وضعت المحكمة الدستورية العليا في مصر البرلمان ومن خلفه الحكومة أمام اختبار التعامل مع قانون الإيجار القديم، بعد أن أقرت بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للوحدات السكنية، وطالبت مجلس النواب بإيجاد البدائل الملائمة خلال دور الانعقاد الحالي الذي يُنهي أعماله في يوليو المقبل.
ويشير هذا التطور إلى أن السلطتين التنفيذية والتشريعية مطالبتان بإعداد قانون جديد ينظم العلاقة بين الملاك والمستأجرين للعقارات، بدلا من القانون القديم المعمول به منذ عقود طويلة، والذي كلما جرى الاقتراب منه لتغييره عطلته ضجة.
وأصدرت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر حكما السبت، وصفه البعض بأنه “تاريخي”، قضى بعدم دستورية بعض الأحكام المتعلقة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك (المؤجر) والمستأجر، يشمل بطلان تثبيت الأجرة السنوية للوحدات السكنية، وطالبت المُشرع بإحداث هذا التوازن من دون أن يفرض المؤجر رؤيته استغلالا لحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه، وفي الوقت ذاته لا يهدر قيمة الأرض والمباني بثبات أجرتها.
لا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل الخاضعة لقانون الإيجار القديم، لكن الرئيس المصري قال في أحد تصريحاته إنها تقدر بنحو مليوني وحدة سكنية
وتعد المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، مهمتها مراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور، وتقوم بإلغاء القوانين التي تخالف نصوص الدستور، ما يجعل حكمها يكتسي أهمية بالغة بعد أن أضحت السلطة التنفيذية مُرغمة على تطبيق ما تنتهي إليه السلطة التشريعية من قوانين تضمن تحريك القيمة الإيجارية للملايين من الوحدات العقارية.
ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل الخاضعة لقانون الإيجار القديم، لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال في أحد تصريحاته إنها تقدر بنحو مليوني وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقدر بتريليون جنيه (الدولار= 49 جنيها)، يقع أغلبها في القاهرة والإسكندرية، وتُقدر البنايات الخاضعة لهذا القانون بنحو ثلاثة ملايين منزل.
واختارت حكومات سابقة الابتعاد عن الملف كلغم اجتماعي قد ينفجر، حال جاءت في صف أي من الأطراف على حساب الآخر، فهناك الملايين من الأسر التي تقطن في بنايات تخضع القيمة الإيجارية فيها لقانون “الإيجار القديم”، ويمكن أن تتعرض لهزات صعبة إذا جرى تحرير القيمة الإيجارية.
وأثيرت شائعات حول تردد الحكومة في التعامل مع الأمر والقيمةُ الإيجارية ثابتة، وتتردد أحاديث عن أن بعض الوزراء السابقين عرقلوا الملف، لأنهم مستفيدون، ما يجعل الحكومة الحالية أمام صدام متوقع مع دوائر تمثل “الدولة العميقة” المتهمة في الإبقاء على النصوص في قوانين وضعت في خمسينات القرن الماضي.
وتخضع العلاقة الإيجارية لقوانين استثنائية صدرت عام 1952، وامتدت بموجبها الإقامة في الشقة المؤجرة حتى بعد وفاة المُستأجر الأصلي إلى خمسة أجيال، وفضت المحكمة الدستورية الاشتباك عام 2002 وقصرت التوريث على جيل واحد.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب منصور إن مجلس النواب مضطر الآن إلى التدخل من أجل التعامل مع مشكلات الإيجار القديم، وإن منحه فترة زمنية حددها حكم المحكمة الدستورية إلى حين الانتهاء من القوانين الجديدة المنظمة لعلاقة المالك والمستأجر يشي بأن الهدف ألا يشكل الحكم الدستوري عبئا على المحاكم لتنفيذ ما جاء فيه، بالتالي فإن تحقيق الرضا المجتمعي والتخفيف عن الدولة وأجهزتها سيكونان اختبارا أمام البرلمان في الفترة المقبلة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن البرلمان سيضع في اعتباره الخلفيات التاريخية بشأن التشريعات المنظمة لقانون “الإيجار القديم” وأحكام المحكمة الدستورية التي صدرت وتحليل كل البيانات الإحصائية التي تسهم في وضع صياغة تضمن التوافق مع المعايير الدولية والدستورية بشأن الحق في المسكن الملائم والعدالة الاجتماعية.
