أطلق أكثر من 20 نائبا من جميع الكتل في البرلمان التونسي مبادرة تهدف إلى تنظيم المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاديا للفوضى التي تنتشر فيها، بعد الضجة التي أثيرت بشأن الرداءة والإساءة إلى قيم المجتمع على منصتي تيك توك وإنستغرام بشكل خاص وإيقاف عدد من صناع المحتوى.
وصرح محمد أمين الورغي، النائب بمجلس نواب الشعب عن كتلة صوت الجمهورية، لإذاعة “ديوان أف أم” المحلية بأنه سيتم توسيع دائرة النقاشات والاستماعات واستدعاء كل الجهات المعنية من وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال وكذلك بعض الهيئات والمجتمع المدني للنظر في إمكانية إحداث هيكل رقابة جديد في تونس يراقب كل السلوكيات على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكّد أن النواب في توجههم العام يرفضون العقوبة السجنية منذ البداية، ويفضلون اقتصار الأمر على مجموعة من الخطايا المالية وفي حال العودة يتم تنفيذ عقوبة سجنية، وفق قوله. وأشار إلى أنه سيتم طرح المبادرة في مجلس النواب خلال الأيام القليلة القادمة، وتحديدا بعد مناقشة مشروع قانون المالية.
وأصدرت النيابة العامة في تونس الإثنين قرارات تقضي باعتقال خمسة من صناع المحتوى و”مؤثرة” على إنستغرام، بعد مرور يوم واحد على طلب وجهته وزارة العدل للنيابة بملاحقة المتهمين بنشر ما قالت إنه “محتويات تتعارض مع الآداب العامة” على المنصات الاجتماعية.
من الملاحظ في المشهد الإعلامي التونسي أن الرداءة كانت وليدة قنوات تلفزيونية قبل أن تكون على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن شاشات معينة تتحمل مسؤولية تطبيع المجتمع مع هذا النوع من المحتوى الهابط
ويواجه الموقوفون تهما تتعلق بـ”التجاهر بالفحش ومضايقة الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من التهم ذات الصبغة الأخلاقية”، وفق ما نقلته إذاعة “موزاييك” المحلية عن مصدر وصفته بـ”المطلع”. والأحد طلبت وزارة العدل التونسية من النيابة العامة ملاحقة المتهمين بنشر ما قالت إنه “مضامين تمس من القيم الأخلاقية”، وهددت بمتابعة كل من ينشر “محتويات مخلة”.
وأوضحت في بيان على صفحتها في فيسبوك أن هذه الخطوة جاءت “على إثر انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك وإنستغرام، لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة”.
وفي الأشهر الأخيرة انتشرت مقاطع فيديو خلفت نقاشات واسعة وصفها البعض بـ”المسيئة” إلى المرأة والعائلة التونسية، فيما أدرجها آخرون في خانة “حرية التعبير”.
وتعالت الانتقادات ضدّ صنّاع المحتوى، بعد تداول هذه المقاطع على نطاق واسع وتحوّل تطبيق تيك توك إلى منصة للسب والشتم ووسيلة للتسول، وسط مطالبات للدولة بالتدخل والقيام بدورها الرقابي من أجل محاربة المحتوى السيئ والحفاظ على الذوق العام.
ووصلت مطالب البعض من النشطاء إلى حد المطالبة بحظر بعض المنصات على غرار تيك توك، مع انقسام الشارع التونسي حول القضية، حيث اعتبر البعض أن قرار النيابة العامة في محله ويجب الضرب بيد من حديد على “التافهين”، في حين يرى طيف آخر أن “السجون” ليست حلا للتصدي لهذه الظاهرة التي هي محل اختلاف.
