أبرم المغرب وفرنسا عقودا واتفاقات استثمار بقيمة تناهز 10 مليارات يورو في حفل ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون ليل الاثنين بالرباط مع توقيع إعلان مشترك بإرساء "شراكة وطيدة استثنائية"، وذلك تأكيدا لطي صفحة التوتر بين البلدين بعد إعلان فرنسا دعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء المغربية.
وتشمل 22 اتفاقية ومذكرات تفاهم وبروتوكول ميادين عدة، بينها النقل السككي، إذ تأكدت مشاركة الشركتين الفرنسيتين ألستوم وإيجيس في الشطر الثاني للخط الفائق السرعة بين طنجة (شمال) ومراكش (وسط)، فضلا عن قطاعات الطاقة والهيدروجين الأخضر وصناعة الطائرات، والوقاية المدنية والموانئ والماء والتعليم والثقافة والبيئة والاستثمار.
وستفاوض ألتسوم الجانب المغربي على تزويده نحو 12 إلى 18 عربة قطار فائق السرعة، وفق ما أفادت مصادر مطلعة على الملف.
وكانت فرنسا تأمل في أن تبقى الطرف الرئيس في توسيع خط القطارات السريعة، بعدما حظيت بصفقة شطرها الأول بين طنجة والدار البيضاء (شمال غرب)، الأول في أفريقيا، والذي دشّنه قائدا البلدين في 2018.
ويُنتظر أن تسرّع مشاركة المغرب في تنظيم مونديال 2030 لكرة القدم مع إسبانيا والبرتغال في إنجاز هذا المشروع، وفق وسائل إعلام مغربية.
من جانب آخر وقّع البلدان اتفاقا "لتفعيل عرض المغرب في قطاع الهيدروجين الأخضر" بين شركة توتال إنجي والحكومة المغربية. وتراهن الأخيرة على التموقع في السوق الدولية لهذه المادة، وأعلنت الأسبوع الماضي توصلها بـ40 مشروعا ستخضع للانتقاء لاحقا، وجلها في منطقة الصحراء المغربية.
وكذلك، أُعلِن عن اتّفاق بين عملاق الطيران الفرنسي سافران والحكومة المغربيّة لإنشاء "وحدة لصيانة محرّكات الطائرات وإصلاحها"، إذ إنّ المغرب عمل في السنوات الأخيرة على تطوير صناعة أجزاء الطائرات لتنويع صادراته.
وأعلنت شركة الملاحة البحرية الفرنسية "سي ام اي سي جي ام" الاثنين إبرام شراكة لاستغلال رصيف الحاويات في ميناء الناظور (شمال شرق)، مناصفة مع شركة مارسا ماروك المغربية لمدة 25 عاما.
وقُبيل توقيع هذه الاتّفاقيات في قاعة بقصر الضيافة في العاصمة، أجرى قائدا البلدين مباحثات ثنائية لدقائق عدّة، تلاها توقيع إعلان مشترك بإرساء "شراكة وطيدة استثنائية".
ووفق نص الإعلان "قرر قائدا البلدين تدشين مرحلة جديدة من التاريخ الطويل المشترك من خلال الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى مستوى شراكة استثنائية وطيدة".
وأكد الطرفان على "طموحهما المشترك في أن تعكس هذه الشراكة إرادتهما المشتركة في استثمار مكتسبات الشراكة وأوجه تكاملها للدفع بها بشكل لا رجعة فيه نحو مرحلة جديدة".
وشدد الإعلان على "الرغبة في تمكين العلاقات الفرنسية-المغربية من إطار استراتيجي شامل ومستقر ودائم، من خلال شراكة متينة تتطلع إلى المستقبل".
وعبر الجانبان عن رغبتهما في "تمكين المغرب وفرنسا من رفع جميع التحديات التي تواجهها البلدان على شكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي".
ووفق وكالة الأنباء المغربية الرسمية، أكد الجانبان أن مجال تطبيق "الشراكة الاستثنائية الوطيدة" بين المغرب وفرنسا "يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الموقف الفرنسي المعبر عنه بخصوص مستقبل الصحراء (إقليم الصحراء)".
وتابع الإعلان "بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية"، وفق ذات المصدر.
