عربي ودولي

إصلاح قطاع النقل العام تحد يراوح مكانه منذ سنوات في تونس
إصلاح قطاع النقل العام تحد يراوح مكانه منذ سنوات في تونس
وجدت الحكومة التونسية نفسها مرة أخرى أمام رهان تحسين خدمات النقل وإصلاح القطاع المتهاوي منذ سنوات دون إصلاح أو تغيير في أسطوله أو تجهيزاته. وظلّ قطاع النقل يراوح مكانه رغم تواتر عدد من الوزراء منذ ثورة يناير 2011 سواء في عهد حكم حركة النهضة أو الرئيس قيس سعيد بعد 2019، تحدثوا جلهم عن تحسين الخدمات لكن دون نتائج تذكر، بل على العكس من ذلك، فإن الأزمة تفاقمت والخدمات اتجهت نحو الأسوأ.

وطرح واقع النقل التونسي المتردّي حزمة من التساؤلات حول طبيعة العراقيل التي حالت دون الحصول على خدمات نقل ترتقي إلى تطلعات المواطن التونسي، وفيما كانت تلك العراقيل نقابية أم مالية.

ومع إجراء الرئيس قيس سعيد الفائز بولاية رئاسية ثانية الأسبوع الماضي، لتحوير وزاري شامل، تزايد حجم التساؤلات في الشارع التونسي بشأن قدرات وزير النقل الحالي رشيد عامري، ومدى جديته في إصلاح القطاع والمرور نحو تنفيذ خطط إستراتيجية واضحة، خلافا للوزراء السابقين على رأس الوزارة الحيوية. وأدى وزير النقل مساء السبت زيارة تفقدية غير معلنة إلى المستودع المركزي لصيانة الحافلات بالسيجومي ومستودع الزهروني التابعين إلى شركة نقل تونس، للاطلاع على وضعية الوحدتين الفنيتين ومكوناتهما، وكيفية تأمين عمليات صيانة الأسطول بهما وكيفية استغلاله.

وجاءت الزيارة وفق بلاغ صادر الأحد عن وزارة النقل، في إطار متابعة التوصيات المنبثقة عن جلسات العمل المتعلقة بوضعية شركة نقل تونس ومنظومة التنقل في تونس الكبرى التي أشرف عليها الوزير مؤخرا. كما عاين وزير النقل الجوانب اللوجستية وظروف الأمن والسلامة بهذين المستودعين بالإضافة إلى كيفية التصرف في الموارد البشرية الفنية الموضوعة على ذمة المرفقين ومدى نجاعتها في تأمين سير العمل بهما.

وتشهد تونس مع موعد العودة المدرسية والجامعية ازدحاما كبيرا في وسائل النقل العمومي من مترو وحافلات. ويرى مراقبون أن معضلة النقل باتت من أهم مشاكل التلاميذ والطلاّب اليومية، خصوصا مع التزامن بين الزمن التربوي والزمن الوظيفي والإداري، ما يخلق اختناقا مروريّا في الحواضر الكبرى، فضلا عن تواتر التعطيلات والصعوبات بسبب تقادم أسطول الحافلات.

وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي إن “المترو الخفيف يمكن أن يساعد على معالجة مشاكل النقل في البلاد، في ظل الخدمات الرديئة، حيث لا يعقل الانتظار لأكثر من نصف ساعة في محطات النقل دون حلول”. وأكد في تصريح لـ”العرب”، “لا بدّ من تكثيف الربط بالمترو الخفيف بين المناطق من أجل وصول الموظفين في التوقيت الإداري المحدد وتقليص الكلفة”.

وبخصوص العراقيل التي حالت دون تحسين خدمات النقل منذ سنوات، أوضح الشكندالي أن “عدم القدرة على تحسين جودة خدمات النقل نظرا لأن ميزانيات الوزارات تكون مخصصة أساسا للأجور، باعتبار تضخّم عدد الموظّفين، كما أنه لا يمكن أن نترك الخدمات الاجتماعية بأيادي القطاع الخاص”.

ودعا أستاذ الاقتصاد إلى “ضرورة توفير الأموال أو الشراكة بين القطاع العام التونسي والخاص الصيني أو الروسي نظرا لمحدودية الموارد المالية”. وأدّى وزير النّقل الأربعاء زيارة غير معلنة إلى ورشة الصيانة ومستودع المترو الخفيف بمحطة تونس – حلق الوادي – المرسى التابعين لشركة نقل تونس لتفقد سير العمل بها. وجاءت الزيارة في إطار متابعة توصيات الجلسة التي تم عقدها خلال شهر سبتمبر المنقضي والتي تم خلالها النظر في تطوير منظومة النقل العمومي وإقرار إصلاح 28 عربة مترو بصفة عاجلة.

