عاد اليمن ليسجّل تفشّي أمراض وأوبئة بين أعداد متزايدة من سكانه يفترض أنّه تم التغلب عليها والاقتراب من إنهاء وجودها بشكل كامل في البلد منذ سنوات.
ويأتي تسجيل أمراض شديدة الخطورة مثل الكوليرا وشلل الأطفال في ظلّ أوضاع اقتصادية ومالية واجتماعية معقّدة امتدت تأثيراتها إلى القطاع الصحّي وحدّت من قدرته على مواجهتها ومنع انتشارها على نطاق واسع والتقليل من ضحاياها.
ولا تقتصر متاعب القطاع الصحي في اليمن على قلة الوسائل المتاحة له محليا، لكنّها تشمل أيضا تناقص المساعدات الدولية المقدمة له والتي لعبت على مدى سنوات الحرب دورا حاسما في الحفاظ على تقديم مستوى مقبول من الخدمات الوقائية والعلاجية للسكان.
◄ يمكن تعزيز آليات الاستجابة للتفشيّ والترصد وإحراز تقدم كبير نحو القضاء على انتشار الفيروس المتحور من خلال سد فجوة التحصين ومكافحة الزيادة في حالات شلل الأطفال
ويرجع التناقص بشأن أساسي إلى شحّ التمويل الخارجي وتراجع الهبات المقدمة من عدّة أطراف، وكذلك إلى تعقيدات ومشاكل تواجهها منظمات أممية ودولية بسبب اعتداءات جماعة الحوثي على موظفيها وطواقمها وصولا إلى اعتقالهم واتهامهم بالتجسّس لمصلحة جهات معادية للجماعة.
وحذَّرت منظمتان أمميّتان من أن اليمن لا يزال يواجه تفشي فيروس شلل الأطفال المتحور، حيث تم الإبلاغ عن 273 حالة على مدى السنوات الثلاث الماضية في ظل انخفاض معدلات التحصين.
وذكرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف أنّ البيانات تظهر أن شلل الأطفال لا يزال يهدد حياة كثير من الأطفال في اليمن، حيث إنه قد يسبب الوفاة أو شللا دائما لا علاج له، لكن الوقاية منه ممكنة بالتطعيم، ونبهتا إلى أن ذلك يأتي في وقت يواجه فيه أطفال اليمن تفشي أمراض أخرى مثل الكوليرا والدفتيريا وسوء التغذية.
وكانت السلطات الصحية اليمنية قد أعلنت قبل أيام ارتفاع وفيات وباء الكوليرا بمحافظة تعز إلى 43 حالة منذ مطلع العام الجاري.
وذكر تيسير السامعي مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بمحافظة تعز لوكالة الأنباء الألمانية أنّ عدد حالات الإصابة بالكوليرا في هذه المحافظة الأكثر سكانا باليمن ارتفع إلى 6 آلاف و682 خلال الفترة ذاتها، بينها 781 حالة مؤكدة بالفحص المخبري.
ولا تشمل الكثير من الإحصاءات المتعلّقة بتفشي الأوبئة في اليمن مناطق سيطرة الحوثي التي يعاني السكان فيها أوضاعا صحية لا تقل تعقيدا عن مثيلتها في المناطق التابعة لسلطة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وتهدم عودة الأوبئة إلى اليمن جهودا بذلتها الدولة في مواجهتها خلال سنوات الاستقرار النسبي التي انتهت تقريبا مع بداية العشرية الماضية، وحلّت محلّها الاضطرابات والحروب التي ما تزال متواصلة إلى الآن ملقية بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكّان، ومتسببة في تراجع مهول لكمّ ومستوى الخدمات العامة المقدمة لهم من صحّة وتعليم وغيرها.
ولفتت المنظمتان إلى أنّ البلد ظل خاليا من شلل الأطفال حتى عام 2020 حيث انخفضت معدلات التحصين الوطنية ضده من 58 في المائة في عام 2022 إلى 46 في المائة في عام 2023 بسبب هشاشة النظام الصحي والأزمة الاجتماعية والسياسية والأمنية.
وذكر أرتورو بيسيغان ممثل ورئيس بعثة منظمة الصحة العالمية في اليمن، أن تفشي فيروس شلل الأطفال المتحور من النمط الثاني في اليمن لا يزال مستمرا وسط ازدياد حالات الطوارئ الصحية الأخرى مما يزيد من إجهاد النظام الصحي المنهك أساسا.
ونبه المسؤول الأممي إلى أنه يمكن تعزيز آليات الاستجابة للتفشيّ والترصد وإحراز تقدم كبير نحو القضاء على انتشار الفيروس المتحور من خلال سد فجوة التحصين ومكافحة الزيادة في حالات شلل الأطفال، حيث تتعاون منظمة الصحة العالمية واليونيسيف مع وزارة الصحة والشركاء الآخرين للوصول إلى الأطفال والمجتمعات المحرومة.
ويقول بيتر هوكينز ممثل اليونيسيف في اليمن إن المعركة ضد شلل الأطفال صعبة في سياق هش ومتأثر بالنزاع، مؤكّدا الحاجة إلى توحيد الجهود مع السلطات المحلية والعاملين الصحيين وقادة المجتمعات المحلية والشركاء الآخرين لضمان تطعيم كل طفل ضد الشلل وغيره من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
ويعقّد من خوض المعركة التي ذكرها المسؤول الأممي شحّ التمويل الناتج عن تناقص اهتمام المانحين بالأزمة الصحية والإنسانية في اليمن والذي لخصّه فشل مؤتمر انعقد قبل أشهر في بروكسل في جمع المبلغ المطلوب للاستجابة لتك الأزمة واكتفائه بالحصول على وعود بربع المبلغ المقدّر من قبل الأمم المتّحدة بـ2.7 مليار دولار.