عربي ودولي

زيادة رابعة في أسعار السجائر تثير غضب ملايين المدخنين في مصر
زيادة رابعة في أسعار السجائر تثير غضب ملايين المدخنين في مصر
 لامست الحكومة المصرية الخط الأحمر عند ملايين المدخنين، بعد أن قررت رفع أسعار السجائر الشعبية للمرة الرابعة خلال العام الحالي، ما جعل سعر العلبة الواحدة يفوق القدرات المالية للشريحة الكبيرة التي تستهلكها.

ووصلت أقل زيادة في سعر السجائر إلى أربعة جنيهات (نحو 8 سنتات) للعلبة الواحدة، ما تسبب في صدمة للمدخنين الذين يُقبلون على شراء الأنواع الشعبية أمام الارتفاع القياسي في أسعار نظيرتها المستوردة، لكن الحكومة لم تترك لأصحاب المزاج خيارات أخرى للتنفيس عن همومهم.

وتنتج مصر مئة مليار سيجارة سنويا بما يوازي معدل الاستهلاك نفسه، ما يعني أن الحكومة لديها اكتفاء ذاتي في السوق المحلية، ورغم ذلك سمحت للشركة الشرقية للدخان (حكومية) برفع الأسعار مجددا، رغم أنه لم يمر على آخر زيادة سوى أربعة أشهر.

ومنذ قرار زيادة أسعار السجائر الثلاثاء تحوّل الأمر إلى قضية رأي عام، وأخذ قرار الحكومة حيزا من اهتمامات المصريين، لأن المدخنين الذين يتجاوز عددهم 19 مليونا قد لا يهتمون بأسعار سلع مهمة بقدر انشغالهم بالسؤال عن ثمن السجائر.

ويلوم المدخنون الحكومة، لأنها لا تهتم بمزاجهم وسط ظروف معيشية صعبة، تفرض أن تساعدهم الدولة على التنفيس عن الضغوط اليومية، لا أن تحاصرهم بغلاء جديد يفوق قدراتهم المادية حول سلعة مصيرية بالنسبة إلى شريحة كبيرة منهم.

وكانت آخر زيادة رسمية في أسعار السجائر مررتها الحكومة في يوليو الماضي، ولم تتجاوز جنيهين للعلبة الواحدة. لكن القرار الأخير كان صادما لفئة تستخدم السجائر الشعبية، وأغلبها بسطاء وعمال، حيث تم ترفيع سعر العلبة بزيادة تتراوح بين أربعة وخمسة جنيهات.

وظهرت الحكومة في موقف متناقض، لأن الشركة المسؤولة عن صناعة السجائر بررت موقفها بأن تلك الصناعة تعتمد على التبغ المستورد من الخارج بالعملة الصعبة، وأمام ارتفاع سعر الدولار لم يكن هناك بديل عن تحريك الأسعار.

ولأن سعر الدولار مقابل الجنيه لم يتحرك منذ يوليو الماضي (آخر زيادة في السجائر)، جاءت مبررات الشركة غير منطقية بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المدخنين، حيث كانت الحكومة قد حررت سعر الصرف في مارس ومنذ ذلك الحين لم يقفز الدولار بما يستدعي زيادة جديدة في أسعار السجائر.

وزادت الشركة على ذلك، وفق بيان رسمي لها، بأنه رغم الزيادة السابقة والحالية لم تتمكن بعد من تغطية العجز الناتج عن ارتفاع عناصر الكلفة، فمكون المواد الخام التبغية وغير التبغية يمثل أكثر من 75 في المئة من إجمالي كلفة التصنيع (غير شاملة الضرائب)، ما يشكل عبئا كبيرا تحملته الشركة طوال الفترة الماضية.

وقالت “الشرقية للدخان” إن أي زيادة في أسعار السجائر تتحصل منها الشركة على 50 في المئة فقط، لتغطية جزء من الزيادة في عناصر الكلفة، بينما يتم توريد الـ50 في المئة الأخرى إلى خزينة الدولة كضريبة قيمة مضافة وفقا لأحكام القانون.