وتساءل البعض عن وجود نص قانوني يجرّم فعليا ما يقع تداوله اليوم من قبل من يطلق عليهم اسم “صناع المحتوى”، حيث أكد القاضي فريد بن جحا أن الفصل 86 من مجلة الاتصالات قد نصّ على عقوبة سجنية لمدّة عاميْن لكلّ من يتعمّد الإساءة إلى الغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح بن جحا في تصريح إعلامي لإذاعة “جوهرة أف أم” الثلاثاء أن الفصل 226 يتعلّق هو الآخر بالتجاهر بما ينافي الحياء وبالتالي يُعاقب وفقا لمقتضاه من يخالف نصه.
وتابع المتحدث أنّ “الفصل 226 مكرر من المجلة الجزائية نص على عقوبة سجنية تصل إلى 6 أشهر مع خطية مالية ضد أي اعتداء علني على الأخلاق الحميدة”.
وأكد بن جحا أنّ “مشاركة أيّ محتوى غير لائق يُعرّض صاحبه إلى التتبّعات القضائية وذلك لمساهمته في نشر الرداءة والمشاهد المبتذلة المسيئة للنمط المجتمعي”.
ودعا رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى “توخّي الحذر خاصّة وأنّ المشرّع يمكنه الترفيع في العقوبات المذكورة تماشيًا مع تطور الجرائم الإلكترونية”.
بصفة عامة يرفض النواب العقوبة السجنية في البداية ويفضلون اقتصار الأمر على الغرامات المالية، ثم العقوبات الأشد
وينتقد ناشطون ما يتم نشره على منصتي تيك توك وإنستغرام في تونس من محتوى مناف تماما لقيم المجتمع التونسي وأخلاقه حتى أن بعضهم ذهب إلى وصف ما تحتويه المنصتين بأنه “بغاء علني”.
وأضافوا أن بعض المشاهير على هاتين المنصتين بشكل خاص قد اتخذوا من “الثلب والشتم وتشويه الأعراض” مادة تحقق شهرة سريعة وهو ما خلف استياء لدى فئة واسعة من التونسيين الذين دعوا إلى إرساء حدود قانونية قد تساهم في الحد من هذه الرداءة.
وذهب البعض إلى المطالبة بضرورة الحد من استعمال هذه التطبيقات لمن سنهم دون الـ18 سنة لما تمثله من خطر على التركيبة النفسية والسلوكية لهذه الفئة العمرية. ويقول متابعون إنه من الملاحظ في المشهد الإعلامي التونسي أن الرداءة كانت وليدة قنوات تلفزيونية قبل أن تكون على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن شاشات معينة تتحمل مسؤولية تطبيع المجتمع مع هذا النوع من المحتوى الهابط.
ويضيفون أنه في السنوات الأخيرة اتجهت الكثير من القنوات الإعلامية إلى الاعتماد على الترفيه بتقديم محتوى رديء يعرض في نهاية الأسبوع، ما ساهم في “ترذيل المشهد”. كما أن الكثير المنصات الإعلامية التي تتمركز في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة قد اتخذت من السخرية من المواطنين والعابرين “سُلم” بلوغ أعلى نسب المشاهدات دون أي أدنى اكتراث بالرسالة الإعلامية وتأثيرها على المجتمع.
ولاحظوا أن “الرداءة” تضاءلت شيئا فشيئا في “القنوات التلفزيونية” لتنتقل إلى منصات مثل تيك توك التي تتيح خوارزمياتها الشهرة السريعة مهما كان المحتوى وبالتالي يُفرض على التونسي مشهد سيء أينما اتجه.
وتظهر دراسة أعدتها مؤسسة “ميديا نت” الخاصة في تونس، نشرت في فبراير الماضي، أن عدد مستخدمي منصة فيسبوك في هذا البلد المغاربي تطور بنسبة 14 في المئة في غضون عام واحد، ليبلغ عددهم حاليا نحو 7.7 مليون شخص. وجاءت منصة تيك توك في المرتبة الثانية بـ5.3 مليون مستخدم، تليها إنستغرام بنحو 3.5 مليون مستخدم.