استقبلت آلة الدعاية الروسية انعقاد قمة بريكس في قازان بروسيا من 22 إلى 24 أكتوبر الماضي بحملة صاخبة، وأشادت بأهميتها “التاريخية”. وتشكل تكتل بريكس في العام 2009 من أربعة أعضاء، وهم البرازيل وروسيا والهند والصين. ثم توسع إلى خمسة في العام 2011 عندما انضمت جنوب أفريقيا إلى التكتل. وبلغ تعداد أعضاء التكتل الآن تسعة بالتحاق مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة بهذه المجموعة سنة 2023.
ولا تزال العديد من طلبات الانضمام معلقة. وحتى إن لم يكن هذا اللقاء السنوي ذا أهمية كبرى، لكن لا مجال لمقارنته بما تمتلكه مجموعة السبع التي تضم القوى الديمقراطية الأساسية من قدرة على اتخاذ القرار والتي سبق أن ضمت إليها روسيا سنة 1998 قبل أن تطردها سنة 2014. ويعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تصوير نفسه بطلا يقاتل ضد القمع الغربي، لكن عدوانه على أوكرانيا يشوه موقفه.
وفي مقال لبافيل كي بايف نشرته مؤسسة جايمس تاون تمثّل الإنجاز الرئيسي لقمة قازان في إظهار أن روسيا لم تكن معزولة وأنه لا يمكن استبعادها عن الساحة الدولية. ويخدم انضمام أعضاء جدد إلى المجموعة مؤخرا هذا الهدف. لقد أصبح تسجيل الأعضاء الجدد محور اهتمام، إلا أن تعقيدات تخللته.
يُذكر أن إندونيسيا والمملكة العربية السعودية كانتا من بين القوى الإقليمية الكبرى الأخرى التي أجلت قراراتها بشأن الانضمام إلى مجموعة بريكس. ورفضت الأرجنتين الدعوة، ولم توجه دعوة لنيجيريا أبدا.
ووجد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عذرا لعدم حضور القمة، وكان للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ارتباطات أكثر إلحاحا في جدول أعماله، فيما بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المدعو ضيف شرف مشتتا خلال محادثته الثنائية التي طال تأجيلها مع بوتين بهجوم إرهابي في أنقرة.
وفاقمت هذه النكسات الفشل الكبير الذي شوّه رسالة بوتين في التأكيد على طابع مجموعة بريكس المعادي للغرب. وبينما تميل الصين عادة إلى استغلال الخطاب المعادي للولايات المتحدة، تبقى الهند معارضة له. ويفضل الأعضاء الجدد مثل مصر والإمارات العربية المتحدة موقفا أكثر توازنا وأقل مواجهة.
وصورت الدعاية الروسية لأسابيع القمة على أنها تتويج لاستياء “الأغلبية العالمية” من الهيمنة الاستعمارية الغربية الجديدة. لكن دراسة الخبراء للإعلان الختامي الذي جرت الموافقة عليه في قازان لا تشير إلى هذا التمرد المتخيل.
وأصبح المنتقدون في موسكو يجادلون بأن تنوع الآراء والتطلعات بين الدول الأعضاء في مجموعة بريكس والمدعوين المحتملين يعدّ علامة على قوة المجموعة وليس على عدم اتساقها. وكان اقتراح موسكو العملي لقمة قازان يكمن في إنشاء نظام دفع جديد يسمى “جسر بريكس”، ويكون مستقلا عن المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الغرب.
وتتضرر العديد من الاقتصادات الناشئة من الاعتماد على المعاملات المقومة بالدولار. وتبقى الصين حريصة على زيادة تداول عملتها الخاصة في عملياتها التجارية. لكن لم يكن أيّ لاعب اقتصادي رئيسي من بين المجتمعين في قازان مستعدا للإعلان عن تبني بديل جديدا لنظام سويفت، الذي تعتمده البنوك لإجراء مدفوعات إلكترونية عبر الحدود، والذي قُطعت عنه روسيا منذ شن غزوها على أوكرانيا.
