عربي ودولي

انتخابات كردستان العراق تتجاوز المطبات المحلية والعواصف الإقليمية وتعبر إلى ضفة الإنجاز
انتخابات كردستان العراق تتجاوز المطبات المحلية والعواصف الإقليمية وتعبر إلى ضفة الإنجاز
 انتهت الإثنين الحملات الدعائية لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق مفسحة المجال لفترة الصمت الانتخابي، ومؤذنة باقتراب إجراء الاستحقاق الذي طال انتظاره وحامت شكوك كثيرة حول إمكانية إجرائه بالفعل بسبب الظروف المحلية والإقليمية التي حفت به.

ويجرى الجمعة التصويت الخاص بالقوات الأمنية ونزلاء السجون على أن تفتح الأحد مراكز الاقتراع أمام عموم الناخبين لاختيار أعضاء برلمان الإقليم.

وسيكون إجراء الانتخابات بحدّ ذاته إنجازا بغض النظر عن الشكوك المثارة بشأن شفافية العملية وديمقراطيتها ومدى حصانتها من استخدام السلطة والنفوذ والمال السياسي، والانتقادات الموجّهة لطريقة التنافس فيها وخصوصا من قبل الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني المتهمين بالخروج عن ضوابط التنافس الحزبي النزيه، وهو ما تجسّد بالفعل خلال الحملة الانتخابية الصاخبة للحزبين.

وتقوم الانتخابات بدور أساسي متمثّل في النأي بالإقليم عن محذور الفراغ الدستوري الذي بات يواجهه منذ اتخاذ المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق في مايو 2023 قرارها ببطلان قانون تمديد دورة برلمان كردستان المُقر من قبل البرلمان نفسه في أكتوبر 2022، ثم قرارها في سبتمبر من نفس السنة بعدم دستورية تمديد ولاية مجالس محافظات الإقليم.

ومثّل غياب البرلمان انتقاصا من شرعية مؤسسات الإقليم وعلى رأسها حكومته ووضع تجربة الحكم الذاتي لأكراد العراق على المحكّ وهي التي تواجه أصلا صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة وتتعرّض لضغوط من قبل قوى حاكمة في الدولة الاتحادية العراقية، كما تعرف هشاشة سياسية داخلية بفعل تصاعد الخلافات بين الحزبين الحاكمين، فضلا عن كونها ليست بمنأى على التوتّرات والصراعات في المنطقة، حيث تعرّضت أراضي إقليم كردستان العراق لعدة ضربات عسكرية سواء من قبل إيران أو من قبل الميليشيات العراقية التابعة لها، بينما تتحول عدّة مناطق في الإقليم بشكل متزايد إلى مسرح حرب مفتوحة بين القوات التركية ومسلّحي حزب العمّال الكردستاني المتمركزين منذ عدّة عقود في تلك المناطق.

ومع بقاء أيام معدودة على فتح مراكز الاقتراع، أصبح إجراء الانتخابات في حكم المؤكّد بعد الشكوك الإخيرة في إجرائها والتي غذتها الحرب بين إسرائيل وقوى ما يعرف بمحور المقاومة والتي توسّعت من غزة إلى لبنان، وظلّت مرشحة لتشمل العراق بالنظر إلى وجود قوى عراقية تعلن انتماءها إلى المحور المذكور وتهدّد بالانخراط في الحرب دعما لمكونات محورها الذي تقوده إيران.

ونفى هوشيار زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني تأثير الحرب في لبنان على الانتخابات التي أكّد أنّها ستجري في موعدها معتبرا أنّ رهانها هو إقبال الناخبين الذي سيحسم نتيجتها.

وأكّد زيباري الذي سبق له أن شغل منصبي وزير للمالية ووزير للخارجية في الحكومية الاتحادية العراقية في مؤتمر صحافي عقد الاثنين في دهوك حول الاستحقاق الانتخابي واستعدادات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإجرائه، أنّ “الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني والتوترات الأخرى في المنطقة لن تؤثر على الانتخابات البرلمانية التي ستجري في موعدها”، موضّحا أن المطلوب من الانتخابات أن تتمخض عن “حكومة جيدة وكفوءة لقيادة إقليم كردستان حتى يتمكن من مواجهة تحديات المستقبل”.

وكشف عن توجيه حزبه دعوة إلى السفارات والمنظمات الدولية “لمراقبة الانتخابات البرلمانية الكردستانية عن كثب حتى تتم العملية بشفافية ونزاهة وتكون خالية من الغش والتزوير”.

وأجريت آخر انتخابات لبرلمان كردستان العراق سنة 2018. وتشرف على انتخابات الأحد المقبل مفوضية الانتخابات الاتّحادية بدلا من نظيرتها التابعة لمؤسسات الإقليم، وجاء ذلك بموجب تعديلات قانونية وإجرائية أدخلها القضاء العراقي على انتخابات الإقليم وشملت أيضا تقليص عدد المقاعد البرلمانية المخصصة للأقليات في نطاق نظام الكوتا، واعتماد أربعة دوائر انتخابية بدلا من الدائرة الواحدة.

