أفرجت السلطات الجزائرية، الجمعة، عن الصحافي إحسان القاضي المسجون منذ نهاية 2022، بموجب عفو أصدره الرئيس عبدالمجيد تبون، وهي القضية التي تسببت بموجة غضب واسعة وانتقادات من منظمات حقوقية داخل البلاد وخارجها ما تسبب بإحراج السلطة.
ورغم أن الإفراج عن القاضي جاء بمناسبة عفو عام بمناسبة الذكرى السبعين لحرب الاستقلال (1954-1962)، إلا أن الكثيرين يرون أنه محاولة من السلطة لامتصاص الغضب بسبب هذه القضية وتحسين صورتها، التي تضررت بشدة بسبب حملات القمع ضد الصحافيين وأصحاب الرأي.
وبداية العام، وجّهت شخصيات جزائرية رسالة للرئيس تبون من أجل استصدار عفو عن الصحافي إحسان القاضي الموجود في السجن منذ أكثر من سنة، واعتبروا أن ذلك سيكون إشارة قوية للحرية والعدالة وتصحيحا لصورة تضر بالجزائر.
وورد في الرسالة التي نشرتها جريدة الوطن الفرنكوفونية وخاطبت الرئيس تبون: “نحن مجموعة من الصحافيين والفنانين والمثقفين الجزائريين الذين نؤمن بالحق والعدالة، ونحب بلدنا. يشرفنا أن نكتب إليكم لنلفت انتباهكم إلى مصير إحسان القاضي”.
محامون يقولون إن هناك بداية لإطلاق سراح سجناء الرأي، معربين عن أملهم في أن يشمل ذلك الجميع بدون استثناء
ووجهت الرسالة التي جاءت بلغة هادئة، دعوة صريحة للرئيس الجزائري لأن يفعل العفو الرئاسي، لأن مصير إحسان القاضي تسبب حسب الشخصيات الموقعة، في إحباط كبير لدى الكثير من الجزائريين الذين يرغبون في رؤية تكريس الحريات في بلدنا. وورد في ختامها “نأمل أن تستخدموا صلاحياتكم الدستورية للإفراج عن إحسان القاضي بالإضافة إلى آخرين من معتقلي الرأي، والسماح لهم بقضاء السنة الجديدة مع أسرهم. سيكون مثل هذا العفو من جانبكم إشارة قوية للعدالة والحرية”.
وأورد نورالدين أحمين أحد محامي القاضي خبر الإفراج عنه عبر فيسبوك ناشرا صورة للصحافي بعد عودته إلى منزله محاطا بأفراد عائلته، بينما قالت المحامية نبيلة إسماعيل “أصبح إحسان القاضي أخيرا بين أهله. أطلق سراحه في 1 نوفمبر. نهاية كابوس”.
وكانت محكمة الاستئناف شددت في يونيو 2023 عقوبة القاضي البالغ 63 عاما وقضت بسجنه سبعة أعوام، منها خمسة نافذة بزيادة عامين عن الحكم الابتدائي. وفي أكتوبر من العام نفسه، رفضت المحكمة العليا الطعن الذي قدّمه الصحافي، ما جعل إدانته نهائية.
وقال فتى السادات وهو أحد محامي القاضي إنه تم إطلاق سراح القاضي من سجن الحارة، بعد أن حصل على عفو رئاسي. وكان يقضي عقوبة بسبب حصوله على تمويل أجنبي لصالح “راديو إم” و”مغرب إيميرجنت”، وهما مشروعان إعلاميان كانا منفذين رئيسيين، خلال احتجاجات الحراك، التي أدت إلى استقالة الرئيس الثمانيني عبدالعزيز بوتفليقة في عام 2019.
وصدر الحكم الابتدائي في ابريل في حق القاضي الذي يدير إحدى آخر المجموعات الصحافية الجزائرية المستقلة، وتضم إذاعة راديو إم وموقع مغرب إيمرجنت الإخباري، قضى بسجنه خمسة أعوام، اثنان منها مع وقف التنفيذ بتهمة تلقي “تمويل أجنبي”.
وأعلنت النيابة العامة خلال المحاكمة أن تهمة إحسان القاضي هي تلقي أموال من الخارج “قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها”. وذكرت المحامية زبيدة عسول خلال المحاكمة أن ملف القضية مبني على أموال بقيمة “25 ألف جنيه استرليني تلقاها الصحافي على دفعات من ابنته تينهنان القاضي المقيمة في لندن والمساهمة في شركة إنترفاس ميديا”.
