دخلت الحكومة المصرية في صدام جديد مع الأطباء عقب مطالبتها العيادات الطبية في المناطق السكنية بدفع مخالفات التصالح في البناء باعتبارها منشآت إدارية وليست سكنية، كما ينص القانون الخاص بالمنشآت الطبية، وهو ما تحاول دوائر قريبة من السلطة البحث عن حل له قبل تفاقم الأزمة وانعكاسها على المواطنين.
ويؤكد تقدم خمسة من أعضاء مجلس النواب (البرلمان) بأسئلة إلى رئيسه حنفي الجبالي للمطالبة بالتراجع عن القرار، حجم الخطر الذي تدركه دوائر قريبة من الحكومة، حال جرى إرغام الأطباء على دفع المخالفات، حيث تأتي المشكلة في وقت تعاني فيه البلاد مشكلات اقتصادية وتململا جراء زيادة الأسعار بشكل كبير.
ورغم أن الحكومة المصرية أعلنت مد مهلة توفيق أوضاع البنايات غير القانونية لستة أشهر أخيرا ضمن قانون “التصالح في مخالفات البناء” وكان من المفترض أن ينتهي الاثنين المقبل، إلا أن وصول إنذارات إلى العيادات بضرورة دفع مخالفات البناء منذ بداية الشهر الماضي جعل الأزمة تتصاعد، وسط توقعات أن يعقد مجلس النواب جلسة عامة لمناقشة أزمة الأطباء بعد أيام قليلة.
وتقدم رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب أشرف حاتم (محسوب على الحكومة) بطلب إحاطة للتراجع عن تطبيق قرارات الغلق والتشميع واعتبرها خطأً قانونيا، لأن تلك العيادات تخضع لقانون المنشآت الصحية والعلاج الحر والمحافظة وأنشئت بموجب تراخيص سابقة.
وحذر رئيس الهيئة البرلمانية بحزب الإصلاح والتنمية أيمن أبوالعلا من تهديد خطوة الحكومة لاستقرار تلك العيادات والخدمات الصحية التي يعاني المواطن من ضعفها، ما يهدد الأمن الاجتماعي، وأن التهديد بغلق وقطع المرافق عن العيادات هو اعتداء واضح على الملكية الخاصة، وأمر مرفوض تماما.
ويقضي قانون المنشآت الطبية المصري بـ”تسجيل أيّ عيادة خاصة في النقابة المختصة، وحصولها على الترخيص من إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة”، وهو ما تعتبره نقابة الأطباء قانونا خاصا بتلك العيادات لا يجب أن يخضع لقوانين أخرى تتعلق بالبنايات المخالفة، إذ سيكون على كل عيادة دفع مخالفة مالية نظير عملها دون أن يكون لها تراخيص إدارية وتتراوح هذه المخالفة وفقَا لقيمة العقار الذي تتواجد به.
وتعاني مصر من عجز حاد في أعداد الأطباء بسبب هجرة الآلاف منهم سنوياً، على خلفية تردي أوضاعهم المادية والمهنية، وبالتالي فالبحث عن عوامل تحفيز للبقاء يجب أن تكون أولوية قصوى بدلاً من خلق عوامل تدفعهم للهجرة، خاصة أن المواطنين يئنون من ارتفاع تكاليف قيمة الكشف الخاص بالعيادات.
وحسب دراسة أعدتها وزارتا الصحة والتعليم العالي، فإن مصر تمتلك 8.6 أطباء لكل عشرة آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل عشرة آلاف مواطن.
وقال نقيب الأطباء المصريين أسامة عبدالحي إن النقابة ترفض بشكل تام تحميل العيادات الطبية أعباء مالية جديدة لأنها غير مخاطبة بقانون البناء ولا تخضع لتجاوزاته، والحكومة لم تطلب من أيّ طبيب أن يحول عيادته التي تكون في الأغلب عبارة عن شقق سكنية إلى منشآت إدارية، وكل عيادة لها الترخيص الخاص بها والذي تحصل عليه من وزارة الصحة والنقابة التابع لها الطبيب، وبالتالي فهم يعملون في أوضاع قانونية سليمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن نقابة الأطباء تنتظر مناقشة قرارات الحكومة داخل مجلس النواب وصدور توصية بالتراجع عن إجراءات الجهات المحلية التي تهدد العيادات بالغلق والتشميع، حال لم يدفع الأطباء رسوم التصالح في مخالفات البناء، مشيراً إلى أن جذور الأزمة بدأت قبل أربع سنوات، وفي ذلك الحين تدخلت النقابة وأوقفت تحركات قادتها محافظة بورسعيد (شمال) وتدخلت الرئاسة المصرية لوقف القرار.
وأشار إلى أن أيّ زيادات مالية يتحملها المرضى، وليس من المنطقي اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تُصعب أوضاعهم المعيشية على نحو أكبر، كما أن نقابة الأطباء لديها خيارات عديدة للتعامل مع الموقف الراهن وترفض الإعلان عنها في الوقت الحالي، انتظاراً لما ستؤول إليه النقاشات داخل البرلمان.
◙ النقابة ترفض بشكل تام تحميل العيادات الطبية أعباء مالية جديدة لأنها غير مخاطبة بقانون البناء ولا تخضع لتجاوزاته
ويتفق قانونيون على أن إخضاع العيادات الطبية للتراخيص وفقا لقانون البناء وشروع أجهزة الحكم المحلي في المحافظات بمطالبة الأطباء بالتصالح والحصول على ترخيص لتحويل هذه العيادات من سكني إلى إداري مخالف للقانون والدستور وهو اغتصاب للسلطة واعتداء على الملكية الخاصة وعلى أوضاع قانونية سليمة استقرت منذ سنوات طويلة، وأن العيادات الطبية وغيرها من المنشآت الطبية لا تخضع مطلقا بأيّ شكل كان لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008 ولا التصالح عليه.
ويقول سياسيون إن الحكومة تضغط على المستشفيات العامة التي تعاني مشكلات عدم قدرتها على تحمل أعداد المتوافدين عليها، كما أن العيادات الطبية تقدم خدمات صحية بديلة يجب الحفاظ عليها، وأن مثل هذه القرارات يعتبرها المواطنون موجهة إليهم وتساهم في زيادة الهوة بينهم وبين جهات حكومية من المفترض أن تسعى إلى تقويض أيّ مساع لإحداث ارتباك داخلي في الوقت الحالي.
وذكر عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين (معارض) طلعت خليل أن خلق أزمة جديدة مع الأطباء يبرهن على وجود تخبط حكومي تجاه التعامل مع ملفات مختلفة، وأن الأولويات تغيب في هذه المرحلة الحساسة التي يعاني فيها بعض المواطنين من صعوبات جراء سياسات الحكومة في مجالات عديدة، وأن التعويل يبقى على الأصوات العاقلة التي يمكن أن تؤجل مثل هذه القرارات أو تتراجع عنها بشكل نهائي حفاظاً على الأمن والاستقرار المجتمعي.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن التعامل الحكومي مع مثل هذه القرارات خاطئ، وهناك حاجة لتوضيح إذا ما كانت العيادات الطبية تخضع لمخالفات البناء والقانون 119 أم لا، وأن عدم وجود ردود أفعال من الحكومة على ما تثيره نقابة الأطباء يبرهن على أنها تقصد الاستمرار في سياسة الغموض، بغية تحصيل أكبر قدر من الأموال وهو سلوك سيء في توقيت تزداد فيه أوجاع المواطنين من ارتفاع أسعار السلع والخدمات.