وكاد تدخّل القضاء العراقي في شؤون انتخابات كردستان العراق ينسف إجراء الاستحقاق المنتظر عندما اعترض الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة السياسي الكردي المخضرم مسعود بارزاني على تلك التعديلات واعتبرها استجابة لرغبات غريمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني نجل مؤسس الحزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وهدّد بمقاطعة الانتخابات قبل أن يعدل عن ذلك ويقرّر المشاركة.

وعلى هذه الخلفية دارت الحملة الانتخابية للحزبين المذكورين في أجواء تجاوزت عتبة الحماس إلى التوتّر الذي عكسه خطابهما الناري تجاه بعضهما البعض وتبادل الاتهامات بينهما والتي حادت بالحملة عن ضوابط العمل السياسي والتنافس الانتخابي.

وردّدت قيادات حزب طالباني بما في ذلك رئيسه بافل خلال حملتها شعار تصحيح مسار الحكم في الإقليم والذي يعني بالنسبة إليها انتزاع زمام السلطة من حزب بارزاني الذي يتولّى أهم المناصب القيادية بما في ذلك منصب رئيس الإقليم ورئيس حكومته.

وردّت قيادات الحزب الديمقراطي على شعار حزب الاتّحاد بالقول على لسان نائب رئيس الحزب مسرور بارزاني “لن يستطيعوا”، معتبرة أن حزبها يمتلك من القوة الجماهيرية ما يؤهله للفوز في الانتخابات والحفاظ بالتالي على موقعه في السلطة.

وجاء اشتعال عدة جبهات في منطقة الشرق الأوسط وظهور محاذير اتسعاع دائرة الصراع إلى العراق مع تهديد الفصائل الولائية المسلحة المقربة من إيران بضرب إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات ونسف منشآت النفط في المنطقة وإرسال مسلحين إلى لبنان لمساندة حزب الله، ليكرّس الشكوك حول إجراء انتخابات الإقليم.

وقال الأكاديمي الكردي بهروز الجاف في وقت سابق إنّ الانتخابات البرلمانية في كردستان تتأثر بالوضع الداخلي للعراق فإذا تعرض البلد لهجمات إسرائيلية ردّا على الفصائل المسلحة فقطعا سيؤثر ذلك على إجراء تلك الانتخابات، خاصة وأن مفوضية الانتخابات العراقية هي التي تشرف على إجراء الاستحقاق.

وعلى الرغم من قوّة الدوافع الداخلية التي ساعدت في تجاوز انتخابات إقليم كردستان العراق لمختلف المطلبات والعوائق والاقتراب من برّ الأمان، فإن متابعين لشؤون العراق والإقليم لفتوا إلى وجود دور دولي مشجّع على إجراء الاستحقاق بدافع الحرص على الحفاظ على الكيان الدستوري لإقليم كردستان العراق.

وقال هؤلاء إنّ عواصم غربية في مقدمها واشنطن بذلت مساعي لدى بغداد وأربيل وأجرت اتصالات من الأطراف المعنية لتسهيل إجراء الانتخابات في الإقليم، غير مستبعدة أن تكون الولايات المتّحدة قد ساهمت في إقناع قيادات الحزب الديمقراطي بعدم المضي في قرار مقاطعة الاستحقاق.

إجراء الانتخابات سيكون بحدّ ذاته إنجازا بغض النظر عن الشكوك المثارة بشأن شفافية العملية وديمقراطيتها ومدى حصانتها من استخدام السلطة والنفوذ والمال السياسي

وتعتبر الولايات المتّحدة صاحبة مصلحة مباشرة في استقرار إقليم كردستان العراق ونجاح تجربته في الحكم الذاتي وهي التي وقفت أصلا وراء إنشائها، متخّذة من القيادات السياسية الكردية العراقية حلفاء أكثر موثوقية لديها من بعض الشخصيات الحاكمة في الدولة الاتّحادية العراقية نظرا لكون تلك الشخصيات متحالفة مع إيران ومحسوبة على محورها.

وتجلّى الاهتمام الأميركي بانتخابات إقليم كردستان في تحرّكات السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي وفتحها ملف الانتخابات مع أكثر من مسؤول سواء في بغداد أو أربيل وحثّها على الالتزام بإجراء الاستحقاق في موعده المقرّر وعدم إرجائه مجدّدا.

وحثت رومانوسكي في وقت سابق مواطني الإقليم على المشاركة الفعالة في انتخابات العشرين من أكتوبر. وقالت في تعليق عبر منصة إكس “نشجع جميع سكان إقليم كردستان المؤهلين، على المشاركة الكاملة في إرساء ديمقراطية بلدهم من خلال التصويت في الانتخابات المقبلة”.

15 أكتوبر 2024

هاشتاغ

التعليقات