أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء عن دعمه الكامل لدعوة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي بالانفتاح على الأكراد، في رسالة واضحة على أن خطوة بهجلي لم تكن دعوة فردية وإنما كانت تحركا مسنودا من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم من أجل البحث عن اختراق في الأزمة مع الأكراد خوفا من تطورات التصعيد الإقليمي على أمن تركيا.
ويشير تبني أردوغان لمبادرة بهجلي، بما فيها ودعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان للقدوم إلى البرلمان ونبذ الإرهاب وحلّ حزبه، إلى وجود تقييم رسمي عميق لدى المؤسسات السيادية التركية، السياسية والعسكرية، يرى بأن إستراتيجية الحسم العسكري لم تعد ممكنة.
وقال أردوغان “إخواني الأكراد الأعزاء، نتوقع منكم أن تمسكوا بقوة بيد (بهجلي) الممدودة بصدق”، وحثهم على الانضمام للجهود الرامية إلى بناء ما أسماه “قرن تركيا”. وأضاف “إذا أعطانا الله الفرصة فإننا نعتزم إزالة (النزاع مع الأكراد) كليا من الأجندة الوطنية”، معربا عن أمله في أن يكون ذلك “الإنجاز الأبرز” في مسيرته السياسية.
تركيا تريد تهدئة مع الأكراد وسط تخوفات من أن يفضي توسيع التوترات الإقليمية إلى خلق وضع أمني صعب على حدود تركيا
وزادت تعقيدات النزاع المسلح مع الأكراد رغم توسيع أنقرة نطاق مواجهتها مع الحزب المحظور من خلال التدخل في شمال سوريا والسيطرة على مناطق حدودية، والتدخل في شمال العراق وبناء قواعد وخوض قصف يومي على قرى ومناطق جبلية، لكن دون نتائج.
وأظهر الهجوم الذي تبناه حزب العمال الكردستاني المحظور واستهدف قبل أسبوع مقر الشركة التركية لصناعات الفضاء صعوبة الرهان على خيار الحسم العسكري دون سواه، ما جعل أردوغان يظهر ليؤكد أن مبادرة حليفه بهجلي مستمرة رغم الهجوم، وأنها “فرصة تاريخية”.
وجاء الهجوم، وفق مراقبين، للتقليل من مبادرة بهجلي والتشكيك في نوايا أنقرة من وراء عرضها لاستقبال أوجلان، الزعيم التاريخي الكردي، في البرلمان. كما قد يكون مؤشرا على وجود خلافات داخل الحزب المحظور بشأن فكرة الحوار مع أنقرة من حيث المبدأ، وليس فقط كموقف من المبادرة المطروحة.
وأوضح الحزب في بيان عبر تلغرام أن الهجوم كان “مخططا له منذ فترة طويلة” من أجل توجيه “تحذيرات ورسائل ضد المجازر وممارسات الإبادة والعزل التي تعتمدها الحكومة التركية”، بما يوحي بأنه غير مرتبط بالمبادرة.
ويرى مراقبون أن تركيا تريد تهدئة مع الأكراد وسط تخوفات من أن يفضي توسيع رقعة الحرب في المنطقة لتشمل سوريا والعراق وإيران إلى خلق وضع أمني على حدود تركيا تصعب السيطرة عليه. كما يوفر فرصة للمقاتلين الأكراد للاستفادة من فوضى السلاح.
ومع بروز مؤشرات اتساع دائرة الحرب من غزة إلى لبنان والتصعيد بين إسرائيل وإيران، سعت تركيا إلى التقارب مع دمشق بهدف تأمين حدودها الجنوبية، وعارضت الضربات الإسرائيلية على إيران، ودعت إلى “وضع حد للإرهاب الذي أوجدته إسرائيل في المنطقة” التي باتت “على حافة حرب أكبر”.
وكان بهجلي دعا أوجلان (75 عاما) الذي يقضى عقوبة بالسجن المؤبد، للحضور إلى البرلمان لإعلان حل الحركة، مقابل إطلاق سراحه.
وعاد بهجلي ليؤكد في مناسبة أخرى على أن “الأتراك والأكراد يحبون بعضهم بعضا، هذا واجب ديني وسياسي في آن على الطرفين”.
وفي مؤشر آخر إلى الحلحلة، سُمح يوم وقوع هجوم حزب العمال المحظور لابن أخ أوجلان بزيارته في سجنه الواقع على جزيرة قبالة إسطنبول لأول مرة منذ “43 شهرا”.
ويقبع أوجلان في الحبس الانفرادي في سجن بإحدى الجزر التركية منذ عام 1999.
ولا يعرف إن كان انفتاح أنقرة على أوجلان سيحقق ما تخطط له. ويمكن أن يرفض الزعيم الكردي التاريخي أن يكون واجهة لحل أزمة تركيا وإنجادها بإطلاق موقف داعم للتهدئة والمفاوضات. كما أنه ليس واضحا ما إذا كان أوجلان نفسه ما يزال يمتلك سلطة القرار على الحزب المحظور وقياداته، وقد ترفض أيّ تدخل منه خاصة أنه ليس ملما بخفايا المبادرة التركية والخطط من ورائها.
كما أن المبادرة إلى حد الآن لا تمثل جهة رسمية تركية، رغم الدعم المعلن من أردوغان، وهي تحتاج إلى موافقة من المؤسسة العسكرية صاحبة القرار على الأرض، ثم الحصول على دعم البرلمان. وتوجد حساسية عسكرية سياسية وشعبية من أيّ تنازلات يمكن أن تقدم للأكراد، ما يجعل حظوظ القبول بالمبادرة محدودة.
ورأى حميد بوزارصلان الخبير في هذه الحركة الكردية، في تصريح سابق لوكالة فرانس برس أن “قسما من السلطة يود فتح حوار مع الحركة الكردية، وخصوصا في ظل فرضية تدهور الوضع الإقليمي وزعزعة إيران”، ما ستكون له “وطأة مؤكدة على العراق وسوريا”.
ورأى أنه بالرغم من السنوات التي أمضاها في السجن “يبقى أوجلان اللاعب المرجعي” الذي يمكنه “التأثير على العملية أو العمليات” التي باشرتها السلطات.
لكن يكتان تركي يلمظ الأستاذ الجامعي في النمسا قال إنه سيكون من الصعب للغاية على أوجلان فرض خطة صادقت عليها الحكومة، مشيرا إلى عدم تجانس الحركة الكردية.
وأضاف أن “أوجلان يجد نفسه اليوم بالتأكيد في أسوأ وضع من مساره السياسي، لأنه لم يكن بحاجة في السابق إلى تعبئة أنصاره أو إقناعهم بحل سياسي سلمي أو بمصالحة” مع السلطات.
وأجرت تركيا محادثات سلام مع أوجلان وحزب العمال الكردستاني منذ عام 2012 لكن هذه العملية وجهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار انهارت في يوليو 2015.