أثارت محاولة استيلاء أشخاص نافذين على موقع تراثي في مدينة تاريخية عمانية بهدف تغيير معالمه تحت عنوان الاستثمار غضب أبناء المدينة، وسلطت الضوء على وجود مشاكل في تنفيذ مخطط التنمية الذي تعمل السلطات على إطلاقه في الجهات بسبب وجود نقائص إدارية وتنظيمية، وثغرات قانونية تتسرّب منها المحسوبية والفساد إلى مشاريع ذلك المخطّط وتحوّلها عن هدفها المتمثّل في تحقيق المنفعة العامة وتقليص نسب الفقر والبطالة نحو خدمة المصالح الشخصية والأغراض الخاصّة.
ويوجّه أهالي وشيوخ وأعيان ولاية مرباط التاريخية المطلة على بحر العرب بمحافظة ظفار جنوبي سلطنة عمان أصابع الاتّهام إلى عضو في مجلس الشورى العماني بمحاولة الاستيلاء على موقع في المدينة يحتوي على عدّة معالم تاريخية ذات رمزية كبيرة من بينها حصن مرباط وعدد من أضرحة أعلام المنطقة وأوليائها ذوي المكانة الروحية المرموقة لدى السكان المحليين.
ويخالف ذلك جذريا حرصا مستمرا من قبل الدولة العمانية على حماية التراث والأماكن ذات البعد الاجتماعي والروحي كانت تجسّده بوضوح توجيهات السلطان الراحل قابوس بن سعيد بوجوب الحفاظ على المعالم والمنشآت مثل المقابر وقاعات اجتماع القبائل في الأفراح والمآتم، وعدم السماح بمرورها إلى أيدي أي جهات تحت أي عنوان من استثمار وغيره.
ومع ذلك، تشتكي بعض الأوساط الاجتماعية والفعاليات القبلية من أن أشخاصا ذوي نفوذ سياسي وإداري ومالي يجدون دائما طرقا للالتفاف على القوانين والزحف تلك المناطق والاستيلاء على معالمها وتغيير مظاهرها واستخداماتها الأصلية.
ويقول بعض الشيوخ والأعيان إنّ العضو المذكور يحاول التعويل على نفوذه داخل بعض الأجهزة الحكومية والاعتماد على علاقاته القائمة على المصالح وتبادل المنافع والخدمات مع عدد من المسؤولين، في الالتفاف على الاعتراض الشديد على تغيير ملامح المدينة ليس فقط من قبل أبنائها، ولكن أيضا من قبل منظمات دولية مهتمّة بالحفاظ على التراث المادي الثمين لمرباط، وحتّى من قبل جهات حكومية سبق لها أن قرّرت بالفعل عدم مشروعية إدخال أي تغيير على ملامح المدينة وفضائها العام.
ويوضح الشيخ أحمد سعيد العمري وهو من أعيان المدينة أنّ عضو مجلس الشورى حاول الاستعانة بنفوذه ووساطاته لإقناع وزارتي السياحة والإسكان لوضع اليد على موقع استراتيجي في مرباط، وبينما رفضت وزارة السياحة مطلبه، مكنته وزارة الإسكان من الحصول على أرض من جهة الغرب وذلك بموجب عقد أتاح له لاحقا الحصول على قرض من بنك التنمية الحكومي.
واطّلعت العرب على سلسلة من الوثائق والمراسلات الرسمية تتعلّق بالقضية من ضمنها مراسلة من وزارة السياحة تؤكّد فيها عدم الموافقة على التفريط بأي أرض في مرباط لعدم توفّر أراض في المحافظة مطروحة للاستثمار السياحي، وكذلك مراسلات تعلن السلطات المحلية من خلالها التمسّك بملكية أراضي المحافظة والأحقية باستغلالها بما يخدم مصالح السكان ويوفّر لهم مساحات ترفيهية ومتنفّسات.
وقال الشيخ أحمد سعيد إنّ عضو مجلس الشورى أقام له بيتا على الأرض الممنوحة له في مرباط وأسس شركة ثمّ اتفق لاحقا مع مستثمر عماني صاحب نفوذ وأقنعه بأن يقدم طلبا لتحويل الأرض إلى استثمار سياحي، وقد تم ذلك بالفعل وبدأ العمل في المكان الذي هو في الأصل متنفس عام ذو خصوصية اجتماعية وتاريخية.
ويضيف موضّحا أن المستثمر حصل على عقد استثمار لمدّة خمسين سنة مع منحه واجهة مرباط كلها والحصون القديمة والسوق القديم وبندر مرباط إلى جانب تصريح بإدخال البحر في المدينة الأثرية.
ويشير إلى أنّ المستثمر اقتطع جزءا من تلك المدينة وأدخل البحر في موقع أفراح وأتراح بولاية مرباط ومصدر مياهها منذ آلاف السنين قبل أن يتم “توقيفه بالقوة القبلية”، وفق عبارة الشيخ أحمد.
ويذكّر بأنّ أوامر سامية بعدم تحويل أي متنفس عام لأي أغراض تجارية أو سياحية كانت قد صدرت في 2003 وتمت بموجبها إعادة المتنفسات وما تحتوي عليه من منشآت ومرافق إلى الوزارات الحكومية منذ سنة 2009، علما بأنّ الموقع الممنوح لعضو الشورى في مرباط معتمد من قبل وزارة الإسكان من ضمن المتنفسات العامة وبتزكية من كل الجهات الرسمية في الولاية.
ويضاعف غضب أهالي مرباط أنّ شكاويهم لدى السلطات بشأن تغيير ملامح مدينتهم والعبث بمعالمها التاريخية لم تجد الاستجابة المطلوبة إذ يبدو أن علاقات عضو مجلس الشورى ونفوذه كانت حاسمة في فرض الأمر الواقع على المدينة وأهلها.
ما يجري في مرباط يخالف توجيهات عليا بحماية المعالم التاريخية والمقابر والمتنفسات العامة وقاعات اجتماع القبائل
ويلفت الشيخ العمري إلى تقديم شكوى باسم الشيوخ والأعيان لكل الجهات ذات الاختصاص دون الحصول على استجابة من قبلها، وبدلا من ذلك منحت المستثمر واجهة مرباط بموافقات عليها تواقيع وأختام مسؤولين في تلك الجهات الحكومية.
ولم تتجاوز تلك الجهات على قرار وزارة السياحة فحسب، بل على سلطة القضاء بحدّ ذاته، حيث لعبت المحسوبية والوساطات في إبطال حكم ببطلان عقد المستثمر وعدم صحته، وفي منع عرض القضية على محكمة الاستئناف والمحكمة العليا.
وتعد ولاية مرباط التي تبعد عن مدينة صلالة بنحو أربع وسبعين كيلومترا إحدى العلامات البارزة في المعالم التراثية والسياحية العمانية بالنظر إلى حيثيتها التاريخية حيث اشتهرت منذ القرن التاسع الميلادي بتربية الخيول، كما يدل اسمها، وتصديرها إلى العديد من الموانئ والمدن العربية والإسلامية بالإضافة إلى تجارة اللبان والمنتجات الحرفية المختلفة.
وتشتهر، بحسب وثيقة تعريفية لوزارة السياحة العمانية، بالعديد من المواقع السياحية الطبيعية والمعالم التاريخية والمباني ذات الطابع المعماري القديم أبرزها حصن مرباط الذي يعد من أهم المعالم التاريخية والأثرية بالولاية ويطل على ساحل ميناء مرباط القديم ويعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع الميلادي.