أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن إطلاق عمليات “الرد المشروع” على القوات التركية في سوريا التي استهدفتها بضربات مكثفة خلال الأيام الأخيرة بعد تعرض قاعدة قرب أنقرة لهجوم، نفت “قسد” علاقتها به وأكدت أنه يضرب الوساطة القائمة بين الطرفين لإجراء حوار سياسي وعسكري.
ويشير القصف التركي المكثف عقب هجوم إرهابي تبناه حزب العمال الكردستاني على مقر شركة صناعات الطيران والدفاع التركية (توساش) الأربعاء الماضي، إلى رغبة أنقرة في شل “قسد” وإضعاف قدراتها، فيما تقول مصادر مطلعة أنها ترغب في إقامة مناطق عازلة على الحدود السورية وإبعاد القوات الكردية عنها.
ومنذ هجوم الأربعاء، نفذت أنقرة سلسلة من الغارات الجوية في سوريا والعراق، وعلى إثرها ردت “قسد” باستهداف القوات التركية الأحد، واعتبرت عملياتها في إطار “الرد على الاعتداءات المستمرة” من قبل تركيا، وأنها “نفذت عمليات فعالة، وأوقعت خسائر بشرية كبيرة وأضرارًا في المعدات”. ونشرت تسجيلًا مصورًا لما قالت إنه عمليات “الرد المشروع” على تركيا.
وأكدت أن قواتها تمتلك “الحق المشروع” في الرد، بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني الذي يحكم الحروب والصراعات، ويهدف الرد إلى حماية أرواح وممتلكات الشعب والحفاظ على أمنه واستقراره.
ونفى قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، مظلوم عبدي أن يكون منفذو هجوم قرب أنقرة، دخلوا من الأراضي السورية كما تقول تركيا التي شنّت غارات أدّت إلى مقتل 17 شخصا في مناطق الإدارة الذاتية.
وبحسب عبدي، أدّت الغارات التركية على شمال سوريا إلى “مقتل 17 شخصا، منهم اثنان فقط من العسكريين، بينما البقية كانوا من المدنيين”.
ورأى عبدي أن الهدف من الهجوم “ليس مجرد الرد على الأحداث التي وقعت في أنقرة، بل هناك أهداف أخرى تتعلق باستهداف المؤسسات ومصادر المعيشة للسكان”، مضيفا أن “الهدف الأساسي هو إضعاف الإدارة الذاتية والقضاء عليها، مما يجبر السكان على الهجرة”.
وأضاف أن “الدولة التركية تستفيد من الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، حيث تتجه الأنظار نحو غزة ولبنان والهجوم الإسرائيلي على إيران”، مشيرا إلى أنها تستغل هذه الأحداث “لتحقيق ما عجزت عنه في السابق، ولذلك تستمر في هجماتها”.
واعتبر أن الغارات التركية من شأنها التأثير “سلبا على إجراء حوار مع تركيا” في خضّم “وساطة قائمة بيننا وبين الأتراك لإجراء حوار سياسي وعسكري”.
ودفعت القوات التركية بتعزيزات عسكرية إلى قواعدها في شمال محافظة الرقة، شمال سوريا، في ظل استمرار ضرباتها الجوية لمواقع قسد والبنى التحتية ومنشآت الطاقة والصحة، والخدمات التابعة لها.
وأدخلت القوات التركية رتلاً يتألف من أكثر من 57 شاحنة محملة بالأسلحة والمواد اللوجستية، وناقلات جنود وسيارات إسعاف، على 3 دفعات، منذ بعد منتصف ليل الجمعة وحتى صباح السبت، من معبرَين في رأس العين وتل أبيض، وجرى توزيعها على نقاطها إلى جانب نقاطها في بلدة سلوك شمال الرقة.
وتشنّ تركيا أساسا بين حين وآخر ضربات بطائرات مسيّرة تستهدف مناطق سيطرة “قسد” المدعومة أميركيا والتي خاضت معارك شرسة ضد تنظيم الدولة الإسلامية انتهت بدحره من آخر مناطق سيطرته عام 2019، غير أن الأيام الأخيرة شهدت هجمات مكثفة.
وقال في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس السبت، “بعد الادعاءات التركية قمنا بفتح تحقيق داخلي، ويمكنني التأكيد أن لا أحد من المهاجمين دخل من الأراضي السورية إلى تركيا”.
وأضاف عبدي “ليست لدى الدولة التركية أي أدلة تدعم هذا الادعاء، ولا توجد لنا أي علاقة بهذا الهجوم الذي وقع في أنقرة”. وأكّد “قرارنا (…) هو عدم تنفيذ عمليات وهجمات داخل الأراضي التركية. لم نقم بأي عمليات هناك، ولن نفعل، وميادين قتالنا هي الأراضي السورية”. وأعلن حزب العمال الكردستاني الجمعة مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف الأربعاء مقر الشركة التركية لصناعات الفضاء قرب أنقرة وأودى بخمسة أشخاص.
وفور وقوع الهجوم الذي أسفر عن خمسة قتلى و22 جريحا، اتهمت السلطات التركية حزب العمال الكردستاني بتنفيذه. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الوحدة التي نفذت الهجوم قدمت من سوريا المجاورة. وتصنّف أنقرة الوحدات الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، منظمة “إرهابية” وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها على أراضيها منذ عقود.
أنقرة ترغب من خلال القصف في إقامة مناطق عازلة على الحدود السورية وإبعاد القوات الكردية عنها
ولا تزال خلايا من التنظيم المتطرف تنشط في البادية السورية المترامية الأطراف، منفذة هجمات ضد قوات النظام والقوات الكردية. ومنذ العام 2016، شنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا استهدفت بشكل رئيسي المقاتلين الأكراد الذين لطالما أعلنت سعيها إلى إبعادهم عن المنطقة الحدودية.
وتتولّى الإدارة الذاتية الكردية إدارة المناطق التي تسيطر عليها في شمال وشمال شرق سوريا، عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية. ورأى عبدي أن “مواقف التحالف الدولي تبدو ضعيفة” إزاء الهجمات التركية “على الرغم من الاجتماعات المستمرة معهم”.
واعتبر أن موقف التحالف “ليس بالمستوى المطلوب لوقف الهجمات، ويجب الضغط على تركيا على أعلى المستويات لإيقاف هذه العمليات، لأن هذه الهجمات لا تتعلق بنا فقط، بل تمس قواتهم أيضا”.
وفيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أعرب عبدي عن أمله في “أن يستمر أي طرف يفوز في الانتخابات في التعاون” على صعيد مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وأشار إلى أنه “في عام 2019، كانت لدينا تجربة غير موفقة مع إدارة الرئيس الأميركي (دونالد) ترامب” الذي أعلن عزمه على سحب قوات أميركية من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.
واعتبر عبدي أن “حدوث انسحاب أميركي من مناطقنا سيكون له تأثير سلبي على وضعنا”. لكنه أكد “نحن واثقون بأن الولايات المتحدة (…) تتخذ قراراتها بناء” على مصالحها الإستراتيجية. وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا متشعّب الأطراف تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح الملايين من السكان وتشريدهم.