أثار قرار الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية بإلزام النساء من حملة المؤهلات المتوسطة وتحت المتوسطة والمثبت ببطاقاتهن “بدون عمل” أو “ربة منزل”، بالحصول على تصريح مسبق من الإدارة للسفر إلى السعودية لأغراض العمل أو الزيارة جدلا واسعا وغضبا بين المصريات اللواتي اعتبرن أنه إهانة لهن.
ووصفت وزارة الداخلية المصرية غير الحاصلات على المؤهلات العليا وربات البيوت بأنهن من “الفئات الدنيا”، ووفقا لنص القرار الحكومي، يُطلق مصطلح “الفئات الدنيا” على السيدات اللواتي يدرجن في جوازات سفرهن مهنا مثل ربة منزل أو بدون عمل أو جليسة أطفال أو مدبرة منزل أو مصففة شعر أو مربية أو خبيرة تجميل أو خادمة أو خياطة، كما يشمل مهنا أخرى كالنادلة والممرضة المنزلية ومندوبة المبيعات ومشرفة الحضانة والسكرتيرة وعاملة السنترال والبائعة.
وتقول سماح الغرباوي (40 عاما) الحاصلة على مؤهل متوسط (دبلوم تجارة)، وتعمل في تجارة مستحضرات التجميل والإكسسوارات والملابس الخليجية، وتسافر إلى السعودية مرتين شهريا لمتابعة عملها، إنها وجدت نفسها مضطرة إلى إلغاء حجزها إلى حين استخراج تصريح السفر.
وأضافت أن “القرار جاء بشكل مفاجئ ومربك، وكان من الأفضل إبلاغنا به مسبقا، ولو قبل أيام، لنتمكن من ترتيب أوراقنا. أنا أسافر للعمل، ولدي التزامات سواء هنا في مصر أو مع مكاتب التصدير هناك، لذا من الضروري استخراج التصريح في أقرب وقت. مع الزحام الشديد الذي رأيته اليوم، يبدو الأمر مستحيلا قبل أسبوع، ولا نعرف بعد المدة المطلوبة لاستخراج التصاريح أو ماهية الأوراق اللازمة”.
وتشير سماح إلى أن الموظفين يفتقرون للمعلومات حول القرار والأوراق المطلوبة، مما زاد من الأعباء على النساء الراغبات في السفر.
وبدأت المطارات المصرية الأحد الماضي تنفيذ قرار الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية بوزارة الداخلية، الذي نص على أنه “تقرر من تاريخ 26 أكتوبر 2024، إلزام السيدات من الفئات الدنيا الراغبات في السفر للسعودية لأغراض الزيارة أو العمل، بالحصول على تصريح مسبق من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية، مع التأكد من مبررات سفرهن”.
وذكر مصدر مطلع أن القرار يشمل السيدات اللاتي يحملن جوازات سفر مسجلة بمهن مثل “ربة منزل، بدون عمل، حاصلة على دبلوم”، وينطبق على جميع الفئات العمرية، مشيرا إلى أن القرار يُطبق حاليا في جميع المطارات المصرية، وأن السيدات اللاتي يشملهن القرار لن يُسمح لهن بالسفر حتى يحصلن على التصريح المطلوب من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية مع ضمان جدية الأسباب المقدمة للسفر.
غير أن صدور القرار، وتطبيقه، شكّل مفاجأة لحاملات تأشيرات العمل أو الزيارة إلى السعودية، نظرا لصدوره وتطبيقه في نفس اليوم دون إعطاء مهلة، ما تسبب في عودة بعض السيدات من المطار وعدم تمكنهن من الصعود على متن الطائرة وفقدانهن قيمة تذاكر الطيران، ولفت المصدر إلى كون السيدات اللواتي صدر بحقهن القرار أصبحن مضطرات إلى سداد مبلغ 2100 جنيه مصري، مقابل الحصول على تصريح السفر من مصلحة الجوازات في العباسية، ما يعد عائقا أمام المواطنات المقيمات في الأقاليم، ويشكل عبئا ماديا ومعنويا عليهن، لاسيما أن غالبية المسافرات سيدات بسيطات وبعضهن مسنات، وقد لا يحملن معهن مالا إضافيا.
