اعلن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عماد الطرابلسي فرض الحجاب على النساء، وعودة دوريات شرطة الآداب للعمل الشهر المقبل، وكذلك صيحات حلاقة الشعر التي لا تحظى بقبول المؤسسة الدينية، وملابس الشباب التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع وخصوصياته، مع تفعيل قرار منع سفر المرأة دون محرم، ومنع الاختلاط بين النساء والرجال في المقاهي والأماكن العامة
وهدد الطرابلسي المخالفات والمخالفين بالزج بهم في السجون، وقال إن على من يريد العيش بحرية فليذهب للعيش في أوروبا. وأثار إعلان الطرابلسي جدلا كبيرا في البلاد وانتقادات الكثيرين.
ويأتي قرار السلطات الليبية في سياق سلطة الأمر الواقع، ولكن من دون شرعية دستورية أو قانونية يمكن أن ترتكز عليها حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها التي جاءت من خارج صندوق الانتخاب، ونتيجة توافقات سياسية انتهت فاعليتها، وفي ظل حالة انقسام سياسي واجتماعي وثقافي وحكومي ومناطقي تواجهه البلاد .
◄ ستكون ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي تفرض سلطاتها الحجاب وتمنع الاختلاط في الفضاءات العامة
ويشير مراقبون إلى أن الإجراءات المثيرة للجدل التي تستهدف النساء الليبيات، تأتي في ظل مساع تبذلها سلطات طرابلس للانقلاب على مجلسي النواب والدولة عبر استفتاء شعبي إلكتروني يهدف إلى تكريس سلطات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية القادمين إلى السلطة عبر اتفاق سياسي، وقطع الطريق أمام محاولات تشكيل حكومة موحدة تعمل على تهيئة الظروف لتنظيم الانتخابات .
ويسعى الدبيبة إلى كسب دعم ومساندة رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني، وأن القرار الذي أعلن عنه الطرابلسي كان هدية من سلطات طرابلس إلى الغرياني بمناسبة الذكرى العاشرة لقرار عزله من قبل مجلس النواب المنعقد في طبرق في التاسع من نوفمبر 2014، والذي ألحق به قرار إلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصاتها واختصاصات المفتي إلى هيئة الأوقاف في الحكومة المؤقتة آنذاك.
كما أن إجراءات الطرابلسي تأتي في سياق تنفيذ برنامج الغرياني لأخونة المجتمع في حيز نفوذ الدبيبة والميليشيات الموالية له، وهو ما سيزيد من مستويات الانقسام الاجتماعي والثقافي، وقطع الطريق أمام أيّ مشروع ديمقراطي انطلاقا من تقييد الحريات العامة والخاصة، ومنع النساء الليبيات من المشاركة في العمل السياسي والمنافسة على مواقع القرار.
وكان الغرياني ترأس دار الإفتاء الليبية بقرار من المجلس الوطني الانتقالي إبان ثورة فبراير عام 2011. وأثارت مواقفه جدلا واسعا في الأوساط الليبية طوال الأعوام الأربعة الماضية، بسبب تحيزه لأطراف إسلامية متشددة في ليبيا، واتهم في مناسبات عدة بدعم المجموعات السلفية المتشددة عام 2011 وبداية عام 2012 وإسنادها بفتاوى تجيز نبش القبور والأضرحة التي أثارت استياء شعبيا واسعا، قبل أن يتحول إلى موالاة تيار الإخوان المسلمين والتقرب إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة. كما عرف بتحريضه أتباعه على دعم قوات فجر ليبيا، معتبرا “البرلمان والجيش الليبي من البغاة الواجب قتالهم”.
وكانت له مواقف معادية لدول الاعتدال العربي التي صنفت اسمه ضمن قائمة الشخصيات الداعمة للإرهاب في العام 2019.
وكان الدبيبة أعلن بكل وضوح أنه يعتبر الغرياني شيخه وأستاذه الذي لا بديل عنه، وأنه متأثر به وبأفكاره، وخلال العامين الماضيين تطورت العلاقات بينهما، ففي ابريل 2022 منح الدبيبة الغرياني قرارا بتأسيس مدراس دينية تابعة لدار الإفتاء تتولى التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية، مستندا في ذلك على القانون 3/2015 الصادر عن المؤتمر العام بعد انتهاء ولايته والذي رفضت حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج التعامل به أو منح إذن لإنشاء هذه المدارس.
وتهدف المدارس الدينية إلى تهيئة الطلاب الذين يتم توجيههم لاحقا إلى كلية العلوم الشرعية والإفتاء بتاجوراء الخاضعة لسلطة دار الإفتاء، وذلك وفق برنامج يتضمن الرؤى العقائدية والأيديولوجية التي يسعى الغرياني إلى نشرها في المجتمع من منطلقان هما تكفير المختلف وتقسيم المجتمع.