وليست رغبة موسكو في فتح قنوات جديدة للتحايل على العقوبات الغربية خافية عن أحد. لكن كل دولة في بريكس تبقى مصممة على تأمين مصالحها الاقتصادية الخاصة أولا وقبل كل شيء. ويُقوض الضعف الواضح للنظام المالي لروسيا نداءاتها للابتعاد عن الدولار. ويبرز هذا الضعف أكثر مع قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة مرة أخرى إلى مستوى قياسي يصل إلى 21 في المئة.
وتعمل موسكو على تعزيز صورة بريكس الأمنية. لكن هذا الطموح يبقى عالقا في مستنقع من المصالح المتباينة. وبرز هذا الخلاف في التطرق إلى الوضع في الشرق الأوسط، حيث شعر كل متحدث رفيع المستوى في قمة قازان بضرورة الحديث مطولا حول هذا الموضوع، إلا أن الإعلان الختامي اكتفى بالتعبير عن الانشغال بشكل محايد.
وفشلت إيران في سعيها إلى إدراج صياغة أقوى. ولم يلق الرئيس مسعود بزشكيان سوى القليل من التضامن (إن وجد) بخصوص الضربة الجوية الإسرائيلية التي حدثت مباشرة بعد عودته من قازان. وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا أعربت فيه عن قلقها إزاء “دوامة التصعيد الذي لا يمكن السيطرة عليه”. لكن التوقيع لم يتم على معاهدة معلنة سابقا بشأن الشراكة الإستراتيجية بينها وبين إيران.
◙ عجز مجموعة بريكس عن معالجة الأزمات الأمنية والتحديات الاقتصادية الأكثر تطلبا بطريقة مجدية لم يكن مفاجئا
وفي نفس الوقت، كانت موسكو مصممة على التقليل من شأن حربها في أوكرانيا التي ذكرت بإيجاز في الإعلان. وامتنعت كييف عن محاولة شن ضربة أخرى بطائرة مسيرة على ترسانة أو مصفاة نفط في روسيا. وفسّر بوتين هذا الاختيار بكونه مصمما لعدم إزعاج حدثه الكبير كدليل على اعتراف الغرب بتحذيره من منح أوكرانيا الإذن بضربات على الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى مثل صاروخ ستورم شادو (ظل العاصفة).
وكان “استيراد” روسيا لآلاف الجنود من كوريا الشمالية التطور الذي ألقى بظلاله على القمة. واختار بوتين عدم إنكار وصول القوات الكورية الشمالية إلى القوات الروسية، مما أثار قلق الصين وأزعج حتى أقرب حلفائه ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، الذي كثيرا ما اتبع أهواء نظيره الروسي.
وعجز مجموعة بريكس عن معالجة الأزمات الأمنية والتحديات الاقتصادية الأكثر تطلبا بطريقة مجدية لم يكن مفاجئا. وكلما زاد عدد الدول من أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط التي تجتمع حول طاولة المفاوضات (التي وضعتها روسيا هذه المرة)، كلما زاد نطاق الخلافات القائمة ومنع اتخاذ أيّ موقف مشترك.
وتعدّ التعددية القطبية، التي تتوق موسكو إلى طرحها، سمة رئيسية للتفاعلات في الجنوب العالمي. ويتباين هذا مع وحدة الهدف في الغرب. ولا يمكن اعتبار هذه الوحدة أمرا مفروغا منه. ولكن العدوان الروسي على أوكرانيا، الذي ينشر القلق والارتباك بين الكثيرين في جميع أنحاء العالم، دفع الغرب إلى إصلاح تحالف يدافع عن دعم أسس النظام العالمي. ويتواصل اختبار هذا التضامن الجديد في سياق الحرب الطويلة. لكن مرونة أوكرانيا وجرأتها تواصل جلب المزيد من التأييد لها.