جمعت السعودية قبل شهر ثلاثة مليارات دولار من بيع صكوك جديدة عبر شركة النفط الحكومية الكبرى “أرامكو” ضمن خطة اقتراض لتلبية الاحتياجات التمويلية لمشاريع رؤية 2030 المكلفة.
وتسبب انخفاض أسعار النفط في دفْع السعودية إلى الاقتراض لتعويض الفارق وعدم تعريض المشاريع الكبرى -التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن إستراتيجية للحد من اعتماد المملكة على عائدات النفط- للتوقّف.
وتحدثت بلومبيرغ عن الحجم الإجمالي لانفتاح السعودية على أسواق السندات عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي -الصندوق السيادي- هذا الأسبوع. وذكرت أن “الحكومة وكيانات سعودية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة، أصدرت سندات ناهزت 50 مليار دولار منذ بداية العام”.
من المرجح أن تواصل السعودية تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي بالقروض بدلا من عائدات النفط حتى تتعافى الأسعار
وعزت الكاتبة إيرينا سلاف في تقرير لها بموقع أويل برايس الأميركي حجم الديون لدى السعودية إلى برنامج رؤية 2030. وقالت إن من المفارقة أن المملكة اعتمدت على عائدات النفط لضمان تحقيق هذه الرؤية، وإن ذلك يشبه وضع المملكة المتحدة، التي تريد تمويل انتقالها بعيدا عن النفط والغاز عبر الضرائب المحصلة من مشغلي المادتين.
ودفع تراجع أسعار النفط بالسعودية إلى النظر بواقعية نحو مشاريع رؤية 2030، وبدا الأمر واضحا من خلال إعلان صندوق الاستثمارات العامة عن أنه يدرس إعادة تنظيم نشاطه، سواء ما تعلق منه بإجراء تغييرات على مهام بعض المدراء أو ما اتصل بمسألة تعديل بعض المشاريع الكبرى، ما يعكس وجود مرونة رسمية لافتة في إدارة مشاريع رؤية 2030.
وفي ديسمبر الماضي قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان للصحافيين إن “التأخير أو بالأحرى تمديد بعض المشاريع سيخدم الاقتصاد”. وأضاف “هناك إستراتيجيات تم تأجيلها وهناك إستراتيجيات سيتم تمويلها بعد عام 2030”.
وكان تمويل مشاريع رؤية 2030 كبيرا حين كانت أسعار النفط مرتفعة. ثم أصبحت الحكومة السعودية تعاني من نقص في السيولة بعد تراجع الأسعار. وتعدّ سوق الديون هنا أسرع طريق لتغطية هذا النقص.
وحدد المركز الوطني لإدارة الدين في السعودية أن “الديون المباشرة القائمة على الحكومة بلغت 308.7 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2024، منها 183.7 مليار دولار ديون محلية و125 مليار دولار ديون خارجية”. وليس هذا العدد هائلا مقارنة مع ديون الولايات المتحدة. ولكنه يشكل زيادة ملموسة بالمقارنة مع مستويات الديون في 2019، حين بلغ الدين السعودي 180.8 مليار دولار.
وتبدو القيادة السعودية مصممة على إنجاح خطة رؤية 2030 حتى لو اضطرت إلى تحمل بعض التعديلات وإلغاء بعض المشاريع لأنها لم تكن منطقية على المستوى الاقتصادي.
وألغى السعوديون في 2018، على سبيل المثال، مشروعا للطاقة الشمسية بقيمة 200 مليار دولار كان من المقرر أن يتم تأسيسه بالاشتراك مع مجموعة سوفت بنك اليابانية. وكان المشروع سيكون الأكبر، لكن ذلك لم يضمن ربحيته. وتقرر بالتالي تغيير الخطط.
لكن يبدو أن نيوم لا تزال قائمة؛ حيث تشكل المدينة الذكية التي تبلغ كلفتها 500 مليار دولار والنظام البيئي للطاقة منخفضة الكربون المشروع الرئيسي لرؤية 2030. ولم تنخفض كلفة المشاريع مع مؤشرات النفط الخام، وهو ما زاد من شهية الاقتراض السعودية. كما تحتاج فجوة عجز الميزانية التي فتحتها أسعار النفط المنخفضة إلى ما يسدها.
انخفاض أسعار النفط دفْع السعودية إلى الاقتراض لتعويض الفارق وعدم تعريض المشاريع الكبرى للتوقّف
وأصدر صندوق النقد الدولي في وقت سابق من العام تحذيرا للسعوديين. وقال إن المملكة “تحتاج إلى صعود أسعار النفط فوق مستوى 96 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها هذا العام… عندما يؤخذ الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة في الحسبان”.
ومن غير المرجح أن يصل سعر النفط إلى 90 دولارا، ناهيك عن 96 دولارا للبرميل في المستقبل المنظور. وهذا يعني أن المملكة ستواصل بالفعل الاقتراض في 2025. وستسعى إلى تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي بالقروض بدلا من عائدات النفط حتى تشهد تعافي الأسعار إلى مستويات أكثر قبولا.
ولا يتوقع الخبراء أن ترتفع الأسعار كثيرا مهما غيرت السعودية الإنتاج. ولم يكن في الواقع لخفض الإنتاج المفروض ذاتيا بمقدار مليون برميل يوميا التأثير المرغوب فيه على الأسعار بسبب التركيز على الطلب الصيني بين التجار. وسيتطلب العرض العالمي مزيدا من التشديد حتى تتفاعل الأسعار.
لكن المشكلة تكمن في أن السعودية تفقد حصتها في السوق من سيطرتها على الإنتاج. وهذه المعضلة جدية، حيث لا يكمن الخيار الأمثل في الغرق في الديون لتمويل رؤية 2030 أو إلغاء كل البرنامج بعد إنفاق الكثير عليه بالفعل. وربما يحتاج السعوديون إلى حل وسط يحول دون الغرق في الديون وبقائهم مرتبطين بعائدات النفط للإنفاق العام.