توالت الاتصالات والتهاني بفوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، ما يكشف عن أن هناك دولا من مصلحتها عودته إلى البيت الأبيض مثل دول الخليج والمغرب وأخرى يمثل لها وجوده على رأس الولايات المتحدة أزمة، مثل إيران قياسا على سجله في التعامل معها خلال ولايته الأولى.
وتجد دول الخليج نفسها أميل إلى شخصية ترامب الواضحة، التي تعطي الأولوية لمصالح الولايات المتحدة، على عكس الرئيسين الديمقراطيين السابقين جو بايدن وباراك أوباما، اللذين وضعا عراقيل أمام المصالح الأميركية في الخليج من خلال مواقف ملتبسة، سواء تجاه التعاون الدفاعي أو حيال إيران.
وأعاق بايدن حصول السعودية على الأسلحة في ذروة حرب اليمن، ما ساعد الحوثيين على تثبيت أنفسهم في صنعاء وشجعهم لاحقا على استهداف منشآت النفط السعودية عن طريق مسيرات وصواريخ إيرانية، وهو ما أثار غضب المملكة التي اضطرت إلى البحث عن بدائل كان من بينها خيار التقارب مع إيران.
ترامب سيتولى تصويب العلاقة مع دول الخليج بإزالة العراقيل التي وضعها بايدن وتوسيع مسار التطبيع الإقليمي
وبعث بايدن إشارات سلبية إلى دول الخليج من خلال التلويح بسحب منظومات دفاعية أميركية في المنطقة ونقلها إلى جنوب شرق آسيا، وماطل في المضي قدما في اتفاقية التعاون الدفاعي مع الإمارات، والتي تشمل الحصول على طائرات مقاتلة من طراز أف 35 وطائرات مسيّرة مسلحة.
ويعتقد محللون أن ترامب سيعمل على إعادة تصويب العلاقة مع دول الخليج من خلال إزالة العراقيل التي وضعها بايدن، والاستمرار في خططه لإنهاء الصراعات عبر اتفاقيات أمنية وسياسية واقتصادية جامعة، كانت ضمن عناصرها الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل ودول عربية.
وينتظر أن يدفع الرئيس الأميركي الجديد نحو تسريع التطبيع بين السعودية وإسرائيل ضمن مقاربة الأمن الإقليمي، ونحو إنضاج حل الدولتين وبناء السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لرفع الحرج عن السعودية وبقية دول الإقليم وتسهيل الانخراط في مشروع ترامب للتطبيع الإقليمي.
وكان لافتا أن دول الخليج كانت من أوائل المرحبين بانتخاب ترامب، وعكست كلمات القادة الخليجيين انتظارات واضحة من ولاية ترامب الجديدة خاصة ما تعلق بتعميق الشراكات.
ووجه رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عبر منشور بمنصة إكس، التهنئة إلى ترامب، متمنيا له التوفيق في خدمة الشعب الأميركي، ومتطلعا إلى “مواصلة تعزيز الشراكة خلال الفترة المقبلة”.
وأشاد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في برقية تهنئة بفوز ترامب، بـ”تميز العلاقات التاريخية الوثيقة القائمة بين البلدين والشعبين الصديقين، والتي يسعى الجميع لتعزيزها وتنميتها في المجالات كافة”.
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني “أتطلع إلى العمل معًا مرة أخرى لتعزيز علاقتنا وشراكتنا الإستراتيجية، وتعزيز جهودنا المشتركة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”.
وكان ترامب قد استقبل كلا من أمير قطر ورئيس الإمارات في مقر إقامته وناديه الخاص في منتجع مار ألاجو في سبتمبر على هامش زيارتين رسميتين إلى الولايات المتحدة.
ويصب انتخاب ترامب في صالح المغرب بعد أن أعلن في ولايته الأولى دعمه سيادة المملكة على الصحراء المغربية، وهي خطوة ساعدت على صدور مواقف أخرى داعمة لمبادرة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط كأرضية لحل ملف الصحراء.