وأوصى الوزير بضرورة الزيادة في نسق عمليات الصيانة بالسرعة والنجاعة المرجوتين خاصة مع ما تزخر به شركة نقل تونس من موارد بشرية تمكّنها من تحقيق المطلوب. كما دعا إلى ضرورة احترام الآجال التي تم التعهّد بها لإعادة تشغيل عربات المترو في طور الصيانة، بما من شأنه أن يرفّع من نسب الجاهزية، مشددا على ضرورة إجراء تغييرات على نوافذ عربات المترو من نوع cetadis لتحسين التهوية داخل العربات وتحسين ظروف تنقل المسافرين خاصة خلال فترات الحر.

وأكد الوزير خلال هذه الزيارة على ضرورة استرجاع ثقافة العمل وحس الانتماء إلى المؤسسة بهدف تعزيز الدور الاجتماعي لنقل تونس على الوجه الأكمل. ويعاني أسطول النقل التونسي من التهرم وفقدان قطع الغيار بسبب شح السيولة وتراكم الديون على شركة النقل، ما يجعل خطوط المواصلات تعمل في ظل نقص مستمر، حيث قال في وقت سابق، المدير المركزي بشركة “نقل تونس” شكري بن غانم إن “50 في المئة من الأسطول في حالة عطب ولا يستعمل، وإن العربات أخذت في التآكل”.

وأفاد الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنادي بأن “هناك مشاكل عديدة في أسطول النقل منذ سنوات، ومخلفاته جسيمة بعد 2011 خصوصا في ظل التوظيف وارتفاع كلفة الأجور، كما لم يتم الاستثمار في هذا القطاع”. وأوضح لـ”العرب” أن “هناك خطوط تشتغل اليوم دون دفع معلوم تذاكر التنقل في بعض المناطق وهذا يكلّف شركة النقل خسائر فادحة وبالتالي وجب تشديد الرقابة على مثل هذه الممارسات، كما يجب توظيف الإصلاحات في ميزانية الدولة”.

ولفت الجنادي إلى أن “الموارد المالية مفقودة، ووجب تشخيص قيمة الإصلاحات مع تحديد التجهيزات التي تجب صيانتها والتي يجب إتلافها، فضلا عن العمل على الطاقات البديلة التي ستمكن من تقليص الكلفة”. والأسبوع الماضي، تسلمت شركة نقل تونس الدفعة الثالثة من الحافلات المستعملة والتي يبلغ عددها 75 حافلة مستعملة في انتظار تسلم الدفعة الرابعة التي تتضمن 56 حافلة مستعملة في شهر ديسمبر المقبل.

وتبلغ الكلفة الجملية للحافلات المستعملة 16 مليون دينار (5.21 مليون دولار)، تم اقتناؤها من الوكالة الفرنسية المستقلة للنقل، كحل ظرفي لمجابهة الطلب المتزايد في ظل تدني جاهزية الأسطول الحالي لشركة نقل تونس وفي انتظار تجسيم الاقتناءات الجديدة، علما أن الشركة حاليا بصدد فرز العروض وإعداد تقرير تقييم العروض من الناحية الفنية والمالية طبقا لكراس الشروط لاقتناء 300 حافلة جديدة بعد نشر طلب عروض دولي على إثر انعقاد المجلس الوزاري في أغسطس الماضي، وتبلغ الكلفة الجملية لهذه الحافلات 170 مليون دينار، ومن المنتظر أن يتم تسليم هذه الحافلات خلال سنة 2025.

وفي وقت سابق، قال مدير عام النقل البري طارق البوعزيزي إن شركة نقل تونس تشتغل بأقل من 40 في المئة من أسطول المترو والحافلات. وأقر طارق البوعزيزي في حوار مع الإذاعة الوطنية في تونس، بوجود إشكاليات كبيرة على مستوى العرض، متحدثا عن محاولات كبيرة لإنقاذ قطاع النقل العمومي والعمل على تحديد إستراتيجية واضحة للارتقاء به. واعتبر البوعزيزي أن قطاع النقل قطاع مكلف جدا ويتطلب استثمارات كبرى، مبينا أن الوزارة تعمل على إعادة تأهيل الأسطول بهدف تلبية حاجيات المواطنين وتأمين نقل المسافرين.

وكشف أن ثمن حافلة عادية يصل إلى 700 ألف دينار (227.94 ألف دولار)، في ما يصل سعر حافلة مزدوجة إلى 900 ألف دينار (293 ألف دولار)، مشددا في هذا السياق على أن معدل أعمار الأسطول كبير جدا وأن هناك تعطيلا في السنوات الأخيرة على مستوى الاقتناءات مما جعل نسبة جاهزية الأسطول تتدهور بالإضافة إلى عمليات التخريب والاعتداءات على الأسطول. ويؤكد متابعون للشأن التونسي أن الحلول الوقتية وإن ساهمت جزئيا في تجاوز بعض الصعوبات، إلا أنها لم تقدر على حلّ الأزمة، خصوصا مع استئناف المؤسسات التربوية والجامعية لنشاطها في منتصف سبتمبر الماضي.

14 أكتوبر 2024

هاشتاغ

التعليقات