حظي اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية بشهادة اعتماد رسمية بعد أن حضر الرئيس عبدالفتاح السيسي حفلا جماهيريا نظمه الاتحاد مساء السبت، عقب أشهر من الجدل حول دوافع تأسيسه وتصاعد المخاوف من حدوث انشقاقات مجتمعية، ما يعني أن تواجده الشرعي يحظى برضاء أجهزة الدولة ويعمل تحت بصرها.
وليس مألوفا أن تنظم جمعيات أهلية أو منظمات مجتمع مدني حفلات جماهيرية كبيرة يحضرها عشرات الآلاف من المواطنين تزامنا مع ذكرى الانتصارات التي حققها الجيش المصري في شهر أكتوبر قبل 51 عاما، ودائما تقتصر على مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، وهو ما يشي بأن الاتحاد يحظى بمكانة مرموقة لدى السلطة المصرية التي تتعامل معه كظهير شعبي يمكن التعويل عليه في خضم التحديات الراهنة.
الاتحاد يتركز دوره حاليا على الجوانب المجتمعية وليس السياسية التي تتطلب التحول إلى حزب، وهو أمر لم تتم مناقشته حتى الآن
ويظهر اتحاد القبائل العربية الذي جرى إدخال تعديل على مسماه ليصبح “اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية”، بما يضمن عدم إقصاء أي أحد من الانضمام إليه، في ظل حالة من الضعف السياسي في جسم الأحزاب المدنية على مختلف توجهاتها وعدم قدرة حزب مستقبل وطن القيام بدور يسهم في خلق ظهير حقيقي للسلطة، لذلك فإن الاعتماد على المكونات القبلية وكبار العائلات يسد فجوة كبيرة.
ويصعب الفصل بين موعد تنظيم الحفل، الذي حشد له الاتحاد من المحافظات المصرية المختلفة بمشاركة عدد كبير من الأحزاب القريبة من السلطة، وبين حالة التململ الداخلي جراء قرارات زيادة أسعار المحروقات أخيرا. وبدا أن هناك رسالة سياسية مفادها أن الكتلة الصامتة، التي تشكل ظهيرا لنظام الحكم في مصر منذ عام 2014، تدعم التوجهات الحالية ومقتنعة بوجوب المضي قُدما في مسار الإصلاح الاقتصادي.
وقبل ساعات من انعقاد الكرنفال الذي شارك فيه عدد من أبرز نجوم الفن والغناء في مصر، واحتوى على فقرات تتضمن أدوار قبائل سيناء في حرب أكتوبر، أعلن رئيس الاتحاد إبراهيم العرجاني تعيين وزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار أمينا عاما للاتحاد، ووزير الزراعة السابق السيد القصير أمينا عاما مساعدا، في خطوة تؤكد أن القرارات داخل الاتحاد لا تتعارض مع توجهات الحكومة وأن العلاقة تشاركية.
ويشير تعيين وزيرين سابقين لدى هيئة اتحاد القبائل إلى أن دوره ذو صبغة سياسية، لكن دون أن يحل محل الأحزاب السياسية التي ينص الدستور على أنها تشكل بنية للنظام السياسي الذي يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، وأن جهوده في الفترة المقبلة ستهدف إلى خلق ظهير شعبي يدعم خطط التنمية والتخفيف من التأثيرات السياسية للقرارات الاقتصادية الصعبة.
وقال رئيس اتحاد القبائل إبراهيم العرجاني في تصريحات على هامش الحفل “إن الاتحاد أنشئ لجمع كافة القبائل العربية في مصر داخل كيان واحد يقف خلف القيادة السياسية ويصطف خلف الجيش ويدعم ما تتخذه القيادة والقوات المسلحة من قرارات لحماية الأمن القومي المصري والعربي، ويسعى ليكون رقما مهما على الساحة الوطنية، دون أن يكون بديلا للأحزاب السياسية الحالية”.