وفي فبراير 2024 أعلن أن كلية العلوم الشرعية والإفتاء تأسيس لمشروع إستراتيجي وصمام أمان لمستقبل ليبيا.
وقال”انطلق في بلادنا مشروع المؤسسة الوقفية لتأهيل العلماء وأول غراسه في كلية العلوم الشرعية والإفتاء ومدارس الإمام مالك”، وتقدم بالشكر إلى حكومة الدبيبة لتجاوبها مع دار الإفتاء بمنع استعمال مصطلح “النوع الاجتماعي” لارتباطه مع “الجندر” واتفاقية “سيداو” الهادمة لأخلاقيات الليبيين.
واعتبرت منظمة العفو الدولية أن تلك الإجراءات واسعة النطاق من شأنها أن ترسّخ التمييز ضد النساء والفتيات وتنتقص من حقوقهن في حرية التعبير والدين والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء “شرطة الأخلاق” لفرض الحجاب الإلزامي.
وقالت المنظمة “إن اقتراحات فرض الحجاب الإلزامي على النساء والفتيات من عمر تسع سنوات، وتقييد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومراقبة اختيارات الشباب الشخصية في ما يتعلق بقصات الشعر والملابس، ليست فقط مثيرة للقلق، بل تشكل أيضًا انتهاكًا لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي.”
وأضافت ”في خطوة أخرى تستهدف انتهاك حقوق المرأة والمساواة، اقترح وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية إجبار النساء على الحصول على إذن من أولياء أمورهن الذكور (المَحارم) قبل السفر إلى الخارج، وتفاخر بإعادة امرأتين ليبيتين قسرًا من تونس بعدما سافرتا من دون ’أولياء‘. كما أعلن عن خطط لإنشاء ’شرطة الأخلاق‘ لمراقبة الأماكن العامة وأماكن العمل والتفاعلات الشخصية، في انتهاك صارخ لخصوصية الأفراد واستقلاليتهم وحرية تعبيرهم.”
وستكون ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي تفرض سلطاتها الحجاب وتمنع الاختلاط في الفضاءات العامة، بعد أن قررت المملكة العربية السعودية إلغاء إلزامية ارتداء الجلباب والحجاب منذ العام 2018 في سياق الإصلاحات الهيكلية والاجتماعية الكبرى التي عرفتها المملكة.
◄ القرار الذي أعلن عنه الطرابلسي هدية من سلطات طرابلس إلى الغرياني بمناسبة قرار عزله من قبل مجلس النواب
وعلى الصعيد الإسلامي، فإن ليبيا ستكون الدولة الرابعة التي تفرض ارتداء الحجاب على مواطناتها، وأول تلك الدول إيران التي فرضت قواعد لباس صارمة على النساء منذ ثورة 1979، وأجبرتهن على تغطية شعورهن وارتداء ملابس فضفاضة. وفي سبتمبر 2023 أقرّ البرلمان الإيراني مشروع قانون مثير للجدل يزيد عقوبة السجن والغرامة على النساء والفتيات اللاتي يخالفن قواعد اللباس الصارمة. حيث تواجه من ترتدي ملابس “غير لائقة” عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات بموجب مشروع القانون، الذي وافقت السلطات على “تجربته” لثلاث سنوات.
أما الدولة الثانية، فهي أفغانستان التي أصدرت في أغسطس الماضي، حظرا على إظهار أصوات النساء ووجوههن في الأماكن العامة.
وتمنح القوانين الوزارة حق شن حملات على السلوك الشخصي، وأن تفرض عقوبات مثل التحذيرات أو الاعتقالات في حال انتهاكها. ويخص البند 13 النساء وينص على أنه يفرض على المرأة تغطية جسمها في الأماكن العامة وتغطية وجهها لتجنب الفتنة وإغواء الآخرين. كما يفرض على النساء ارتداء ملابس فضفاضة وطويلة لا تشف ولا تصف.
وأما البلد الثالث فهو ماليزيا التي لا بوجد بها قانون معلن لفرض ارتداء الحجاب على المرأة، لكن المؤسسة الدينية تعمل على تطبيق ذلك في عدد من المناطق بما فيها العاصمة كوالالمبور، إذ يوجد في البلاد نظام قانوني مزدوج المسار، حيث يخضع المواطنون المسلمون لقوانين الشريعة الإسلامية في مناطق معينة، وبحسب جماعة حقوق الإنسان الماليزية “أخوات الإسلام” فإن النساء غير المحجبات يتعرضن لتدقيق شديد من قبل الأسرة والزملاء وفي الأماكن العامة، مما يجعل قرار نزع الحجاب “صعبا ومؤلما”.