عربي ودولي

الجزائر تواجه تراجع دورها الإقليمي بأكبر استعراض عسكري منذ الاستقلال
الجزائر تواجه تراجع دورها الإقليمي بأكبر استعراض عسكري منذ الاستقلال
تحاول الجزائر من خلال استعراض عسكري يقال إنه سيكون الأكبر في تاريخ البلاد مواجهة حقيقة تراجع دورها الإقليمي خاصة في مالي، حيث سخرت إمكانيات عسكرية ولوجيستية ضخمة لتقديم عرض كبير، متجاهلة مصالح المواطنين وهو ما أثار موجة غضب واتهامات للسلطة بسوء التنظيم.

وتشير دلالات الاستعراض الذي يجري اليوم الجمعة إلى رسائل القيادة السياسية في البلاد، لما تصفه بـ”القوى المعادية”، حول امتلاكها القوة الدفاعية والردعية لحماية أمنها ومصالحها في المنطقة، في ظل محاولات تجاوز دورها ونفوذها خاصة في منطقة الساحل، وما أسمته في أكثر من تصريح رسمي بـ”مخططات التحريض عليها”، في إشارة إلى إنهاء السلطة المالية الجديدة العمل باتفاق المصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ عام 2015 ودخول دول “صديقة” في لعبة تحجيم الدور الجزائري في مالي مثل تركيا وروسيا.

وتصنف الجزائر العديد من الفاعلين الإقليميين في خانة “القوى المعادية”، وفق ما يتردد في خطابها، وتتم الإشارة في أكثر من مرة إلى الجناح السياسي والعسكري في شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر.

رسائل الاستعراض موجهة أساسا إلى الداخل للإيحاء بأن الجزائر لا تتأثر بالحديث عن عزلتها وتراجع أداء دبلوماسيتها

والتحقت مؤخرا فرنسا بخانة المغضوب عليهم جزائريا، بعد قرار قصر الإليزيه دعم المقاربة المغربية في حل نزاع الصحراء، والزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام إلى المغرب وعقد اتفاقيات متعددة.

ويرى مراقبون أن رسائل الاستعراض موجهة بالأساس إلى الداخل للإيحاء بأن الجزائر لا تتأثر بالحديث عن عزلتها وتراجع أداء دبلوماسيتها قياسا بدول أخرى في الإقليم، لكن ذلك لا يغير من مصداقية الانتقادات التي توجه إلى الدبلوماسية الجزائرية وعدم قدرتها على مجاراة التغييرات الإقليمية.

وتنظم الجزائر استعراضا ضخما يجمع المتابعون على أنه هو الأول من نوعه منذ الاستقلال، وذلك بمناسبة الذكرى السبعين لثورة التحرير المصادفة للفاتح من نوفمبر، والذي جرى التحضير له في ظروف استثنائية ما دفع شركات كبرى إلى تعديل برامج عملها، على غرار شركتي الخطوط الجوية والموانئ ومحطات النقل، كما تم غلق المنافذ الكبرى المؤدية إلى العاصمة.

وذكر مصدر مطلع أن “العرض العسكري سيكون ضخما، وفي مستوى رمزية الذكرى المفصلية في تاريخ الجزائر”.

وأضاف “الاستعراض يحمل عدة دلالات سياسية وإستراتيجية في ظل الأوضاع المتقلبة بالمنطقة، والمؤسسة العسكرية تريد التأكيد من خلال الحدث على تجذرها بجيل جيش التحرير الوطني، وتمسكها بالذاكرة والتاريخ الوطني الذي يشكل صلب عقيدتها”.

وتابع “الجزائر المتواجدة في محيط ملتهب تريد التأكيد للقوى المعادية والمخططات المبيتة، أنها في حالة استنفار دائم وأن جيشها على استعداد كامل لحمايتها من أية أخطار ممكنة، خاصة وأنها باتت ماثلة على الحدود، فقائد الجيش الليبي حفتر نزل بوحداته العسكرية إلى المناطق الحدودية في رسالة استفزازية، وحتى الجيش المالي المدعوم هو الآخر من طرف مجموعة ‘فاغنر’ الروسية تجرأ على الاقتراب من المسافة صفر بدعوى ملاحقة الإرهاب في أقصى الشمال المالي المتاخم للحدود الجزائرية”.

ويأتي الاستعراض العسكري الذي شُرع في تحضيره منذ عشرة أيام على ساحل العاصمة وبعض المناطق البرية والجوية المحاذية أو المتواجدة داخلها، بالتزامن مع أوضاع إقليمية متوترة، كما هو الشأن في منطقة الساحل والحدود الشرقية والغربية.

وينظم الاستعراض العسكري في الواجهة البحرية للعاصمة، بمشاركة مختلف الأسلحة والقطاعات البرية والبحرية والجوية، من خلال عروض ولوحات يؤديها أفراد مختلف الأسلحة، كما سيتم خلالها الكشف عن جانب من الترسانة العسكرية المملوكة للجيش الجزائري، كمنظومات “أس 400” و”إسكندر”، والطائرات المسيرة “الجزائر 54″، فضلا عن عروض مختلفة أخرى.

وكانت مؤسسات حكومية كبرى قد أعلنت منذ عدة أيام عن تعديل برنامج عملها، رغم الخسائر التي تكبدتها خلال هذا الأسبوع، على غرار شركة الخطوط الجوية ومؤسسة ميناء الجزائر، ومحطات نقل المسافرين، حيث تم إلغاء العشرات من الرحلات الخارجية والداخلية أو تأجيلها، إضافة إلى عدم رسو البواخر وغلق عدة طرق ومحاور تؤدي إلى العاصمة.

وخيمت حالة من الغضب والاستياء على زوار العاصمة، سواء من سكان الضواحي أو المدن والمحافظات الأخرى، نتيجة الغلق شبه الكلي لها بدعوى التحضير للعرض العسكري، دون مراعاة متطلبات الحياة اليومية لهؤلاء، خاصة وأن العاصمة يقصدها يوميا الملايين من الزوار للشغل والدراسة والإدارة والتسوق والعلاج وغير ذلك.

وسجلت العاصمة خلال الأسبوع الحالي ازدحاما مروريا غير مسبوق في تاريخها، الأمر الذي عبرت عنه مديرة صحيفة “الفجر” المحلية حدة حزام، في منشور لها على صفحتها الرسمية في فيسبوك، بالقول “كان على الأقل منح إجازة للناس بدل الوقوع في هذا المأزق”، واستغرب مدونون كيفية تنظيم استعراض مهما كان شكله ونوعه دون مراعاة مصالح الناس.

في المقابل اكتفى الإعلام الجزائري بنقل بلاغات المؤسسات المعنية وبتطور التحضيرات من أجل الاستعراض الضخم، بينما غابت معاناة الناس عن شاشات وصفحات وسائل الإعلام المسموعة والمطبوعة والإلكترونية، الأمر الذي زاد غضب السكان على عدم إيلاء الشأن العام الأهمية اللازمة، وعلى انحياز الإعلام إلى السلطة دون المواطنين.

01 نوفمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة