أحدثت واقعة طلاق بين زوجين مصريين جدلا أسريا ودينيا واسعا، بعد أن تبين أنهما أخوان في الرضاعة، رغم إنجابهما ثلاثة أبناء، لكنهما اضطرا إلى فسخ العلاقة الزوجية بناء على رأي دار الإفتاء في البلاد.
عاش محمود وزوجته، حياة سعيدة ومستقرة، ولم تتسلل المشاكل إلى علاقتهما على مدار أربع سنوات أنجبا فيها ثلاثة أبناء، وخلال جلسة سمر مع الأهل والأقارب، مزح خال الزوج (ووالد زوجته) بأنه رضع من أخته أكثر من والدته.
ولأن الزوج والزوجة أقارب، وخال الرجل أفصح عن رضاعته من أخته (والدة الزوج)، تسلل الشك إلى العائلة برمتها، حول المصير الذي يمكن أن تؤول إليه تلك العلاقة الزوجية، وهل تنهار بسبب مزحة أم تستمر مستقرة.
ذهب الزوجان إلى المأذون الشرعي، وكان الرد صاعقا، بأن الزواج حرام شرعا، ويجب التفريق بين الزوجين في أقرب وقت ممكن، طالما أن بينهما رضاعة مشتركة، ما أصاب الأبوين بصدمة، وشككا في صحة كلام المأذون.
الإشكالية ترتبط بوجود صعوبات في توثيق واقعة الرضاعة بين الإخوة المتزوجين، وغالبا ما يتعلق الأمر باعتراف أحد الأقارب
جاء القول الفصل من دار الإفتاء المصرية، والتي صدّقت على كلام المأذون، وحكمت بالتفريق بين الزوجين، وفسخ عقد الزواج، لأن العلاقة بينهما تأسست بطريقة غير شرعية، وإن لم يكونا على دراية مسبقة بذلك.
أثارت الواقعة نقاشا واسعا لغرابة تفاصيلها، وصعوبة تقبل أحداثها ونهاية العلاقة بين الزوجين بتلك الطريقة، رغم أنهما كانا سعيدين، وبينهما أبناء، لمجرد أن والد الزوجة تحدث عن قيامه بالرضاعة من أخته، ليصبح والد الزوجة أخا للزوج.
لم يكن أمام الزوجين سوى الانفصال تنفيذا لحكم دار الإفتاء، كجهة شرعية مختصة بإبداء الرأي الديني في المسائل الشخصية، واستقر الأمر على استمرار نسب الأبناء للأب، مع رعايتهم وتربيتهم من جانب الأم.
اتفق رجال دين، من مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء، في تعقيبهم على تلك الواقعة، بأن عقد الزواج باطل ومن الضروري فسخه طالما وقع الرضاع بين الزوجين، أو أقاربهما من الدرجة الأولى، مؤكدين أن التفريق بين الشريكين في هذه الحالة يعتبر فسخا وليس طلاقا، لأنه ليس بإرادة الزوجين.
ما يلفت الانتباه أن المؤسسات الدينية في مصر تُعلن على فترات متقاربة تلقيها تساؤلات من أزواج، رجال وسيدات، للاستفسار عن مشروعية العلاقة الزوجية بعد أن يكتشف الطرفان، أو أحدهما، أنهما إخوة في الرضاعة.
تشير تلك التساؤلات إلى أن اكتشاف الإخوة في الرضاعة بين الأزواج في مصر لم يعد مجرد حالات فردية، لكن طريقة التعامل مع المشكلة تختلف من أسرة لأخرى، إذ يمكن أن يقرر الشريكان الاستمرار في العلاقة لغرض إنساني ولو بمخالفة الدين.
وهناك حالات قد يستقر فيها الزوجان على الاستمرار معا تحت سقف واحد دون فسخ العقد بشكل رسمي، لكنهما فضلا مصلحة الأسرة والأبناء، ولا يعيشا معا كزوجين، ويتجهان لفسخ العلاقة بشكل ودي من دون أن يعرف أحد.
ترتبط الإشكالية في تلك القضية بوجود صعوبات في توثيق واقعة الرضاعة بين الإخوة المتزوجين، وغالبا ما يتعلق الأمر باعتراف أحد الأقارب، أو المرضعة نفسها، أيّ أن الأمر في مجمله يكون وفق كلام شفهي.
المعضلة في تعاطي المؤسسات الدينية نفسها مع الأمر، فهناك عدم توافق كامل في الرأي بين علماء دار الإفتاء وشيوخ الأزهر، حول مبررات فسخ عقد النكاح بين إخوة الرضاع من الأزواج، وكيفية إثبات حدوث ذلك.
يرى الأزهر أن فسخ العقد تُشترط له خمس رضعات معلومات متيقنات، وإذا حدث ذلك فلا يُبنى عليه تحريم، وإذا توافر شرط الخمس رضعات، بشكل موثق، وجب التفريق بين الزوجين في الحال.
