كشف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ضمن تقرير حديث له حول “المساواة بين الجنسين في المنظومة التربوية”، عن معطيات مقلقة بشأن تأثير الفقر على تعليم الفتيات بقرى المملكة، بحيث يعتقد ما يقارب عُشُر أرباب الأسر في الوسط القروي، أن المدرسة أكثر أهمية للأولاد منها للبنات.
وأشار التقرير إلى أن العديد من الأسر الفقيرة في الوسط القروي، ترجح تكلُفَة الفُرْصَة البديلة التي يمثلها تعليم البنت، على الاستثمار في مستقبلها، إذ تساهم الفتيات في التنظيف، والطهي، ورعاية أفراد الأسرة الآخرين، وأيضا في الأنشطة المدرة للدخل، من قبيل الزراعة.
وتنخفض هذه النسبة إلى 3.53 في المئة في الوسط الحضري، حيث أن مثل هذه التمثلات، هي ما يصوغ بشكل عام، القرارات الأسرية فيما يتعلق بتعليم الأطفال.
وأوضح المجلس، أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء تفضيل تعليم الأولاد على تعليم البنات بالوسط القروي، مسجلا أن أصحاب هذا التوجه، يرون أن الولد أكثر قدرة على إعالة والديه في المستقبل، بينما يُنظر إلى الفتاة على أنها مقدّر لها أن تُنشئ أسرة، وغالبا ما يتم تصورها على أنها “ربة منزل وأم مستقبلية داخل أسرة زوجها”.
واستنادا إلى البحث الوطني حول الأسر والتربية الذي أجرته الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، فإن مواقف الوالدين تجاه تعليم بناتهم تُعتبر من العوامل التي تعوق تعليمهن، وهو ما تفسره المعطيات الرقمية التي تشير إلى أن نسبة الهدر المدرسي في صفوف فتيات الأسر القروية تصل إلى 41.56 في المئة مقابل 28.94 في المئة بين الأولاد.
بقدر ما يتقدم الطلاب في المستويات الدراسية يرتفع الانقطاع عن الدراسة في صفوفهم، حيث تصل نسبة التسرب المدرسي لدى الذكور إلى 38 في المئة، وعند الإناث إلى 62 في المئة
وكشف التقرير، الذي تتوفر “العرب” على نسخة منه، أن 13.79 في المئة من النساء المسؤولات عن الأسرة، يصرحن بأن تعليم الأولاد أكثر أهمية من تعليم البنات، مقارنة بـ9.49 في المئة من الرجال المسؤولين عن الأسرة الذين يشاركونهن نفس الرأي، وبحسب التقرير فإن غالبية الأسر التي ترأسها نساء في الوسط القروي (68.22 في المئة) تعتبر أن تعليم الأولاد أكثر أهمية من تعليم البنات، وتصرح بأنها فقيرة للغاية، مقابل 32.29 في المئة من الأسر التي يرأسها رجال.
وقال سعيد، أستاذ التعليم الابتدائي في إحدى المراكز القروية، لـ”العرب”، إنه لاحظ مشكل انقطاع فتيات قرويات عن الدراسة خصوصا التلميذات الحاصلات على شهادة نهاية التعليم الابتدائي اللواتي لا يلتحقن بصفوف الدراسة بالسنة الأولى بالمؤسسات الإعدادية، وأن محاولات إعادتهن تتم مواجهتها برفض الآباء الذين لا يجدون أن الدراسة قد تنفع بناتهن، ويفضلن إدماجهن في الأعمال المنزلية والزواج المبكر.
وكان برنامج تيسير الذي أطلقته وزارة التعليم الابتدائي، قد ساهم في تحفيز عدد من الأسر للسماح لبناتهن بمتابعة الدراسة، لكن يقول الأستاذ سعيد، أن أغلب الأسر القروية لم تستسغ أن تبقى بناتها بمقاعد الدراسة، وبالأخص عندما ينتقلن إلى أقسام الإعدادي وما يتطلبه الأمر من انتقالهن إلى الأقسام الداخلية (المبيتات). ويتخوف الآباء من أن تصبح بناتهن عرضة لسلوك مشين بعيدا عن أعينهم.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط، في تقرير أعدَّته بعنوان “المرأة المغربية في أرقام، عشرون سنة من التطور” أن نسبة التعليم عند الفتيات الصغيرات من 6 إلى 11 سنة بالمغرب قد حققت ارتفاعا مهما خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث وصلت إلى 100 في المئة سنة 2020 بعد أن كانت تبلغ 80.6 في المئة سنة 2000.
ويطرح الباحثون سؤالا يرتبط بتعامل الحكومة مع الإحصائيات حول تعليم الفتيات في الوسط القروي، حيثُ يغادرن الدراسة أكثر من الذكور، ضمن فئة 15 إلى 17 سنة دائما، وتتراجع نسبة الفتيات القرويات المتعلمات إلى 39.2 في المئة مقارنة مع الفتيان المتعليمين الذي يسجلون بدورهم تراجعا في نسبة التعليم إلى 50.5 في المئة (سنة 2020).