وهنأ العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأربعاء، ترامب بفوزه. وقال في برقية تهنئة إن “الفوز بهذه الانتخابات يعد اعترافا لما تتحلون به من روح وطنية، وتزكية للالتزام بالدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر حليفة”.
أولوية إدارة ترامب في الشرق الأوسط ستكون ممارسة المزيد من الضغوط على إيران، وتأمين مناخ أمني إقليمي ملائم لمسار التطبيع بين العرب وإسرائيل
وأكد الملك محمد السادس أن “البلدين قد تمكنا من إقامة تحالف تاريخي وشراكة إستراتيجية”، مشيرا إلى ما يتقاسمانه “من قيم ومصالح مشتركة مكنتهما من العمل سويا من أجل بناء مستقبل أفضل للشعبين، والنهوض بالعلاقات وتعزيز دورها في دعم السلام والأمن والرخاء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وخارجها”.
وسيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستفيدا بدوره من فوز ترامب بسبب دعمه الواضح له في مواجهة نفوذ إيران في لبنان بصفة خاصة والإقليم بصفة عامة.
وهنأ نتنياهو ترامب ووصف عودته إلى البيت الأبيض بـ”أعظم عودة في التاريخ”. لكن ليس من المعروف إلى أي حد يمكن أن يجاري ترامب رغبة نتنياهو في توسيع دائرة الحرب.
وقالت بورجو أوزجيليك، الباحثة في معهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن، “من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب الجديدة ستقدم الدعم نفسه في خضم حرب من الممكن أن تنجر إليها الولايات المتحدة مباشرة”. وأضافت “الأمر الذي يتصدر قائمة معقدة من الأمور المجهولة هو مدى النفوذ الذي قد يتمتع به ترامب على نتنياهو”.
وقد يرفض ترامب مسايرة نتنياهو في توسيع الحرب، لكن من المؤكد أنه سيكون داعما له في التشدد حيال إيران، وقد يدعم توجيه ضربات إليها أعمق مما حصل في الهجومين السابقين ومن دون خطوط حمراء مثلما كانت تطالب بذلك إدارة بايدن بحثّها على استثناء المنشآت النووية والنفطية من الاستهداف الإسرائيلي.
ويرى المحللون أن أولوية إدارة ترامب في الشرق الأوسط ستكون ممارسة المزيد من الضغوط على إيران لإضعاف نفوذها، وتأمين مناخ أمني إقليمي ملائم لمسار التطبيع بين العرب وإسرائيل، والعمل على توسيعه.
واستبعد هؤلاء لجوء الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري المباشر، مرجحين أن يدعم ترامب تسريع إسرائيل الحرب على حزب الله وتفكيك بناه العسكرية كما حصل مع حماس في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه تكثيف القصف الأميركي – البريطاني على الحوثيين وتوجيه ضربات قوية إلى إمكانياتهم العسكرية وإعادة حركة الملاحة في البحر الأحمر إلى وضعها الطبيعي.
وسيكون الخط الأحمر بالنسبة إلى إيران هو منعها من الاستمرار في برنامجها النووي. وقال ترامب للصحافيين بعد الإدلاء بصوته “لا أريد إلحاق الضرر بإيران، ولكن لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية”.
وفي عام 2018 انسحبت إدارة ترامب آنذاك من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران عام 2015 مع ست قوى كبرى وأعادت فرض عقوبات قاسية عليها، ما دفع طهران إلى انتهاك القيود النووية التي نص عليها الاتفاق، مثل إعادة بناء مخزونات اليورانيوم المخصب، وتخصيبه إلى درجة نقاء أعلى، وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة لتسريع الإنتاج.
وكانت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بسبب برنامج طهران النووي هي التي أجبرت طهران على التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، والذي وافقت إيران بموجبه على الحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات.
وقال مسؤولان إيرانيان لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويتهما، إن موقف ترامب الصارم قد يدفع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى الموافقة على إجراء محادثات مع الولايات المتحدة “سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة”.