سجّلت قبائل حضرموت قفزة كبيرة في حراكها الذي بدأته قبل أشهر من مجرّد الاحتجاج على السياسة الاقتصادية والاجتماعية للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا والمطالبة بتحسين أوضاع السكان باستخدام عوائد الثروة الطبيعية المنتجة محليا، إلى التلويح بخيار الحكم الذاتي.
وتعهّد حلف قبائل حضرموت في بيان بمواصلة التصعيد المستمر منذ أشهر “لتحقيق الحكم الذاتي كامل الصلاحيات والذي تنادي به الجماهير ويحفظ لحضرموت الاستقلالية”.
وتأتي حضرموت الواقعة بشرق اليمن في مقدّمة أكبر محافظات البلاد مساحة وإحدى أغناها بالثروات الطبيعية لاسيما النفط والغاز، وهي منطقة ذات تاريخ وخصوصيات ثقافية، وكانت دائما مركزا اقتصاديا هاما وموطنا لعدد من الأثرياء وكبار رؤوس الأموال.
ومؤخّرا أصبحت المحافظة بموقعها الإستراتيجي المنفتح على بحر العرب والمحيط الهندي مدار صراع على النفوذ داخلها تشارك فيه المملكة العربية السعودية، وتنخرط فيه أيضا جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح الممثل داخل المؤسسات المدنية والعسكرية للشرعية اليمنية، جنبا إلى جنب المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يولي حضرموت أهمية خاصة باعتبراها جزءا لا تنازل عنه من المجال الجغرافي لدولة الجنوب المستقلّة التي يعمل على تأسيسها.
وتجعل مختلف هذه المعطيات من تلويح الحلف بخيار الحكم الذاتي سابقة يمكن لعدواها أن تسري بسهولة في الكثير من المحافظات التي بدأت تظهر ميلا متزايدا نحو المطالبة بقدر من الاستقلالية عن السلطة الشرعية وخصوصا في مجال الموارد والتحكّم فيها وتوجيهها نحو الإنفاق المحلي بدل تحويلها إلى البنك المركزي التابع للسلطة.
وأكد حلف القبائل في بيانه الصادر عقب اجتماع استثنائي لقياداته على التمسك بحقوق ومطالب حضرموت المعلن عنها في بيان مؤتمر حضرموت الجامع في الثالث عشر من يوليو الماضي وهي مطالب مرتبطة بالخدمات والشأن الإداري بالمحافظة.
ومما ورد في بيان الحلف الذي يتزعمه الشيخ القبلي البارز ووكيل أول محافظة حضرموت عمرو بن حبريش “يعلن حلف قبائل حضرموت الاستجابة لصوت الشعب الذي تنادي به الجماهير في تحقيق الحكم الذاتي كامل الصلاحيات الذي يحفظ لحضرموت الاستقلالية في ظل وضع الوطن العام المتدهور ويعدّ تحقيقه حاجة ملحّة وإنقاذا للمجتمع الحضرمي من الوضع المتردي والمنهار”.
كما تضمّن البيان تأكيدا على مواصلة الحلف للضغط والتصعيد المجتمعي حتى تحقيق الحقوق والمطالب الواردة في بيانات سابقة.
وأثارت القفزة في مطالب القبائل انتباه السلطة التي أوفدت المحافظ مبخوت بن ماضي لاستيضاح الأمر من مصدره ولمحاولة وقف مسار التصعيد.
ووصل بن ماضي، الاثنين، إلى مخيم حلف قبائل حضرموت بالهضبة، وذلك لأول مرّة منذ إطلاق الحلف لحراكه الاحتجاجي الكبير.
وتنفذ القبائل المسلحة المنضوية في الحلف منذ مطلع يوليو الماضي احتجاجات شعبية وقبلية واسعة وأغلقت حقول النفط بهدف الضغط على الحكومة لتلبية مطالبها، التي كان من بينها تمكين أبناء المحافظة من التمتّع بموارد محافظتهم بما في ذلك الحصول على الوقود بأسعار رمزية.
وفي هذا السياق رحب الحلف في البيان المذكور بقرار كان المحافظ بن ماضي قد اتّخذه ويتعلّق بتزويد السوق المحلية بمادة الديزل المنتج من شركة بترومسيلة لإنتاج واستكشاف النفط المملوكة للدولة بالسعر المدعوم، واصفا القرار بأنّه “خطوة في الاتجاه الصحيح وتصب في مصلحة المواطن”، ومشددا على ضرورة الاستفادة من فارق السعر بما يخدم المصلحة العامة للمجتمع “ووضع آلية دقيقة لضبط ذلك وتحديد القائمين عليه”.
◄ محافظة حضرموت أصبحت بموقعها الإستراتيجي مدار صراع على النفوذ داخلها تشارك فيه المملكة العربية السعودية، وتنخرط فيه أيضا جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح
وأكد مسؤول رفيع بشركة النفط اليمنية الحكومية في محافظة حضرموت أنه بموجب القرار الذي بدأ سريانه من يوم السبت في مدينة المكلا عاصمة حضرموت يتم تخصيص كمية 350 ألف لتر ديزل للمواطنين من إجمالي كميات ديزل بترومسيلة لتغطية السوق المحلية بشكل يومي وبسعر 800 ريال يمني للتر الواحد، وبواقع 16 ألف ريال (8 دولارات) لصفيحة الديزل سعة 20 لترا. ويبلغ سعره المحدد من شركة النفط الحكومية حاليا حوالي 29000 ريال (نحو 15 دولارا).