مصادر أمنية تقول إن الهدف من القرار هو منع استغلال المصريات في الخارج أو توظيفهن في مهن غير أخلاقية
وأوردت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر أمنية أن الهدف من القرار هو منع استغلال المصريات في الخارج، أو توظيفهن في مهن غير أخلاقية، وحمايتهن من التعرض للنصب، لاسيما بعد تسجيل حالات مماثلة أثناء موسم الحج الماضي.
كما ذكر مسؤولو السياحة أن الهدف الأساسي من هذا القرار هو حماية النساء المصريات من مخاطر السفر غير الشرعي إلى الدول الأجنبية، حيث تم الإبلاغ عن حالات استغلال وعنف ضد بعض النساء في الخارج.
وتقدمت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي سناء السعيد بسؤال إلى رئيس البرلمان، موجه إلى الحكومة، مطالبة بمعرفة أسباب صدور وتنفيذ هذا القرار الذي يتعارض مع الدستور بمادتيه 11 و53، موضحة أن المادة 11 نصت على أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، فيما نصت المادة 53 على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل.
ووجهت النائبة سؤالها لرئيس الوزراء ووزير الداخلية: لماذا هذا التمييز الصارخ ضد النساء في حقوقهن بسبب مستوياتهن الاجتماعية؟
وأكدت أن هذا القرار يقلل من شأن السيدات ويحرمهن من حقوقهن المفترض أنها متساوية مع الجميع دون تمييز، موضحة أن النسبة الأكبر من هؤلاء السيدات يعلن أسرهن ومن المفترض أن تهتم الدولة بهن.
وشددت على أن لفظ كلمة “دنيا” في القرار إهانة كبيرة لسيدات مصر ولا يليق تصنيف فئات المجتمع إلى: فئة دنيا وفئة عليا.
وطالب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد مرسي بإعادة النظر في صيغة ومضمون قرار وزارة الداخلية بشأن منع سفر بعض المصريات إلى السعودية من دون إذن مسبق، وأكد ضرورة إلغاء مصطلح “الفئات الدنيا” الوارد بالقرار، ومحاسبة المسؤولين عن استخدامه، والاعتذار للشعب المصري، “إذ لا توجد في مصر فئات دنيا، بل هناك فئات محدودة الدخل، وأخرى متوسطة التعليم، لكن الجميع مواطنون متساوون في القيمة والحقوق والواجبات. هناك ضرورة لتحديد الفئات أو المهن المشكوك فيها، وعدم ترك القرار لتقدير الأفراد وتفسيراتهم، مع ضرورة تسهيل إجراءات الحصول على التصاريح مجانا كونه يمس الملايين من المصريات”.
ووصف الناشط الحقوقي جمال عيد القرار بأنه “عنصري وتمييزي، ومخالف للقانون والدستور”، وأضاف “هذا القرار يمس كرامة المرأة، ويتضمن تمييزا ضدها، ويشكل مخالفة قانونية تستوجب ليس فقط إلغاءه، بل محاسبة المسؤولين عنه. ما تقوم به الحكومة وفقا لهذا القرار، يمتهن كرامة المصريين رجالا ونساء، ويجعل أي حديث عن تمكين المرأة عديم الجدوى”، نافيا علمه باستخدام القرار للتضييق على المعارضين المصريين عبر منع ذويهم من السفر، لكنه قال “نحتاج إلى وقت لفهم أهداف القرار الحقيقية، فغياب الشفافية يجعلنا ندرك الأهداف بعد حين”.
أما مديرة مركز قضايا المرأة المصرية غادة سليمان فرأت أن “هذا القرار يعمّق الطبقية، ويقسّم المجتمع إلى طبقات عليا ودنيا، ويكرّس تمييزا ضد فئات واسعة من المجتمع، على رأسها المرأة، ما يخالف الدستور والقانون، ويستوجب إلغاءه”.