وتظل المشكلة الأكبر بالنسبة إلى الملايين من المدخنين في مصر أن الحكومة عاجزة عن السيطرة على أسعار السجائر، قبل الزيادة أو بعدها، حيث لا تتمكن أجهزتها الرقابية من ضبط السوق ومعرفة أسباب الارتفاع أمام اتساع الحلقة بين الموزع والتاجر والبائع وصولا إلى المشتري.

ويتقبل البعض من المدخنين أن تكون هناك زيادة بسيطة في أسعار السجائر شريطة السيطرة عليها بقبضة صارمة، لكن ما يحدث أن علبة السجائر الشعبية التي أصبح سعرها 40 جنيها، كانت تُباع بـ45 جنيها قبل الزيادة، ما يعني أنها ستصل إلى المدخن بسعر يفوق الدولار الواحد.

ويرى مراقبون أن مشكلة الحكومة مع الملايين من المدخنين تكمن في أنها لم تُدرك بعد مدى ربطهم كل تحسن اقتصادي ومعيشي بانخفاض ثمن علبة السجائر، لذلك فإن أي زيادة ستجعلها تخسر شعبيا باعتبار أن تلك السلعة مهمة ومحاطة بخطوط حمراء عند البسطاء.

وقال الخبير في علم الاجتماع السياسي سعيد صادق إن “الحكومة تتعامل مع السجائر كسلعة حيوية للمدخنين فقط، لذلك تُحرك أسعارها وهي على قناعة بأن الاحتجاج ضد هذا القرار ليس له أرضية شعبية، وهناك أغلبية سكانية تدعم الحكومة في توصيل أسعار السجائر إلى مستويات قياسية لتذهب عوائدها إلى قطاعات خدمية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك شريحة معتبرة لا تهتم بإنجازات الحكومة في أي ملف بقدر تركيزها على شراء التبغ بسعر يناسب قدراتها المادية، ويزداد الغضب ضد أي قرار مرتبط بتحريك أسعار التبغ كلما كانت الظروف المعيشية صعبة، في ظل تعامل هذه الشريحة معه كعلاج نفسي يساعدها على تجاوز هموم الحياة”.

وعلى المستوى الرسمي لا تزال الحكومة مقتنعة بأن مكونات مزاج المصريين، مثل السجائر والمعسل (الشيشة) والشاي، من الرفاهيات التي لا مانع في تحريك أسعارها لكونها ليست إستراتيجية، ولا يجب أن يعترض أحد على هذا التحريك.

ومهما كانت هناك من عوامل خارجية تدفع الحكومة إلى تحريك أسعار السجائر، فإنها تظل متهمة بالتواطؤ واستسهال اللجوء إلى جيوب الناس، كما تفعل مع باقي السلع التي تتحكم في أسعارها، مثل مشتقات البترول والكهرباء ومياه الشرب ورغيف الخبز.

وتمثل السجائر بالنسبة إلى الحكومة ركيزة أساسية في الاقتصاد القومي للبلاد، حيث تأتي حصيلتها في مرتبة متقدمة من حيث العوائد المالية ممثلة في الضرائب وخفض فاتورة الدعم، وتعتمد على تلك العوائد في ترميم موازنة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم كأهم ملفين خدميين يثيران ضدها منغصات شعبية.

وثمة اقتناع بأن السجائر تحديدا مهما بلغ سعرها لن تقلع شريحة معتبرة عن تدخينها، ولن يستمع أحد لشكواها أو يتضامن معها في غضبها، باعتبار أنها تمتعض من غلاء سلعة تمثل للأغلبية السكانية نوعا من الرفاهية.

ومن شأن وصول أسعار السجائر إلى مستويات تفوق قدرة بعض البسطاء ومتوسطي الدخل أن يضطر هؤلاء إلى الإقلاع عن التدخين من أجل توفير الأموال لأولويات أسرية، لكن قد لا تنسى تلك الشريحة أن الحكومة دفعتها إلى ذلك تحت وطأة العجز وقلة الحيلة.

07 نوفمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة