الوطني للزيت مفصلي، وهو من يؤمن العملية كاملة ويؤكد على البيع بسعر تفاضلي”، لافتا إلى أن “سعر اللتر الواحد الآن يتراوح بين 16 و18 دينارا تونسيا تقريبا”. ولا يستهلك الفرد التونسي سوى نحو 2.6 لتر سنويا في المتوسط، ليكتفي بالمرتبة الرابعة عربيا بعد الفرد السوري بمقدار 4.6 لتر، والمغربي بنحو 4.4 لتر، ثم اللبناني بنحو 2.9 لتر.
وسجلت تونس أعلى مستوى إنتاج منذ 2011 في الموسم 2019 – 2020 بحصاد قياسي بلغ 440 ألف طن بسبب المعاومة، وهي ظاهرة معروفة لمزارعي الزيتون حيث تحمل الأشجار محصولا غزيرا في إحدى السنوات ومحصولا ضعيفا في السنة التالية. ويعد إنتاج الزيتون من أكثر القطاعات الحيوية التي تضررت في السنوات الأخيرة وتراجعت مردوديته بسبب الجفاف، الذي زاد من أوجاع اقتصاد تونس، الذي يحاول الخروج من أزماته المزمنة.
ورغم ظروف الطقس السيء، تعتبر تونس من الدول الأولى عالميا في هذا المجال، وهي في منافسة قوية مع دول حوض المتوسط وخاصة إسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال. وكشف شحّ المياه في السنوات الأخيرة عن واقع صعب يمر به المزارعون خصوصا، ما عمّق أزمة تونس الاقتصادية التي تعاني منها جراء تراجع العديد من القطاعات الإنتاجية الإستراتيجية.