بدأ الاتحاد الوطني ثاني أكبر أحزاب كردستان العراق بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بإصدار إشارات سلبية بشأن إمكانية لجوئه إلى تعطيل تشكيل حكومة جديدة للإقليم في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخّرا في الإقليم وأفرزت الحزب الديمقراطي فائزا فيها.
ويقوم تكتيك الاتحاد على الرفع من سقف مطالبه بشأن حصته من المناصب بشكل تعجيزي يقفز على نتيجة الانتخابات ويعتمد على المساومة بملفات جانبية مثل ملف الرواتب وطريقة إيصالها إلى أصحابها، مع الاعتماد على تحالف قيادته مع قادة الأحزاب والفصائل الشيعية الحليفة لإيران والمتحكّمة بشكل رئيسي في زمام السلطة الاتحادية في العراق.
ويريد الاتحاد الوطني فرض تجسيد شعاره المتمثل في تغيير مسار الحكم الذي جعل منه ركيزة حملته الانتخابية، بالضغوط والمساومات بعد أن كان يأمل في تمريره عبر صناديق الاقتراع ولم يتمكّن من ذلك.
وسيكون لجوء الاتحاد إلى تعطيل تشكيل حكومة جديدة للإقليم وإطالة أمد الفراغ في السلطة بمثابة لعب على حافّة الهاوية نظرا لما ينطوي عليه هذا الخيار من مقامرة باستقرار الإقليم ووحدته في ظرف إقليمي وعراقي متوتّر، وفي ظل ظروف اقتصادية ومالية معقّدة يواجهها الإقليم بسبب ضغوط أحزاب السلطة العراقية عليه باستخدام حصّته من موازنة الدولة الاتّحادية ورواتب موظّفيه.
وبات الاتحاد الوطني يجاهر بالمطالبة بحصة أكبر وأهم في السلطة التي تدير تجربة الحكم الذاتي في كردستان، وذلك حتى يتساوى مع الحزب الديمقراطي الذي أثبت مجدّدا تفوّقه عليه من خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وقال مهند عقراوي القيادي في الاتّحاد إنّ الأخير مصرّ على المطالبة برئاسة إقليم كردستان وعدد من الوزارات السيادية، وذلك “تنفيذا لوعوده الانتخابية التي قطعها على ناخبيه”.
ويشغل منصب الرئيس حاليا القيادي في الحزب الديمقراطي نيجيرفان بارزاني فيما يشغل مسرور بارزاني منصب رئيس الحكومة.
وبينما تمكنت حكومة مسرور من مغالبة الصعوبات المالية والاقتصادية الكبيرة التي واجهتها جرّاء ضغوط الحكومة الاتحادية وشح الموارد بسبب توقّف تصدير النفط المنتج في الإقليم، وضمنت قدرا من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأنجزت عددا هاما من مشاريع التنمية، وُصفت رئاسة نيجيرفان للإقليم بالناجحة وخصوصا لجهة توفّقه في إدارة الخلافات مع بغداد، والحفاظ على جسور التواصل مع إيران رغم موقفها السلبي من الإقليم وخصوصا من الحزب الديمقراطي، وبناء علاقة تعاونية مع تركيا تجاوزت مخلفات الاستفتاء على استقلال الإقليم وما مارسته أنقرة من ضغوط عليه لإحباط مسار الاستقلال المنشود.
وجاءت نتائج انتخابات برلمان الإقليم عاكسة لمنسوب الثقة في الحزب الديقراطي بسبب اعتداله وواقعيته، في مقابل إغراق غريمه الاتّحاد في الشعارات المبالَغ في طموحها حدّ الطوباوية.
وخاض الاتحاد حملته الانتخابية على أساس تغيير مسار الحكم الذي أظهر الخطاب السياسي لقياداته أنّه يتلخّص في إزاحة الحزب الديقراطي من مركزه القيادي في سلطة الإقليم والحلول محلّه، دون برامج حقيقية واضحة لتغيير واقع السكان وتحسين أوضاعهم.
ونقلت وسائل إعلام محلّية عن عقراوي قوله إنّ “الاتحاد الوطني خاض هذه الانتخابات باسم تغيير نوع الحكم في الإقليم خصوصا في المناصب التنفيذية”، مضيفا “في السابق كان الاتحاد يحصل على منصب رئيس البرلمان، لكنه الآن لن يرضى بتكرار هذه المعادلة”.
كما أكّد أن “الاتحاد لن يقبل بأقل من منصب رئاسة إقليم كردستان مع وزارات سيادية في الحكومة”، مشدّدا على “أن لا تبقى هذه الوزارات حكرا على الديمقراطي الكردستاني”، ومتعهّدا بعدم التراجع عن وعد تغيير نظام الحكم في الإقليم.
وتدرك قيادات الاتّحاد الوطني الكردستاني وجود حاجة لمشاركة حزبها في تشكيل الحكومة لضمان سلاسة ممارستها لمهامها في مختلف مناطق الإقليم بما في ذلك تلك التي تعتبر مجال نفوذ للاتّحاد، وتبدو متجّهة لاستخدام هذه الورقة لتحصيل مطالبها.