وأوضحت أن تلك الأموال “كانت موجهة لتسديد ديون الشركة الناشرة للوسيلتين الإعلاميتين إذاعة راديو أم وموقع مغرب إيمرجنت الإخباري”. وأثار توقيف القاضي موجة من التضامن بين زملائه والناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر وأوروبا. وجمعت عريضة أطلقتها منظمة “مراسلون بلا حدود” للإفراج عنه أكثر من 10 آلاف توقيع.
واعتبر متابعون أن القضية بمرمتها هي اقتصاص من الصحافيين الجزائريين المعارضين، فتشديد الحكم في الاستئناف يوحي برغبة السلطات في ترويع الصحافيين وبعث رسالة للمنظمات الدولية التي انتقدت الحكم الابتدائي بأن حملاتها وتنديدها بحبس الصحافيين لن تلقى آذنا صاغية في الجزائر. وأضافوا أن السلطات الجزائرية أصدرت قرارا بتفعيل قانون قديم مثير للجدل، يتضمن منع التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام المحلية، بالتزامن مع محاكمة القاضي. وطلبت النيابة العامة الجزائرية في الرابع من يونيو من محكمة الاستئناف تثبيت إدانة إحسان القاضي بالسجن خمس سنوات ثلاث منها نافذة. وتراجعت الجزائر في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدد” لحرية الصحافة العام الماضي بمرتبتين من 134 عالميا العام الماضي إلى 136 عالميا هذه السنة من مجموع 180 دولة.
شخصيات جزائرية وجّهت رسالة للرئيس تبون من أجل استصدار عفو عن الصحافي إحسان القاضي الموجود في السجن منذ أكثر من سنة
وذكر تقرير المنظمة، التي تعنى بحرية الصحافة والتعبير في العالم، أن حرية الصحافة في الجزائر تواجه العديد من الخطوط الحمراء، حيث إن “مجرد الإشارة إلى الفساد أو قمع المظاهرات من شأنه أن يكلف الصحافيين التهديدات والاعتقالات”. وأضاف أنه “لم يسبق للساحة الإعلامية الجزائرية أن شهدت مثل هذا التدهور، حيث باتت وسائل الإعلام المستقلة تتعرض للضغوط باستمرار ويُسجن الصحافيون أو يحاكَمون بانتظام، ناهيك عن إجراءات الحجب التي تطال العديد من المواقع الإلكترونية”.
وعن المناخ السياسي، قالت المنظمة إنه يتسم بالتوتر الشديد. وذكرت أن الصحافيين ووسائل الإعلام يتعرضون “لضغوط” عديدة، خاصة من “رئاسة الجمهورية والأحزاب والأجهزة الأمنية والسلطات المحلية، ما يصعب جدا على المراسلين القيام بعملهم بطريقة حرة ومستقلة عندما يكون للسلطة السياسية تأثير مباشر على تعيين وإقالة مديري وسائل الإعلام والهيئات التنظيمية للقطاع”.
ووقّع تبون مرسومين رئاسيين بمنح عفو لأكثر من أربعة آلاف سجين. يتعلق المرسوم الأول بالأشخاص المحكوم عليهم في قضايا مرتبطة ب”القانون العام” والثاني في قضايا مرتبطة ب”الإخلال بالنظام العام”، بينهم عدد من المعتقلين خلال مسيرات الحراك الشعبي في العام 2019.
وكان إطلاق سراح سجناء الحراك الشعبي مطلبا دائما للمعارضة التي تصفهم بأنهم “معتقلي رأي”، في حين قال الرئيس الجزائري في أكثر من مناسبة أنه “لا يوجد معتقل رأي واحد في السجن”.
ويصدر الرئيس الجزائري سنويا عفوا رئاسيا عن المساجين في أعياد دينية ووطنية، على غرار عيد الاستقلال الموافق 5 يوليو، وعيد الثورة الموافق1 نوفمبر. وكتب المحامي المتابع لقضايا سجناء الحراك الشعبي، عبدالغني بادي، أن هناك بداية لإطلاق سراح سجناء الرأي، معربا عن أمله في أن يشمل ذلك الجميع بدون استثناء.
وتداول نشطاء صورا لأحد أقدم سجناء الحراك الشعبي محاد قاسمي المحكوم عليه في قضيتين، والذي يوجد في السجن منذ نحو 4 سنوات. كما نشر البعض صور الناشط الحقوقي الطاهر العربي الذي يواصل إضرابه عن الطعام لمدة شهر على التوالي بعد أن أصدرت محكمة الأبيض سيدي الشيخ في ولاية البيض غربي البلاد، حكما يدينه بمجموع 15 عاما سجنا نافذا. كما تم تداول الناشطة عبلة قماري الموجودة حديثا في السجن أيضا.