وذكر رئيس حزب الجيل الديمقراطي (قريب من الحكومة) ناجي الشهابي أن حضور الرئيس السيسي احتفالا شعبيا نظمه اتحاد القبائل شهادة رسمية من الدولة على أنها تدعم وجوده كأحد مكونات مؤسساتها، ويعد تدشينه دعما لدوره الاجتماعي والتنموي في مناطق مختلفة، بعد لغط دار حول إمكانية انطلاق فعالياته أو التراجع عن الفكرة عقب انتقادات صاحبت الإعلان عنه قبل خمسة أشهر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “وجود وزراء سابقين ضمن هيكله الرئاسي يبرهن على أنه يحظى بأهمية كبيرة لدى الدولة ومؤسساتها، ويُنتظر منه القيام بأدوار تتكامل مع التحالف التنموي للعمل الأهلي الذي يلعب دورا في تحسين الأوضاع المعيشية في البؤر الفقيرة. والأيام المقبلة ستكون شاهدة على نشاط فاعل للاتحاد كإحدى القوى الناعمة التي لها امتداد مصري وعربي”.
وأكد الشهابي أن الاتحاد يتركز دوره حاليا على الجوانب المجتمعية وليس السياسية التي تتطلب التحول إلى حزب، وهو أمر لم تتم مناقشته حتى الآن، وأن الغرض الرئيسي هو إيجاد مساحة مشتركة بين قواعد شعبية لها تأثير في مناطق وجودها بما يساعد الحكومة على مواجهة التحديات.
وأُعلن عن تأسيس “اتحاد القبائل العربية” في صحراء قرية العجراء جنوبي مدينة رفح المصرية (على الحدود الشرقية) مطلع مايو الماضي، بمشاركة 30 قبيلة من سيناء، وحضور برلمانيين، وشيوخ قبائل من محافظة مرسى مطروح (غرب) ومحافظات الصعيد (جنوب)، ويضم الاتحاد 30 قبيلة، منها: الترابين، والسواركة، والمساعيد، والعيادية، والسماعنة، والسعديين، والرميلات، والبياضية، والعقايلة، والدواغرة، والرياشات، والعبايدة، والتياهة، والحوات، والنجمات، وبلي، والأخارسة، والصفايحة، وبني فخر، وأولاد سليمان، والأغوات، وحجاب، والحويطات.
القدرة على تجميع القبائل تحت هدف واحد أمر صعب، وحال نجح الاتحاد في ذلك فإن الخلافات قد تظهر مستقبلا لأن الكثير من القبائل في مصر بينها صراعات وثارات قديمة
وأقر اتحاد القبائل العربية في المؤتمر التأسيسي الأول عقد مؤتمرات جماهيرية في المحافظات المختلفة، وعقد بالفعل مؤتمرا في محافظة الجيزة، القريبة من القاهرة مؤخرا، قبل تنظيم المؤتمر الجماهيري الكبير في العاصمة الإدارية السبت.
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن الأدوار الاجتماعية للاتحاد مقبولة الآن، غير أن المشكلة تكمن في انتشار مفهوم “اتحاد القبائل والعائلات” الذي قد يقسم المواطنين بين من ينتمون إلى قبائل وعائلات معيّنة وآخرين ليس لهم بعد قبلي واضح، كما أن القدرة على تجميع القبائل تحت هدف واحد أمر صعب للغاية، وحال نجح الاتحاد في تحقيق ذلك حاليا فإن الخلافات قد تظهر مستقبلا لأن الكثير من القبائل في مصر بينها خلافات وصراعات وثارات قديمة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاتحاد قد يعاني من المشكلات نفسها التي تواجهها الأحزاب القريبة من السلطة، والتي تدفع المنتفعين وأصحاب المصالح الضيقة إلى الانضمام إليها بحثا عن رضاء رسمي، لكن دون أن تكون له علاقة بالعمل السياسي الذي يبقى من حق الأحزاب فقط بنص الدستور، وأن تحويله إلى ظهير سياسي أمر غير مقبول وإن كانت الدولة تعاني من ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على خلق جماهيرية حقيقية.
وأكد المتحدث باسم الاتحاد السابق مصطفى بكري أنه سيتقدم إلى وزارة التضامن الاجتماعي لإنشاء جمعية وفقا لقانون الجمعيات الأهلية كي يعمل في الإطار الشرعي، وسيكون هذا الاتحاد إطارا للعديد من الجمعيات التي أسست منذ سنوات، وسيشكل لجانا فرعية تتضمن إقامة مقرات تنطلق منها لجان الاتحاد في المحافظات.