وعبّر عقراوي بوضوح عن هذا التوجّه قائلا “من دون الاتحاد الوطني لن تشكل أي حكومة في كردستان، لذلك سيضطر الديمقراطي الكردستاني إلى القبول بما يطرحه الاتحاد الوطني بشأن أن يكون أحد المناصب التنفيذية من حصته”، معتبرا أنّ على “الحزب الديمقراطي أن يتقبل هذا الأمر لأنه لا يمتلك الأغلبية المطلقة، ولم تتم الأغلبية إلا بتحالف أحزاب لديها مقاعد كثيرة في برلمان كردستان، وأمامه فقط الاتحاد الوطني والجيل الجديد”.
ومن مجموع المقاعد المئة لبرلمان الإقليم حصل الحزب الديمقراطي على تسعة وثلاثين مقعدا وحصل الاتحاد على ثلاثة وعشرين، وحراك الجيل الجديد على خمسة عشر.
ويؤشّر كلام القيادي في الاتحاد الوطني على صعوبة وتعقيد مهمّة تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان العراق بما يجعل العملية تأخذ وقتا لا تسمح به الظروف المحلية والمحيطة.
تتمثّل المحاذير التي يثيرها المهتمون بشؤون إقليم كردستان بشأن تشكيل تلك الحكومة في أنّ القوى العراقية الحليفة لإيران والتي كانت تأمل في انقلاب التوازنات السياسية في الإقليم لمصلحة حليفها الاتحاد الوطني من خلال الانتخابات، قد تعمد بعد فشل رهانها إلى تعقيد تشكيل الحكومة منعا للحزب الديمقراطي من الاستقرار مجدّدا في الحكم.
ومنحت نتائج الانتخابات الحزب الديمقراطي إمكانية التحالف مع قوى أخرى حاصلة على مقاعد برلمانية غير الاتحاد الوطني، لكنّ المؤكّد أن قيادات حزب بارزاني لا ترغب بفعل ما هو معروف عنها من براغماتية وحنكة سياسية وتمرّس بشؤون الحكم، في إحالة الاتّحاد على المعارضة لما سيطرحه ذلك من صعوبات وعراقيل أمام عمل الحكومة الجديدة.
فلن تستطيع حكومة لا يشارك فيها الاتّحاد الوطني بسط سلطاتها وممارسة مهامها في جميع مناطق الإقليم وتحديدا على السليمانية وحلبجة حيث يتركّز نفوذ الاتحاد الذي يسيطر على المؤسسات هناك ويمتلك قواته الخاصّة به من بيشمركة وأسايش.
والتزمت قيادات الحزب الديمقراطي، الذي يقوده السياسي الكردي المخضرم مسعود بارزاني، بعد ظهور النتائج الأولية بترويج خطاب معتدل وأظهرت انفتاحا على الشراكة والتعاون مع مختلف القوى السياسية في الإقليم لتشكيل حكومة جديدة، بينما حافظت قيادات الاتحاد على علو نبرة خطابها وواصلت الترويج لفوزها في الانتخابات رغم أنّ الأرقام تظهر عكس ذلك.
قيادة الديمقراطي الكردستاني بفعل خبرتها بشؤون الحكم لا ترغب في إحالة الاتحاد الوطني إلى المعارضة
وقال الحزب الديمقراطي على لسان مسؤول مكتبه التنظيمي في السليمانية وحلبجة علي حسين إنّه لا يرفع الفيتو في وجه أي حزب آخر، وإنّه لن يتردّد في ضمّ أي كيان سياسي مستعد لتنفيذ برنامج الحكومة الجديدة إلى تشكيلتها.وتعلم قيادة الاتحاد مقدار تفوّق الحزب الديمقراطي تنظيميا وجماهيريا لكنّها تعوّل في تحقيق طموحاتها على تحالفها مع الأحزاب والفصائل الشيعية الحليفة لإيران والحاكمة في الدولة الاتّحادية العراقية والتي وقفت بقوّة وراء حليفها الاتّحاد الوطني.
وكانت تلك القوى النافذة في مؤسسات الدولة العراقية، بما فيها مؤسسة القضاء، قد سهّلت تعديل قانون انتخابات برلمان الإقليم وطريقة إجرائها بتغيير عدد دوائرها وإسناد الإشراف عليها إلى مفوضية الانتخابات الاتحادية بدلا من نظيرتها المحلية، وتقليص عدد مقاعد الكوتا في البرلمان، وجميعها تغييرات كانت مطلوبة من الاتحاد الوطني أملا في تغيير مسار الانتخابات لمصلحته.
ولهذه الأسباب لم يحمل ظهور نتائج الانتخابات خيبة أمل للاتّحاد فقط وإنما أيضا لحلفائه العراقيين وحتّى لإيران التي كانت تأمل في أن تمدّ من خلاله نفوذها إلى كامل إقليم كردستان العراق وليس فقط إلى مناطق سيطرته المحاذية لأراضيها.
ويكتسي الحفاظ على استقرار إقليم كردستان العراق ووحدته أهمية لدى العديد من الأطراف الدولية التي ترى في سلطاته شريكا مناسبا لها. وتشعر تلك الأطراف بدقة المرحلة التي دخلها الإقليم بعد الانتخابات، وتحثّ فرقاءه السياسيين على التعجيل بتشكيل حكومته الجديدة حفاظا على تماسك تجربة الحكم الذاتي هناك.