وأشار إلى أن ما توصلت إليه المحكمة الدستورية تجزئة للتعامل مع إرث قانون الإيجار القديم الذي يمنح المستأجر البقاء في العقار المستأجر مدى الحياة، وأن الخطوة الحالية تستهدف تحرير القيمة المالية دون التطرق إلى مسألة إنهاء العقود، ويساهم ذلك في التعامل مع ما يقرب من مليوني وحدة مغلقة قد يضطر مستأجروها إلى تركها.
وشدد على أن المشكلة تكمن في التعامل مع مئات الآلاف من الأسر التي تقطن بالفعل في هذه العقارات، حال عدم استطاعتها دفع القيمة الجديدة التي يعمل البرلمان على تحديدها، وعلى الحكومة التدخل هنا لضمان توفير سكن مناسب لها.
وشهد البرلمان محاولات عدة قادها نواب لتقديم مشروعات قوانين تتعامل مع مشكلات الإيجار القديم ولم تكتمل، وبدت دعوة الرئيس السيسي قبل عام إلى ضرورة “قانون قوي وحاسم وسريع لمعالجة مشكلة العقارات المطبق عليها قانون الإيجار القديم”، إشارة مهدت للحراك الحالي.
وكانت الحكومة الحالية بحاجة إلى حكم دستوري كي لا يتم تحميلها مسؤولية التدخل لصالح الملاك أو المستأجرين، خاصة أن علاقتها بالمواطنين قلقة، وتدخلها سيُفهم على أنه جزء من خططها لتحميلهم أعباء جديدة، لاسيما أن المستأجرين سوف يتضررون بشدة، وأغلبهم وصلوا إلى مراحل عمرية متقدمة، وقد لا يكون بإمكانهم تحمل القيمة السوقية للإيجار في المنازل التي يسكنونها.
وأكد محافظ الإسكندرية الأسبق اللواء رضا فرحات أن المحكمة الدستورية فصلت في القضية المرفوعة أمامها منذ عام 2020، استجابة للعديد من مطالب الملاك؛ إذ لم تكن التعديلات التي أُدخلت على القانون عام 1981، ونصت على أن تبقى القيمة الإيجارية 7 في المئة من قيمة المبنى، كافية مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الخدمات لتظل القيمة الإيجارية هي الوحيدة الثابتة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الحكم قضى بعدم دستورية مواد بعينها، ما يجعل المُشرع بحاجة إلى التدخل لتعديل القانون بالشكل الذي يتواءم مع الدستور وعدم تثبيت القيمة الإيجارية للعقارات المخصصة لأغراض السكن، وسوف يستعين مجلس النواب بمشروعات قوانين قدمت له بهذا الشأن، وأن حوارا مجتمعيا موسعا من المتوقع أن ينطلق الأيام المقبلة للوصول إلى قانون ينصف الملاك والمستأجرين.
وتوقع أن تتداخل جهات حكومية لتحديد القيمة الإيجارية في المناطق التي تتواجد فيها المنازل التي تخضع لقانون الايجارات القديم، وهناك فترة انتقالية لمنح فرصة للسكان لتدبير أوضاعهم والبحث عن مكان آخر، والحكومة حاضرة لتوفير سكن ملائم للأسر التي تجد نفسها مرغمة على ترك منازلها لعدم قدرتها على دفع القيمة الإيجارية.
وينص عقد الإيجار القديم على أن “المستأجر له الحق في الإقامة في الوحدة مدى الحياة ويورثها لأبنائه إذا كانوا مقيمين معه دون زيادة في قيمة الإيجار.”