وزاد "يجدد الرئيس الفرنسي، بصفة خاصة، تأكيد التزامه بأن تواصل فرنسا مواكبة جهود المغرب، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة السكان المحليين"، وفق الوكالة المغربية.
ومن جهة أخرى دعا العاهل المغربي والرئيس الفرنسي مساء اليوم الإثنين في الرباط إلى "وقف فوري للهجمات في غزة ولبنان".
وقال بيان للديوان الملكي المغربي إن الرئيس الفرنسي "أشاد بالدور البناء الذي يضطلع به العاهل المغربي، رئيس لجنة القدس، في خدمة السلم في الشرق الأوسط ودعا قائدا البلدين إلى وقف فوري للهجمات في غزة ولبنان، مع تأكيدهما على أولوية حماية السكان المدنيين، وأهمية ضمان وتسيير وصول المساعدات الإنسانية الكافية، مع وضع حد لتأجيج الوضع على المستوى الإقليمي".
كما نبه الزعيمان إلى ضرورة الإسراع "لإعادة إحياء مسلسل السلام في إطار حل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
ووصف مراقبون زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرباط بالهامة خاصة وأنها تأتي بعد تحسن العلاقات بين البلدين، وذلك بعد أن أيدت فرنسا في يوليو الماضي المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت السيادة المغربية، واعتبرت المقترح "الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية".
ويأتي الاعتراف الفرنسي، الذي أغضب الجزائر حليفة بوليساريو، بعد أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا بسبب هذا النزاع.
وجدد ماكرون الثلاثاء في خطاب أمام البرلمان المغربي التأكيد على تأييد بلاده "سيادة المغرب" على إقليم الصحراء المغربية، ووعد باستثمارات فرنسية في الإقليم المتنازع عليه.
وقال ماكرون "أعيد التأكيد أمامكم، في نظر فرنسا حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وسط تصفيق أعضاء غرفتي البرلمان المغربي، مشيرا إلى أن "الفاعلين الاقتصاديين وشركاتنا سوف يرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها".
وتشكّل الصحراء المغربية قضية وطنية رئيسية في المغرب، وهو ما عبر عنه العاهل المغربي بوضوح حين أكد أن قضية الصحراء بمثابة المنظار الذي ينظر به المغرب إلى العالم والمعيار الذي يحدد صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
وأوضح سفير المغرب السابق لدى الأمم المتحدة محمد لوليشكي لوكالة فرانس برس أنّ لفرنسا "دورا تلعبه في التطور المستقبلي للقضية داخل مجلس الأمن".
وأشار الإعلان المشترك بين قائدي البلدين إلى تطوير مجالات التعاون في ميادين عدّة، بينها الدفاع والأمن والهجرة، والطاقات المتجددة والتعليم والثقافة..
وذلك بالإضافة إلى مجال الهجرة، وهو موضوع مهمّ بالنسبة للجانب الفرنسي، إذ يريد وزير الداخلية الجديد الذي يعتمد نهجا صارما بهذا الخصوص، دفع المغرب إلى استعادة مواطنين أوقِفوا لإقامتهم بطريقة غير نظاميّة في فرنسا.
ووصل ماكرون برفقة زوجته بريجيت عصر الاثنين إلى المغرب، حيث استقبله الملك محمد السادس استقبالا رسميا في مطار الرباط سلا.
وصافح العاهل المغربي ماكرون وزوجته عند نزولهما من الطائرة، ويرافقه ولي عهده الأمير مولاي الحسن وشقيقه الأمير مولاي رشيد، قبل عزف نشيدَي البلدين وإطلاق 21 طلقة مدفعية ترحيبا بالرئيس الفرنسي.
واتّجه قائدا البلدين نحو القصر الملكي بالرباط في سيارة مخصصة للمراسم عبرت شوارع رئيسة بالعاصمة، زُيّنت بأعلام المغرب وفرنسا، وتجمّع على جنباتها العديد من المواطنين.
ويشارك في الزيارة ما لا يقل عن تسعة وزراء فرنسيين، فضلا عن رجال أعمال وشخصيات من الأوساط الثقافية الفرنسية المغربية.