وساهمت جمعية “من أجل تعليم الفتاة القروية” في إدماج عشرات الفتيات من جهة مراكش، والجنوب الشرقي، وبني ملال.
واعتبرت الجمعية، أن سبب التسرب المدرسي بالنسبة للفتيات يرجع إلى ضعف البنية التعليمية، وبعد المؤسسات التعليمية ببعض الأقاليم، زيادة على المشكل الثقافي، الذي يدفع الآباء إلى منع بناتهن من متابعة دراستهن، مما يحرمهن من التحصيل الدراسي.
وبقدر ما يتقدم الطلاب في المستويات الدراسية يرتفع الانقطاع عن الدراسة في صفوفهم، حيث تصل نسبة التسرب المدرسي لدى الذكور إلى 38 في المئة، وعند الإناث إلى 62 في المئة خصوصا في المجال القروي، حسب بعض الدراسات الرسمية.
ولإعطاء فرصة للفتيات تسهر جمعية “من أجل تعليم الفتاة القروية”، على توفير عدة خدمات، من قبيل التغذية والإيواء والكتب والدفاتر والأدوات المدرسية، فضلا عن المواكبة التربوية والاجتماعية، وتقديم الدعم والتقويم، وتنظيم الرحلات والأنشطة الترفيهية والثقافية والمخيمات، وكذا المنح الدراسية للطالبات.
وبالعودة لبرنامج تيسير، فإن وزارة التربية الوطنية كانت قد أطلقت البرنامج خلال سبتمبر 2008 للحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي، وحُددت المنحة الشهرية لكل طالب وطالبة في المستويات الأول والثاني في 60 درهما شهريا أما المستويات الثالث والرابع، فتُقدر المنحة بـ80 درهما وفي المستويات الخامس والسادس قدرت المنحة بـ100 درهم شهريا؛ أما السلك الإعدادي فتُقدر المنحة الشهرية لكل طالب في جميع المستويات بـ140 درهم شهريا عن كل طالب وطالبة، وتغطي هاته المنحة الشهرية عشرة أشهر من السنة الدراسية، على أن يتم احتساب المنحة كل شهرين، شريطة عدم تغيب المتعلم أكثر من 4 مرات في الشهر.
ويرى باحثون في العلوم الاجتماعية، أنه لابد من العناية بالسياسات العمومية الموجهة لانقطاع الفتيات القرويات عن التعليم، اللواتي يجدن أنفسهن في مواجهة الفقر ونظام أسري يرى أن إلحاق الفتاة ببيت الزوجية أفضل بكثير من مغامرة التعليم التي لا يثقون في نتائجها على المدى القريب خصوصا عند الأسر التي تعاني من الهشاشة والفقر باستثناء بعض الأسر الميسورة التي ترسل بناتها لمتابعة الدراسة في المدن ضمن نظام الداخليات.
وبحسب معطيات تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن التمثل الذي يعطي قيمة أكبر لتعلم الأولاد، مقرون بضعف مستويات المعيشة، ذلك أنه عندما لا تمتلك الأسر الوسائل اللازمة لتعليم جميع أطفالها، غالبا ما تُعطي الأولوية للذكور. وأورد التقرير أنه في الوسط القروي على وجه الخصوص، يقوم الرابط الاجتماعي على ترتيب هرمي، يتم إنزال الفتيات فيه إلى مرتبة ثانية، مقابل إعطاء الأولوية للأولاد، وذلك كلما كانت الموارد غير كافية. والواقع أن تعليم الفتاة بالنسبة لتلك الأسر يشكل نقصا يصعب تداركه.
وسجل المصدر ذاته، انخراط الأبناء في الأشغال المنزلية، واعتبر أن هذه الأشغال التي يقوم بها الأبناء في منازلهم تساهم، في ظروف معينة وتحت إشراف الوالدين، بشكل إيجابي في تنمية شخصيتهم وتمكينهم، منبها إلى أنه في حالة التداخل بين هذه الأشغال والأداء المدرسي، يمكن لتلك الأشغال أن تضر بالنجاح المدرسي بسبب تقليصها للوقت المخصص للواجبات المدرسية، أو بسبب تقليل الاهتمام الذي يوليه الطفل لدُرُوسِه بسبب قلة الراحة.
وأوصى بحث اجتماعي ميداني أنجزته مؤسسة “إيطو لإيواء الأشخاص في وضعية صعبة” بشراكة مع وحدة الأمم المتحدة من أجل المساواة بين الجنسين، بخلق شروط ضرورية وأساسية لتوفير تعليم نوعي، سواء في مضمونه أو الوسائل والبنيات التحتية ووسائل النقل ودور الطلبة، والداخليات، مع رصد الميزانية اللازمة لتدبيرها، وذلك لتشجيع الفتيات على التعلم ووضع حد لكل أسباب التحايل من أجل إرغامهن على ترك التعليم وتزويجهن.