تناقلت وسائل إعلام سودانية محلية بيانا لتجمع شباب الهوسا في السودان اتهم فيه قوات تقاتل مع الجيش السوداني بارتكاب مجزرة بحق المدنيين في مدينة الدندر وقرى شرق سنار راح ضحيتها أكثر من 350 قتيلا، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع، لتشكل ضربة جديدة لمحاولات الوسطاء التوصل إلى وقف إطلاق النار في البلاد.
ويجري المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو جولة جديدة من الاجتماعات حول الأزمة السودانية، حيث تشمل زيارته دول كينيا وأوغندا ومصر، في إطار الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الوضع المتأزم في السودان، غير أن هذه المهمة تعتريها الشكوك مع تردي المعارك وحالة التصعيد التي تتزايد يوما بعد يوم مع دخول مناطق جديدة في الحرب.
ويبدو الجيش السوداني مصرا على الحسم العسكري ورفض أيّ حلول سياسية، فيما يعمل على استقطاب ميليشيات مسلحة للقتال بجانبه مع ما تحمله هذه الخطوة من خطورة على السلم الأهلي. وكان الجيش استرد الأسبوع الماضي مدينة الدندر التابعة لولاية سنار وسط السودان، عقب انسحاب قوات الدعم السريع التي سيطرت عليها في يوليو الماضي، وذكر شهود عيان أن قوات تابعة للجيش قامت بعمليات انتقامية.
وقال تجمع شباب الهوسا في بيان الخميس إن أحداثا مؤسفة جرت في مدينة الدندر وقُرى شرق سنار بعد خروج قوات الدعم السريع ودخول الجيش، والتي أسفرت عن المئات من القتلى، معظمهم من أبناء قبيلة الهوسا. وأضاف البيان “إننا نحمّل الجيش السوداني كامل المسؤولية عن هذه المجازر، وندين بأشد العبارات تواطؤ كتائب البراء بن مالك، التي تعمل تحت عباءة الجيش وما يعرف بالعمل الخاص، والتي ارتكبت هذه المجازر التي راح ضحيتها، وفقا لإحصاءاتنا الأولية، أكثر من 350 قتيلا، معظمهم من شباب القبيلة”.
واستنكر ما وصفها بـ”التصرفات الطائشة” التي تحمّل المواطنين الأبرياء تبعات سقوط مدينة الدندر في أيدي قوات الدعم السريع. وطالب البيان المنظمات المحلية والإقليمية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة، بتكوين لجنة عاجلة للتحقيق في جرائم مدينة الدندر والسوكي وقُرى شرق سنار، وتقديم مرتكبي الجرائم إلى محاكم عادلة تضمن إنصاف الضحايا.
وكان ناشطون على مواقع التواصل تداولوا فيديوهات لمجموعات من المدنيين يتعرضون للضرب بالسياط من مسلحين يرتدون زي الجيش السوداني، فيما كان الجنود يتحدثون عن أن المدنيين متعاونون مع قوات الدعم السريع.
من جهته قال المستشار في قوات الدعم السريع الباشا طبيق على منصة إكس إن كتائب البراء وكتائب العمل الخاص التابعة للاستخبارات العسكرية قامت بتصفيات وحملات انتقامية بحق المدنيين في مدينة الدندر بولاية سنار. وأوضح أن “ما جرى يعد تصفية عرقية وإبادة جماعية تتطلب تدخلا عاجلا من منظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف هذه المجازر الانتقامية”.
وإلى جانب التصعيد العسكري وجر البلاد إلى الاقتتال العرقي، يعرقل الجيش وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق واسعة في البلاد، وكان قد اتهم توم بيرييلو الحكومة السودانية بعرقلة وصول 90 في المئة من المساعدات الإنسانية العاجلة المخصصة للمتضررين من النزاع في البلاد. وأكد أن الوضع الإنساني في السودان يتطلب تدخلا عاجلا، حيث يواجه 25 مليون شخص في البلاد حاجة ماسة للمساعدات.
وأشار إلى أن 6.5 مليون شخص يعانون من نقص حاد في الغذاء، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية. وأوضح أن هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلاد، مما يستدعي استجابة سريعة من المجتمع الدولي. كما ذكر أن مفوضية المساعدات الإنسانية السودانية لم تسمح في الشهر الماضي إلا بوصول 10 في المئة فقط من الإمدادات الإنسانية المتاحة في بورتسودان إلى المحتاجين، مما يعيق جهود الإغاثة ويزيد من معاناة السكان المتضررين.
ووفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية سيعقد بيرييلو اجتماعات مع قادة المجتمع المدني السوداني، بالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين في الدول التي يزورها، فضلا عن قادة من مختلف الأطراف المعنية. وتهدف هذه الاجتماعات إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين جميع الأطراف المعنية بالأزمة. غير أن الدبلوماسي وعضو الكونغرس الأميركي السابق بيرييلو لم ينجح بعد 8 شهور على تعيينه في قيادة جهود وقف الحرب التي اندلعت في منتصف شهر أبريل من العام 2023، بل تردت الأوضاع بشكل أكبر.
◙ تعثر جهود بيرييلو تعود بالدرجة الأولى إلى العقبات التي يضعها الإسلاميون الذين يتحكمون في قرار الجيش الرافض للتجاوب مع مبادرات وقف الحرب
وعند تعيينه في الـ27 من شهر فبراير الماضي، عبرت الإدارة الأميركية عن ثقتها بقدرة بيرييلو على وقف المعاناة الإنسانية وقيادة جهود وقف الحرب، التي كانت تدور حينها في أقل من 40 في المئة من مساحة البلاد ولم يتجاوز عدد القتلى فيها 10 آلاف، ومن الفارين نحو 6 ملايين. لكن الآن، تمددت الحرب إلى نحو 70 في المئة من مناطق البلاد ووصل عدد القتلى إلى نحو 100 ألف، بحسب منظمة “أنتلجينس ووتش”، كما وصل عدد الفارين إلى أكثر من 14 مليونا، وتفاقمت المعاناة الإنسانية بشكل كبير.
ويرى متابعون أن تعثر جهود بيرييلو تعود بالدرجة الأولى إلى العقبات التي يضعها الإسلاميون الذين يتحكمون في قرار الجيش الرافض للتجاوب مع مبادرات وقف الحرب، إضافة إلى تراجع أهمية الأزمة السودانية في قائمة أجندة المجتمع الدولي، وطبيعة مهمة بيرييلو نفسه، التي ترتبط بتعقيدات الداخل الأميركي.
ومنذ تسلمه مهامه انخرط بيرييلو في عدة مبادرات إقليمية ودولية، كان آخرها في مدينة جنيف السويسرية في شهر أغسطس الماضي، التي اصطدمت بعقبة عدم تجاوب الجيش، الذي يواجه اتهامات واسعة بالرضوخ لتوجيهات وسيطرة تنظيم الإخوان الراغب في استمرار الحرب، لأسباب وصفها بيرييلو نفسه بأنها تعود إلى طموح التنظيم في العودة إلى الحكم على أنقاض الحرب.
وشدد المبعوث الخاص على أهمية توفير المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لجميع المناطق في السودان، مع التركيز على حماية المدنيين. كما أكد على الحاجة الملحة لإنهاء النزاع، مشيرا إلى التزام الحكومة الأميركية المستمر بدعم الانتقال نحو حكم مدني يتيح للشعب السوداني فرصة تشكيل مستقبله السياسي.