صعّد الحزب الديمقراطي الكردستاني من لهجة خطابه الدعائي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في إقليم كردستان العراق للعشرين من شهر أكتوبر الجاري، والتي يسعى الحزب الذي يقوده السياسي الكردي العراقي المخضرم مسعود بارزاني من وراء خوضها إلى الحفاظ على مكانته القيادية في تجربة الحكم الذاتي في الإقليم وتجديد قيادته للحكومة، فيما جعل منافسه الأكبر حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني من قلب معادلة الحكم لمصلحته هدفا له، متخذا من تغيير مسار الحكم شعارا لحملته الانتخابية التي تميّزت بخطاب تصعيدي تجاه الغريم الديمقراطي.
وردّ نائب رئيس الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني، الذي يرأس حكومة الإقليم، بشكل صريح على قيادات حزب الاتّحاد وعلى رأسهم بافل جلال طالباني قائلا إنّهم “لن يستطيعوا”، في إشارة إلى الهدف بالغ الطموح الذي وضعوه لمشاركة حزبهم في الاستحقاق الانتخابي المهمّ.
وتجري الانتخابات المؤجّلة منذ سنة 2022 بعد أن تعذّر إجراؤها بسبب الخلافات السياسية الحادّة في الإقليم، في ظلّ مستجدّات شرّعت لحزب طالباني ذلك الطموح وتمثّلت بالخصوص في إدخال القضاء العراقي تعديلات على قانونها بطلب من حزب الاتّحاد نفسه وتقليص عدد المقاعد البرلمانية المخصصة للأقليات في نطاق نظام الكوتا، واعتماد أربع دوائر انتخابية بدلا من الدائرة الواحدة، بالإضافة إلى التعديل الأهم المتمثّل في إشراف مفوضية الانتخابات الاتّحادية على الاستحقاق بدلا من نظيرتها التابعة لمؤسسات الإقليم، بعد الاتهامات والطعون الكثيرة في نزاهة المفوضية الأخيرة واستقلالها عن تأثيرات السلطة.
وتقول دوائر سياسية كردية عراقية إنّ التطوّر الكبير في علاقة قيادة حزب الاتّحاد بقوى شيعية نافذة في السلطة الاتّحادية العراقية، هو أحد العوامل الدافعة للحزب إلى تطوير طموحه لأخذ مكان الحزب الديمقراطي في قيادة حكومة الإقليم بدعم من تلك القوى الموالية لإيران التي لا تبدي بدورها ارتياحا لسيطرة حزب بارزاني على أهمّ المناصب القيادية على اعتبار أن قادة الحزب في المنظور الإيراني حلفاء لكلّ من الولايات المتّحدة وتركيا منافستيها على النفوذ في العراق.
وتناقلت منابر تابعة للحزب الديمقراطي خلال الأيام الماضية ما قالت إنّه تسريب صوتي لرئيس حزب الاتّحاد يتحّدث فيه عن بدئه العمل من بغداد على تصحيح “الأخطاء التي وقعت في حكومة إقليم كردستان”.
وفي السياق ذاته أرجع عضو الحزب الديمقراطي وفاء محمد كريم ما حققه الاتحاد الوطني في الانتخابات المحلية الأخيرة في كركوك وحصوله على منصب المحافظ هناك إلى تلقي طالباني الدعم من قادة أحزاب وميليشيات مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، وهادي العامري قائد ميليشيا بدر وريان الكلداني قائد ميليشيا بابليون (مسيحية)، مؤكدا “تخوف تلك القوى من الحزب الديمقراطي الكردستاني ورغبتها في تقويض وجوده”.
وعبّر كريم عن توجّسه من وجود مؤامرة تحاك ضد الحزب خلال الانتخابات المقبلة في إقليم كردستان العراق. وقال في تصريحات صحفية إنّ “هناك أحزابا متسلطة في بغداد تسعى لتغيير توازن القوى الكردية”، محذرا من “محاولات لجعل الاتحاد الوطني يوازي الحزب الديمقراطي في عدد المقاعد” ببرلمان الإقليم.
وعلى الطرف المقابل اعتمدت قيادات حزب الاتّحاد خطابا انتخابيا تصعيديا مليئا بالاتهامات للحزب الديمقراطي، واختارت القفز على شراكتها معه في الحكم الذي حمّلته مسؤولية مختلف العثرات وخصوصا منها الاقتصادية والمالية المؤثرة بشكل كبير على الأوضاع الاجتماعية لسكان الإقليم.
وقال بافل طالباني رئيس حزب الاتحاد إنّ حزبه هو “الوحيد القادر على تصحيح مسار الحكم في إقليم كردستان”. واعتبر طالباني الذي صعد السنة الماضية إلى رئاسة الحزب بشكل منفرد، بعد أن نجح في إلغاء الرئاسة المشتركة التي كان يتقاسمها مع ابن عمه لاهور شيخ جنكي الذي بادر بدوره إلى تأسيس حزب جديد تحت مسمى الجبهة الشعبية، أنّ “الاتحاد بات اليوم أقوى كثيرا من أعدائه ومن باقي الأطراف وأكثر إخلاصا منهم”، وأضاف “عدلنا قانون الانتخابات بشكل يحفظ حقوق الجميع، والاتحاد الوطني يسير على نهج الرئيس جلال طالباني ولا يسير خلف أي طرف سياسي آخر وليس تابعا لأي جهة”، وذلك في نفي للاتهامات التي يوجهها خصوم حزب الاتحاد لقيادته بالتحالف مع أحزاب وفصائل شيعية مسلحة حاكمة في العراق، ويقولون إنّه يستقوي بها لإحداث انقلاب في معادلة الحكم في إقليم كردستان.
وعلى المنوال نفسه نسج القيادي في حزب الاتحاد الوطني قوباد طالباني الذي يتولّى منصب نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق. ووصف في تصريحات صحفية الانتخابات القادمة بالمصيرية قائلا إنّ الاتحاد “هو الوحيد الذي يستطيع تصحيح مسار الحكم وتعديل الأمور الخاطئة”، وإن هدفه من خوض الانتخابات هو “تشكيل حكومة تنال ثقة المواطنين وتعالج المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية”.
ويستشعر حزب الاتحاد حالة عدم الرضا الشعبي عن أداء الحكومة التي هي بالنسبة إليه حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويعمل تبعا لذلك على استثمار الأوضاع الصعبة لسكان الإقليم.
وقال سعدي بيره المتحدث باسم الاتحاد الوطني إنّ الأخير يعمل على إنهاء “هذا الشكل الخاطئ من الحكم وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين ومعالجة مشكلة رواتب الموظفين بشكل نهائي”.
وتصدّى نائب رئيس الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني للردّ على قيادات حزب الاتحاد قائلا إنّ حزبه لن ينحني وإنّ أعداء الحزب لن يتمكنوا من التأثير على إرادة جماهيره العريضة.
وقال بارزاني خلال تجمع جماهيري انتظم في دهوك ضمن الحملة الانتخابية لقائمة الحزب إنّ الأخير هو الوحيد الذي يتحدث عن مستقبل شعب كردستان ولم يتبق سوى بضعة أيام لمواطني كردستان للذهاب إلى صناديق الاقتراع وتقرير مستقبلهم ومصيرهم.
وتعليقا على الخطاب الحماسي الطافح بالوعود الكبيرة لقيادات حزب الاتحاد، قال بارزاني “إنّ الحياة ليست مسرحية أو عرضا كوميديا لمراهقين، بل الحياة رحلة صعود ومن الضروري أن تكون حكومة إقليم كردستان المستقبلية في أيدي أشخاص جديرين بالثقة ولديهم خبرة ولا ينحنون ولا يخافون ويواجهون كل التحديات”.
وتابع قوله “حزب الرئيس بارزاني وصاحب البيشمركة هو صاحب الجماهير الصامدة وبالتالي لا يمكن لأي عدو أن يوقف الحزب ومؤيديه، والحزب الديمقراطي الكردستاني يمثّل غالبية شعب كردستان منذ الانتخابات البرلمانية الأولى، لكنه كان دائما يقبل شراكة الحكم مع الأحزاب السياسية الأخرى ويمد إليهم يد السلام”.
وشدّد على ضرورة “أن تكون الحكومة المقبلة في كردستان بيد جهة تحظى بثقة الشعب، لا تركع ولا تخاف وتواجه كل التحديات”، معتبرا أنّ حزبه هو الطرف الوحيد المؤهل لقيادة الحكومة القادمة.
قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني واثقة من بقاء الحزب في مركزه القيادي وتعد منافسيها بإشراكهم في الحكم
وفي أوضح ردّ على شعار تغيير مسار الحكم الذي رفعه حزب الاتحاد الوطني في حملته الانتخابية قال بارزاني “لن تستطيعوا”.
وأضاف “نقول لن تستطيعوا لأن الديمقراطي الكردستاني لديه الرئيس مسعود بارزاني ولديه قوات البيشمركة التي لا تركع، ولديه جمهور مقاوم لذا ما من جهة تستطيع أن توقف مسيرتنا”.
وذكّر بأنّ “الديمقراطي الكردستاني بالرغم من أنه كان الأول دائما وشكل الأكثرية مد يده لجميع الأطراف لتشكيل حكومة تشاركية ووافق على مشاركة جميع الأطراف”، متسائلا “إذا شكلوا هم الأغلبية فما الذي كان سيفعلونه بحق الشعب”.
وتعهّد بأن الحزب الذي ظلّ منذ تأسيسه في المرتبة الأولى “سيبقى أولا ولن تستطيع أي جهة الإخلال بذلك”.
وفي مقابل ذلك عبر نائب رئيس الديمقراطي الكردستاني عن استعداد الحزب، حين يكون في مركز القوة، لمدّ يده إلى جميع الأطراف لبناء “كردستان أجمل وأقوى وأكثر ازدهارا”، مضيفا “إذا لم يكن أحد مستعدا لذلك، فعليهم أن يتنحوا جانبا عن طريق الديمقراطي الكردستاني لإكمال مسيرته في البناء والتطور”.