جاءت سياسة ضبط النفس التي مارستها إسرائيل إزاء التسريبات الأميركية التي قدمت معلومات بشأن الأسلحة التي ستستخدمها في الرد على الهجوم الإيراني والمواقع التي ستستهدفها، ما مكن على الأرجح طهران من ترتيب أوضاعها لتخفيف الخسائر قدر الإمكان، بنتائج إيجابية؛ فقد بعثت تصريحات المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي برسائل مفادها أن إيران لن ترد.
ولم تغير إسرائيل خطتها عقب نشر التسريبات التي أثارت جدلا كبيرا في الولايات المتحدة قبل يومين من الهجوم الذي نفذه الجيش الإسرئيلي فجر السبت على منشآت عسكرية إيرانية.
ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون، بمن في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن الضربة الإسرائيلية ألحقت بإيران أضرارا، لكن محللين يرجحون أن تكون الضربات الإسرائيلية قد أصابت قواعد خالية من العتاد والأسلحة المهمة خاصة أن عدد القتلى لم يكن كبيرا، ما يرجح أن تكون إيران قد أخلت القواعد قبل تنفيذ العملية.
الإعلام الداعم لحكومة بزشكيان، بالإضافة إلى التحالف الإصلاحي، يدعوان إلى اعتماد الدبلوماسية لتخفيف التوترات
وقالت إيران إن الضربات في محيط طهران وفي إقليمي خوزستان وإيلام أسفرت عن مقتل أربعة جنود وتسببت في وقوع “أضرار محدودة” لأنظمة الرادار.
وقال سكوت ريتر ضابط المخابرات السابق في مشاة البحرية الأميركية، ضمن مقال نشره في موقع كونسورتيوم نيوز قبل تنفيذ الضربة الإسرائيلية، إن “من سرب الوثائق قدم كرة بلورية تُظهر ما يمكن أن يكون. إنها وظيفة الشعب الأميركي للتأكد من عدم حدوث ذلك أبدًا”.
وأعلن المرشد الأعلى الإيراني أن الهجوم الإسرائيلي “لا ينبغي المبالغة فيه ولا التقليل من شأنه”، دون أن يدعو إلى رد انتقامي.
وتعد تصريحات آية الله علي خامنئي أحدث مؤشّر على أن إيران درست بعناية ردها على الهجوم. وبالفعل ذكر الجيش الإيراني أن وقفا لإطلاق النار في قطاع غزة أو لبنان له الأولوية على أي هجوم انتقامي على إسرائيل، على الرغم من أن مسؤولين إيرانيين ذكروا أيضا أنهم يحتفظون بحق الرد.
وتعكس سرعة رد خامنئي الذي جاء بعد يوم من الهجوم الإسرائيلي، فضلا عن عدم الدعوة إلى الرد بشكل واضح، أن إيران لا تخطط للانتقام، وهو بالتأكيد ما كانت ستفعله لو أنها تفاجأت بالهجوم ولم تستفد من التسريبات التي أثار انتشارها مخاوف من رد إيراني عنيف قد يشعل حربا أوسع نطاقا.
وذكرت الوثائق الاستخباراتية المسربة أن إسرائيل تعد حوالي 40 صاروخا باليستيا من طراز روكس تطلق من الجو لضربة محتملة ضد إيران، إلى جانب 16 صاروخ “غولدن هورايزون” (الأفق الذهبي)، المعروف علنا باسم صاروخ “العصفور الأزرق”، وهو تعديل لصاروخ مستهدف طورته إسرائيل لتقليد الصاروخ الباليستي الإيراني شهاب 3.
وأضاف خامنئي أن “الأفعال الشريرة، التي ارتكبها النظام الإسرائيلي قبل ليلتين، لا يتعين المبالغة فيها ولا التقليل من شأنها. يجب عرقلة الحسابات الخاطئة للنظام الإسرائيلي. ومن المهم جعلهم (الإسرائيليين) يدركون قوة وإرادة ومبادرة الأمة الإيرانية وشبابها”.
وتابع “الأمر يعود إلى السلطات لتحديد كيفية إيصال قوة وإرادة الشعب الإيراني إلى النظام الإسرائيلي واتخاذ إجراءات تخدم مصالح تلك الأمة والبلاد”.
ولم تختلف تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن موقف خامنئي؛ فقد قال الأحد إن الجمهورية الإسلامية “لا تسعى إلى الحرب”، لكنه تعهد بـ”رد مناسب” على الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية.
وقال بزشكيان خلال اجتماع للحكومة “نحن لا نسعى إلى الحرب ولكننا سندافع عن حقوق شعبنا وبلادنا”، مضيفا “سنقوم برد مناسب على عدوان النظام الصهيوني”.
وقال المحلل السياسي حميد رضا عزيزي في منشور على موقع إكس “قد تكون إيران، أقله حاليا، مترددة في الرد بشكل مباشر وتصعيد حدة التوتر”.
وأكد فياض زاهد، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران، أن “كبار المسؤولين الإيرانيين لا يريدون ببساطة تأجيج حدة التوتر”.
ودعت وسائل الإعلام الإصلاحية الداعمة لحكومة بزشكيان إلى اعتماد الدبلوماسية لتخفيف التوترات الإقليمية، في حين حث التحالف الإصلاحي الرئيسي السلطات على “تقليل التوترات ومنع نشوب حرب إقليمية شاملة”.
وقبل الضربات التي شنت السبت حذرت إيران من أن أي هجوم على “بنيتها التحتية” سيؤدي إلى “رد أقوى”، وشدد الجنرال في الحرس الثوري رسول سنيراد على أن المنشآت النووية ومواقع الطاقة خط أحمر.
وكثفت إيران جهودها الدبلوماسية قبل الهجوم، ومنها أساسا زيارات وزير الخارجية عباس عراقجي إلى دول إقليمية سعيا لاحتواء النزاع.
وقال زاهد “نقل عراقجي إرادة إيران الجادة إلى الحكومات العربية… بأن إيران ستهاجم إسرائيل بالمزيد من الصواريخ (إذا هاجمت إسرائيل بنيتها التحتية)”.
وقال عزيزي “سنرى ما إذا كانت هذه الجولة في النزاع انتهت الآن أم ستواصل إسرائيل العمليات العسكرية المباشرة أو غير المباشرة في الأيام والأسابيع المقبلة”.