وتكون للأبناء بعد التفريق بين الزوجين جميع الحقوق من ثبوت النسب والتوارث، وإذ كانت الرضعات دون الخمس(أقل) أو ليست مشبعات أو كانت في مجلس واحد، أو بعد العامين الأولين للرضيع، يكون الزواج صحيحا ولا يثبت بذلك تحريم.
وعلى مستوى دار الإفتاء، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وترى أن الشخص الذي رضع من ثدي امرأة لا يحل له الزواج بها أو بابنتها التي رضعت معه من الثدي نفسه، وجميع بنات هذه المرأة يحرمن عليه لأنهن قد صرن أخواته.
ويشير ذلك التناقض إلى أن الأزهر يتعاطى مع مشكلة زواج إخوة الرضاع بقدر من المرونة غير المعهودة عنه لإدراكه صعوبة الموقف وتبعات هدم علاقة أسرية تأسست عن جهل من الشريكين أو خديعة من أحد الأقارب يعلم بالرضاعة، ولم يفصح مسبقا.
ويرى متابعون أن التعويل على رأي الأهل والأقارب في المسائل المرتبطة برضاعة الزوجين من أم واحدة، لا يكفي لهدم العلاقة الزوجية، لأن الأمر قد يكون انتقاما من أحد الشريكين، وإثارة الشك بينهما، أو وجود مصلحة شخصية لفسخ العقد.
جزء من الأزمة أن القضاء الأسري لا يتدخل في المسائل المرتبطة بإنهاء العلاقة الزوجية بين طرفي الأخوة في الرضاعة، باعتبار أن ذلك يخص علماء الدين، كونها مسألة شرعية لا دخل للمحاكم المدنية بها
وجزء من الأزمة أن القضاء الأسري لا يتدخل في المسائل المرتبطة بإنهاء العلاقة الزوجية بين طرفي الأخوة في الرضاعة، باعتبار أن ذلك يخص علماء الدين، كونها مسألة شرعية لا دخل للمحاكم المدنية بها، ما يمنع توثيق الواقعة قبل هدم العلاقة.
قال جمال فرويز استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية في القاهرة إن الأزمة الأكبر على زوجين أخويْن في الرضاعة تنعكس على الأبناء، إذ يجدون أنفسهم فجأة بلا أبوين معا، ولا يستوعبون ماذا حدث، ما يترك أزمات نفسية يصعب تجاوزها.
وأضاف لـ”العرب” أن زواج الأخوة في الرضاعة عن جهل، نتاج الإصرار على زواج الأقارب في البيئات الريفية والقبلية والشعبية، رغم خطورته على الأسرة وكيانها مستقبلا، وتتطلب حالات فسخ العلاقة بين الأخوة توثيق الرضاعة وتسجيلها لتكون مرجعية عند الزواج.
ولفت إلى أن توثيق رضاعة الأم لغير أولادها يجب أن يكون أولوية، لحماية الأسر مستقبلا من الآثار السلبية التي تعصف بها، بهدم علاقات زوجية استمرت لسنوات، أو التفريق بين الأبناء وآبائهم، وكي لا يصبح هدم العلاقات مرهونا باعتراف شخصي من أحد الأقارب بعد فوات الأون.
وأقدمت السعودية على تلك الخطوة من خلال قيام وزارة العدل العام الماضي بفتح الباب لتوثيق الحالات الخاصة بالرضاعة، ممن قاموا بالرضاعة من غير أمهاتهم أو النساء اللاتي قمن بإرضاع غير أبنائهن وبناتهن للحفاظ على الأنساب، وكي لا يكون هناك تداخل أو زواج للأخ من أخته بالرضاعة.
وإذا كانت الرضاعة بالقرابة انحسرت بشكل كبير لاختلاف طباع الأسر وانغلاق كل عائلة على نفسها وتراجع الرضاعة الطبيعية، لكن هناك بيئات تقدس الترابط العائلي وتتعامل فيها الأمهات بالفطرة، بإرضاع أطفال الأقارب في حالات مرض الأم أو انشغالها، بما يؤسس لاستمرار الأزمة ولو على نطاق ضيق.
وبعيدا عن معدلات التفريق بين أزواج أخوة في الرضاعة داخل المجتمع المصري، قليلة أم كثيرة، فالواقعة الأخيرة التي أثارت الجدل دفعت بعض الأصوات إلى إلزام المأذون الشرعي بعدم تزويج شخصين قبل التحري عن وجود رضاعة مشتركة أم لا، ليكون ذلك حصانة مستقبلية ضد هدم العلاقة لمجرد اكتشاف أخوّة لم تُثبت، أو تٌكتشف قبل عقد الزواج.