أثار حظر لعبة الفيديو المرتقبة “كول أوف دوتي” في الكويت قبل أيام على إطلاقها الذي ينتظره عشاق ألعاب الفيديو، ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي مع الحديث عن تضمنها صورا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ما يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها صناع الترفيه لدى الثقافات المتعددة.
وكان من المقرر إطلاق اللعبة الجمعة، ويقوم خلالها اللاعبون بإطلاق النار في مناطق صراع عالمية مختلفة، بما في ذلك الشرق الأوسط.
وفي حين أن الكويت لم تعلن رسميا عن حظر اللعبة التابعة لشركة “أكتيفيجن” المملوكة لشركة ميكروسوفت، إلا أن قرارها يعكس الحساسيات المتبقية المحيطة بغزو العراق للبلاد في عام 1990.
لكن “أكتيفيجن” أكدت الحظر الكويتي بالقول “نأسف للإعلان أن السلطات الكويتية لم توافق على إصدار لعبة ‘كول أوف دوتي: بلاك أوبس 6’ في المنطقة، بالتالي لن تكون اللعبة متاحة للشراء حاليا في الكويت”.
وأضافت أنه سيتم إلغاء جميع الطلبات المسبقة وإعادة المبالغ المستحقة إلى نقاط الشراء الأصلية، كما أورد بيان للشركة نشرته شبكة “آي.جي.أن” الإعلامية المختصة بألعاب الفيديو في السابع عشر من أكتوبر الحالي.
وأعرب متحدث باسم الشركة عن أمله بأن تعيد السلطات الكويتية النظر في القرار في المستقبل القريب، مما يتيح للاعبين الكويتيين فرصة الاستمتاع بتجربة بلاك أوبس الجديدة.
ولم تقدم الشركة الأميركية تفاصيل واضحة بشأن الأسباب الدقيقة للحظر الكويتي، لكن شبكة “آي.جي.أن” رجحت أن يكون السبب ورود أحداث في اللعبة تتعلق بحرب الخليج الثانية.
وعبّر العديد من الناشطين عن خيبة أملهم لهذا الحظر، وتناقلوا سببه على مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء في تعليق:
وقالت صفحة عشاق ألعاب الفيديو:
وأضاف آخر:
وكتب ناشط:
ويسلط الحظر الضوء على التحديات المستمرة التي يواجهها مطورو ألعاب الفيديو في التعامل مع القضايا التاريخية والثقافية، حيث تضمنت مقاطع دعائية للعبة “كول أوف دوتي: بلاك أوبس 6” مشاهد مؤلمة بشكل خاص بالنسبة للكويتيين. وتشمل هذه المشاهد حقول النفط المحترقة، وهي تذكير بآبار النفط الكويتية السبعمئة التي أشعلتها القوات العراقية المنسحبة أثناء حرب الخليج، مما تسبب في أضرار بيئية واقتصادية كبيرة.
وتُظهر مشاهد أخرى صدام حسين وعلم العراق القديم ذا النجوم الثلاث، رمزا لفصل مظلم في تاريخ الكويت.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن وضع تعدد اللاعبين في اللعبة خرائط تحمل أسماء مثل “سكود”، في إشارة إلى الصواريخ السوفيتية الصنع التي أطلقها صدام أثناء الصراع، و”بابل”، نسبة إلى المدينة القديمة في العراق.
ومن الواضح أن هذه العناصر على الرغم من أنها تهدف إلى تعزيز تجربة اللعب، فإنها قد أثارت عصبا حساسا في الكويت، التي لم تتجاوز عقدة الغزو العراقي.
عناصر اللعبة رغم أنها تهدف إلى تعزيز تجربة اللعب، فقد أثارت عصبا حساسا في الكويت التي لم تتجاوز عقدة الغزو والحرب
ويتماشى الحظر مع حالات سابقة حيث تم حظر الألعاب التي تحتوي على محتوى جيوسياسي مثير للجدل في بعض المناطق، حيث أثار إدراج شخصيات وأحداث سياسية من العالم الحقيقي حساسية أحيانا، فقد تعرضت السلسلة لانتقادات بسبب تصويرها للحرب الحديثة والجغرافيا السياسية، ما تسبب بحظر أجزاء مختلفة منها في دول مثل الصين وروسيا، بسبب التوجهات السياسية.
وأطلقت كول أوف دوتي لأول مرة في عام 2003 كلعبة إطلاق نار تعتمد على الحرب العالمية الثانية، لتصبح امتيازا بمليارات الدولارات، وتتعامل الآن مع السرديات الجيوسياسية الحديثة.
وعلى الرغم من الجدل الدائر حول النسخة الجديدة من اللعبة، فقد حظيت ألعاب الفيديو الأخرى بالثناء لمعالجتها الدقيقة للسياقات التاريخية الحساسة.
وقوبلت لعبة Assassin’s Creed: Mirage من Ubisoft، التي صدرت العام الماضي، بإشادة لتصويرها لبغداد في القرن التاسع خلال العصر الذهبي الإسلامي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع الاستقبال الأكثر إثارة للجدال لأحدث إصدار من اكتيفيجن.
ويعمل الحظر كتذكير بكيفية تأثير الحساسيات الثقافية على محتوى الترفيه، وخاصة في منطقة ذات تاريخ صادم للغاية.
وإذا كان الجانب الاقتصادي يبدو طاغيا عند النظر إلى صناعة الألعاب الإلكترونية في العالم إلا أن ثمة تنافسا لا يقل احتداما في مجال الألعاب الإلكترونية عن التنافس الاقتصادي، وهو “التنافس الثقافي”.
وتبدو الأدوار الثقافية للألعاب الإلكترونية منسجمة مع المفهوم الذي طوره أستاذ العلاقات الدولية الأميركي جوزيف س.ناي في تسعينات القرن الماضي لمصطلح “القوة الناعمة”، حيث يرى أن القوة الناعمة في جانب منها “سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام، وإنها في جوهرها قدرة أمة معينة على التأثير في أمم أخرى وتوجيه خياراتها العامة”.
وبدا ذلك بارزا بإطلاق شركة “فيكتورا” الأميركية للألعاب الإلكترونية قبل سنوات للعبة “ستة أيام في الفلوجة”، حيث استلهمت اللعبة مجريات معركة الفلوجة التي دارت إبان الغزو الأميركي للعراق عام 2003، استنادا إلى عشرات المقابلات مع الجنود الذين قاتلوا في تلك المعركة.