وهذا أول قرار تتخذه محافظة يمنية تخصص بموجبه كميات من الوقود للسوق المحلية للمواطنين وبسعر مخفض جدا.
ودعا بيان الحلف إلى “تسخير قيمة كامل المخزون من مادة الديزل المتوفر في خزانات بترومسيلة منذ الحادي والثلاثين من يوليو لصالح إنشاء مستشفى عام بمنطقة العليب في الهضبة”.
كما طالب الحكومة “بدفع قيمة كميات الديزل التي يتم صرفها على الكهرباء في حضرموت بالسعر التجاري وانتظام ذلك نهاية كل شهر كون حضرموت بحاجة ماسة إلى ذلك لسد الكثير من المتطلبات وبسبب الظروف التي تمر بها البلاد”.
وأثار المزج في البيان بين إثارة موضوع خطير وذي طبيعية إستراتيجية متمثّل في الحكم الذاتي، جنبا إلى جنب عناصر مطلبية آنية تعتبر بسيطة إذا ما قورنت بالموضوع المذكور، التساؤلات بشأن مدى جدية حلف قبائل حضرموت في التلويح بخيار الحكم الذاتي لحضرموت.
ورأى البعض في ذلك بالون اختبار وجس نبض متعمّدا لردّة فعل السلطات والقوى المحلية المعنية بصراع النفوذ في المحافظة وكذلك الموقف الإقليمي وخصوصا موقف الرياض من قضية الحكم الذاتي، بينما رأى آخرون في الأمر مؤشّر ارتباك في حراك القبائل وعدم قدرة على تحديد الأهداف بوضوح وضبط الوسائل الكفيلة بتحقيقها.
ووصف الإعلامي الحضرمي أنور التميمي الفقرة الثانية من بيان حلف قبائل حضرموت والتي وردت فيها الإشارة إلى الحكم الذاتي بغير الواضحة معتبرا أنها تتطلب إعادة صياغة لتجنب أي لبس فيها، متسائلا “هل هي إعلان للحكم الذاتي”، فإذا كانت كذلك “فلا معنى لبقية فقرات البيان لأنها تتحدث عن مهام وإجراءات مطلوب من السلطة المحلية القائمة إنجازها، بمعنى أن البيان يتعامل مع السلطة المحلية القائمة المرتبطة بالمركز بأنها سلطة الحاضر والمستقبل”.
وأضاف في تعليق له عبر منصة إكس “بقية الفقرات لا تنسجم مطلقا مع السقف العالي الذي حدّده منظمو اعتصام القبائل في أيامه الأولى”، “وواضح تماما أن العقدة الأساسية للمشكلة كانت قضية الديزل المدعوم، وما إن تمّ التوافق على حلّها حتى حدثت الانفراجة”.
وتخضع محافظة حضرموت مترامية الأطراف والمجاورة للأراضي السعودية لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا ويدعمها تحالف تقوده المملكة كان تدخل في البلاد في مارس 2015 لمحاربة جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والتي تسيطر على معظم شمال البلاد.
ويشكو أبناء حضرموت من تدهور غير مسبوق في الخدمات العامة، خاصة الكهرباء والماء وارتفاع أسعار الوقود.
وتشهد مدن المحافظة منذ أيام احتجاجات غاضبة متواصلة وقطعا للطرق وإحراقا للإطارات تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والإنسانية.
وتنتج حضرموت من حقل المسيلة الذي تديره شركة بترومسيلة نحو 70 ألف برميل من الخام يوميا مخصصة للتصدير إلى الخارج. ويخصص أغلبه في الوقت الراهن للاستهلاك المحلي مع توقف التصدير منذ عامين بسبب هجمات الحوثيين على موانئ التصدير بحضرموت وشبوة. كما تشكل معظم إنتاج اليمن من النفط الخام في الوقت الراهن مع توقف عدد من القطاعات النفطية عن التصدير.
وقطاع النفط والغاز أهم مورد لإيرادات الحكومة في اليمن، إذ يشكل ما نسبته 70 في المئة من دخل البلاد وهو ما يفسّر تمسكّ الشرعية بالمحافظة التي يعتبرها، من جهة مقابلة، المجلس الانتقالي الجنوبي جزءا أساسيا لا تنازل عنه من دولة الجنوب المستقبيلة المستقلة.
ويسيطر المجلس ميدانيا من خلال القوات التابعة له على ساحل حضرموت ومركزه مدينة المكلا، وتضم منطقة نفوذه في المحافظة ميناء الضبة أحد المنافذ الرئيسية لتصدير الخام والذي أدى استهداف جماعة الحوثي له إلى جانب ميناء النشيمة في شبوة إلى توقّف التصدير ما أوقع السلطة الشرعية اليمنية في أزمة اقتصادية ومالية حادّة.
أما القوّات التابعة للشرعية فتسيطر على منطقة الوادي والصحراء الأغنى بالنفط، وهي قوات يعتبرها الانتقالي شمالية محتلّة لحضرموت وتابعة صوريا للشرعية بينما تبعيتها الحقيقية في نظره هي لحزب التجمّع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن