تتجه الحكومة الجزائرية إلى اعتماد موازنة سنوية تقدر بنحو 126 مليار دولار، وبإيرادات تناهز 64 مليار دولار، وعجز يقدر بحوالي 62 مليار دولار، لتكون بذلك الموازنة الأضخم في تاريخ البلاد، وأعلى من موازنة العام الجاري بحوالي 13 مليار دولار، ما يطرح استفهامات كبيرة حول الوسائل والآليات التي تعتمدها في تغطية العجز المذكور.
وذكرت تقارير مهتمة أن وزارة الدفاع ستكون صاحبة النصيب الأكبر في توزيع الحصص على القطاعات، وقدّرتها بنحو 25 مليار دولار، الأمر الذي يعكس الهاجس الأمني والعسكري الذي يخيم على قيادة البلاد، رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت لها خلال تحديد الموازنة السابقة لما رصدت 23 مليار دولار لقطاع الدفاع الوطني، قبل أن تقلصه إلى 18 مليار دولار تحت ضغط انزعاج شركاء أجانب.
حجم الموازنة الضخمة يعكس عزم السلطات الجزائرية على مباشرة تنفيذ الوعود الانتخابية التي قدمها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال حملة الرئاسيات الأخيرة
ويبدو أن الأوضاع الإقليمية المتوترة وصراع التفوق الإستراتيجي في المنطقة -إلى جانب التهديدات الأمنية القائمة في الحدود الجنوبية والشرقية- ألقيا بظلالهما على إعداد الموازنة السنوية، حيث حظي قطاع الدفاع بمبالغ إضافية لا يستبعد أن توجه إلى إبرام صفقات تسليح جديدة.
ويدفع اقتراب العمليات العسكرية للجيش المالي، المدعوم من طرف مجموعة فاغنر الروسية، من الشريط الحدودي بدعوى ملاحقة الجماعات المسلحة الانفصالية، وكذلك دنو قوات المشير الليبي خليفة حفتر خلال الأسابيع الأخيرة من مدن ومصالح إستراتيجية جزائرية، إلى رصد المزيد من الإمكانيات المالية لتلبية حاجيات الدفاع المتزايدة.
وكانت موازنة الدفاع خلال العام الماضي قد أثارت لغطا دوليا، بعد الانزعاج الذي أبدته الولايات المتحدة من إمكانية استغلال الحصة المالية لإبرام صفقات تسليح مع روسيا، وتطور الأمر إلى دخول عدد من أعضاء مجلس الشيوخ على الخط، بدعوة الإدارة الأميركية إلى إدراج الجزائر في خانة الدول المعادية لبلادهم، في ظل إصرارها على إبرام صفقة تسليح مع روسيا تقدر بـ12 مليار دولار، يمكن أن توفر سيولة مالية للروس وتغنيهم عن حزمة إجراءات الحصار المقررة ضدهم من طرف الغرب.
غير أن تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعيات رفض الأعضاء المؤسسين لانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس، أفرزت أزمة صامتة بين البلدين تلاشت معها حظوظ إبرام صفقات تسليح جديدة، خاصة وأن أدوات الإنتاج الروسية لم تعد قادرة على تلبية حاجيات الشريك الشمال أفريقي، الأمر الذي يطرح فرضية توجه الجزائر إلى أسواق أخرى.
ورغم المعطيات الجيواستراتيجية والتوتر الإقليمي المحيط بالبلاد لم تتوقف الانتقادات التي تطال الجزائر بسبب استحواذ المؤسسة العسكرية على إمكانيات مالية ضخمة في السنوات الأخيرة، كان بالإمكان توجيهها الى قطاعات أخرى، كتحسين المرافق والخدمات الحكومية، وتعزيز الاستثمارات العمومية خاصة في البنى التحتية والمباني السكنية التي توفر مناصب شغل معتبرة وتحرك عجلة الاقتصاد الوطني.
ويعكس حجم الموازنة الضخمة عزم السلطات الجزائرية على مباشرة تنفيذ الوعود الانتخابية التي قدمها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال حملة الرئاسيات الأخيرة، على غرار مشروع بناء مليوني وحدة سكنية في غضون السنوات الخمس القادمة، وإطلاق 20 ألف مؤسسة مصغرة وتوفير 400 ألف وظيفة، لكن تبقى تداعيات العجز المتنامي خطرا يهدد استقرار الجبهة الاجتماعية، لاسيما ما تعلق بالتضخم وارتفاع الأسعار.
لكن مصدرا حكوميا ذكر أن مشروع قانون المالية 2025 يبلور التوجهات الرامية إلى تحسين القدرة الشرائية والحفاظ على الإطار المعيشي للمواطنين، وتعبئة موارد إضافية مخصصة لدعم وتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وكذلك تنويع الاقتصاد، من خلال دعم الاستثمار وترقية مختلف المبادرات وتعزيز التحول الطاقي ورقمنة مصالح الدولة ودعم اقتصاد المعرفة.
تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعيات رفض الأعضاء المؤسسين لانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس، أفرزت أزمة صامتة بين روسيا والجزائر
وأضاف “يكرس مشروع قانون المالية لسنة 2025 تحديد خارطة طريق لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، من خلال إجراءات وتدابير مقترحة تصب في مجملها في سياق تشجيع الاستثمار وتعزيز المشاريع العمومية وتحسين مناخ الأعمال، فضلا عن تحسين القدرة الشرائية وتحفيز التحول الرقمي، مع تسجيل غياب أعباء جبائية تمس المواطن”.
وتضمن القانون المذكور العديد من التدابير الهادفة إلى تخفيف حجم الضريبة على المتعاملين، وجملة من الإعفاءات من أجل تحفيز المستثمرين من مختلف الفئات، لاسيما المستحدثة منها، على ولوج السوق الوطنية؛ حيث تستفيد المؤسسات المنضوية تحت لواء “الناشئة” أو “حاضنة الأعمال” من تخفيض في الضريبة المستحقة، كما تم تمديد استفادة الأنشطة الاقتصادية في ولايات (محافظات) الجنوب من تخفيض نسبته 50 في المئة من الضريبة على الدخل الإجمالي والضريبة على أرباح الشركات لمدة 5 سنوات ابتداء من شهر يناير القادم.
وللتحكم في سوق المواد ذات الاستهلاك الواسع، اقترح المشروع إعفاء واردات اللحوم البيضاء المجمدة من الرسم على القيمة المضافة، وتمديد الإعفاء المؤقت من نفس الضريبة على عمليات البيع المتعلقة بالبقول الجافة والأرز، المستوردة أو المنتجة محليا، وكذلك الفواكه والخضروات الطازجة وبيض الاستهلاك والدجاج واللحم والديك الرومي المنتجة محليا، وماشية البقر الحي ولحوم الأبقار الطازجة المبردة والمعبأة بالتفريغ، وأيضا لحوم الأغنام الطازجة المبردة والمعبأة بالتفريغ، وتوسيع تطبيق هذا المعدل المخفض إلى عمليات استيراد ماشية الغنم.