مصطلح "الفئات الدنيا" يطلق على السيدات اللواتي يدرجن في جوازات سفرهن مهنا مثل ربة منزل أو بدون عمل
وتؤكد نهاد أبوالقمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، أن هذه القرارات انتهاك صريح لحقوق المرأة المصرية، وتقليل من شأنها، حيث يتم تقييد حريتها في التنقل والسفر دون مبرر قانوني، وتتناقض مع مبادئ المساواة والعدالة التي ينادي بها الدستور.
وأوضح المركز أن إطلاق كلمة “فئات دنيا” يعد إهانة للنساء وتمييزا على أساس الطبقة الاجتماعية والتعليم والعمل، ومثل هذه القيود تشكل فرض وصاية غير مبررة على النساء غير المتعلمات أو اللاتي لم يحظين بتعليم جامعي، وتقوض جهود الدولة الرامية إلى تمكين المرأة وتعزيز مكانتها.
وطالبت أبوالقمصان الحكومة المصرية بإلغاء القرار والتأكيد على إلغاء أي قرارات تمييزية ضد النساء، وتقديم ضمانات قانونية تحمي حقوق المرأة المصرية في الحركة والسفر.
وبحسب مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، فإن القرار يهدف من وجهة نظر وزارة الداخلية إلى تنظيم السفر ولكنه في الواقع ليس إلا وسيلة للتنكيل بالنساء وتفويت فرص السفر عليهن والتمييز ضدهن.
وأوضح أن القرار يقيّد حق المرأة في السفر وحرية الحركة والتنقل والتي تعد من الحريات العامة التي نص عليها الدستور حيث تنص المادة 62 من الدستور المصري على أن “حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة”.
وأشار إلى أنه لا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون.
وأكّد أن القرار ما هو إلا تقييد لحق المرأة في السفر وفي الحركة والتنقل والتمييز ضدها وحرمانها من حق شخصي أصيل مقرر لها بموجب الدستور والقانون.
ويقول محمد سالم، عضو الجالية المصرية في السعودية، إن هناك أبعادا أخرى قد تفسر هذا القرار، تتعلق بتعرض بعض المواطنات المصريات للاحتيال من قبل مكاتب السفر وإلحاق العمالة بالخارج. ويوضح أن بعض السيدات كن يسافرن للعمل في السعودية، لكنهن واجهن صعوبات كبيرة عند وصولهن، حيث وجدن أنفسهن في الشارع بلا مأوى، أو اضطررن إلى العمل المؤقت كعمالة منزلية أو كنادلات في المقاهي. ويشير إلى تعرض بعضهن لاعتداءات جسدية خطيرة، وصولا إلى الاغتصاب، بينما تم طرد أخريات من العمل دون مستحقات.
ويضيف سالم أن القرار لا يشمل الزيارات العائلية التي لا تتطلب تصريحا أو استعلاما أمنيا، ولكنه يخص الزيارات الشخصية والسياحية وتأشيرات العمل والتأشيرة التجارية والترانزيت. وأعرب عن استنكاره لصدور القرار وتنفيذه بشكل مفاجئ، ما أدى إلى عدم تمكن العديد من المسافرات من اللحاق برحلاتهن المتجهة إلى السعودية.
وتسبب القرار بحرمان الكثير من النساء المصريات من حقهن في حرية السفر، وتكبدن خسارة تكاليف تذاكر الطيران، إضافة إلى أنهن يشعرن بالإهانة تجاه وصف القرار الحكومي لهن بالفئات الدنيا، كونهن ربات منازل أو حاصلات على مؤهلات متوسطة، أو يعملن في مهن يراها مُشرّع القرار مهنا دون المستوى، ما يشعرهن بأنهن مواطنات مصريات من الدرجة الثانية، في حين تدفع نساء أخريات ثمن الارتباك المتعلق بالقرار وإجراءات تنفيذه، رغم كونهن لسن معنيات به، فيضطررن إلى استخراج التصريحات وخسارة الجهد والوقت والمال أو يتم تعطيل حقهن في السفر إذا قرر موظف المطار ذلك.