حصل الصحافيون في المواقع الإلكترونية في مصر على مكسب حيوي ظلوا يُحاربون من أجله على مدار سنوات طويلة مضت، ويتعلق باعتراف نقابة الصحافيين بهم، عبر منحهم العضوية كمنتسبين الآن، في خطوة تستهدف الضغط على الحكومة لتعديل قانون النقابة بما يسمح بمساواة المحررين الإلكترونيين بأقرانهم في الصحف الورقية التي صارت تعاني أزمات معقدة تهدد مستقبلها.
وتعهد نقيب الصحافيين خالد البلشي للمحررين في المواقع الإخبارية المتضررين من نصوص قانون النقابة، بأحقيتهم في التمتع بالحماية المهنية، من خلال قيدهم في النقابة عبر ما يسمى بـ”جدول الانتساب”، حيث يحصلون على حماية قانونية ضد أيّ استهداف، إضافة إلى مكتسبات اجتماعية نوعية، لكنهم لن يتمكنوا من التمتع بالمزايا المالية للنقابة التي تمنحها عضويتها الرسمية، قبل تعديل القانون.
وتمثل الخطوة بادرة أمل للصحافيين الإلكترونيين في مصر، ويكفي أنها حركت الجمود الذي اعترى الملف لسنوات، حيث تجمدت عملية تقنين أوضاعهم بعد أن ظلت الرؤية السائدة لدى مجالس النقابات السابقة مقتصرة على الاعتراف بالعاملين في الصحف الورقية التي تراجع توزيعها وتأثيرها، واندثر بعضها وتحولت إلى نسخ إلكترونية، ومع ذلك تبقى الوحيدة التي لها الحق في الحصول على عضوية النقابة رسميا.
وعلى مدار تاريخ نقابة الصحافيين لم يحصل أيّ محرر إلكتروني على عضويتها، إذ يُشترط أن يكون عاملا في صحيفة ورقية صادرة عن مؤسسة أو دار نشر، ما ضاعف من أزمات الصحافيين العاملين في مواقع إلكترونية، على مستوى التعسف ضدهم والتغاضي عن حقوقهم الوظيفية، مثل التأمين والراتب المنتظم والمعاشات، في ظل عدم وجود جهة قانونية تدافع عنهم.
ويتزامن التحرك الأخير مع حالة النمو السريعة للمواقع الإلكترونية في مصر، لكن هناك معضلة ترتبط بنظرة الحكومة نفسها لتلك المنابر، ومازال أغلب المسؤولين يعتبرون أن نشر الخبر في الصحيفة الورقية أكثر وقعًا من بثه إلكترونيا، ما تسبب في جمود موقف الحكومة ومجلس النواب تجاه المطالبات المتكررة لتعديل قانون نقابة الصحافيين لدمج المحررين الإلكترونيين.
ويصعب فصل الاعتراف المتأخر بالصحافيين في المواقع الإخبارية عن تصاعد الحملة الموجهة ضد مجلس نقابة الصحافيين، ما دفع النقيب خالد البلشي إلى عقد اجتماع موسع مع ممثلين لهم مؤخرا، والتعهد بفتح الباب أمامهم للالتحاق بالنقابة كمنتسبين، إلى حين تعديل القانون، وسوف يكون لهم بعض الحقوق التي تم إهدارها على مدار سنوات، وقد تصبح الخطوة بداية لاقتناع الحكومة نفسها.
ويقول خبراء في مجال الإعلام إن عضوية النقابة للصحافي الإلكتروني، وإن كانت رمزية، تضمن حقوقه الاجتماعية والأدبية وتحميه من الاستهداف الأمني خلال تغطية الأحداث والفعاليات، حيث كان يتم القبض على بعض هؤلاء الصحافيين بتهمة ادعاء العمل بالصحافة، حيث لا يمتلكون مستندات أو بطاقات نقابية تثبت هوياتهم الصحافية.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن احتواء المهنيين فقط من الصحافيين الإلكترونيين عند التحاقهم بجداول النقابة، يضمن تنقيح المهنة من الدخلاء وغير المؤهلين للعمل فيها، خاصة أن بعض المواقع الإخبارية تعتمد على هواة ولا يستحقون العمل في المهنة، ما تسبب في تأجيج غضب أجهزة الحكومة على الصحافيين دون تفرقة.
وتعهدت النقابة أن يكون فتح الباب أمام دخول العاملين بالمواقع الإخبارية لنيل العضوية مشروطا بمعايير وأسس وقواعد صارمة، ولن يكون الأمر بلا ضوابط حفاظا على سمعة المهنة، وخوفا من أن يتسبب ذلك في انهيار النقابة وغياب الأسس المهنية التي قامت عليها، ولن يأخذ تلك الفرصة إلا من يستحق أن يكون عضوا فيها.
ويعوّل الصحافيون الإلكترونيون على خالد البلشي كنقيب وصحافي كانت لديه تجارب طويلة في الصحافة الرقمية ويمتلك دراية كافية بما يواجهونه من مشكلات وعراقيل وتحديات مهنية واجتماعية واقتصادية وأمنية، أي أنه عاصر بنفسه تلك المرارات، وسبق أن وعد عقب انتخابه نقيبا منذ نحو 18 شهرا أن يُنهي تلك الأزمة قبل انتهاء ولايته كنقيب في مارس المقبل.
عضوية النقابة للصحافي الإلكتروني، وإن كانت رمزية، تضمن حقوقه الاجتماعية والأدبية وتحميه من الاستهداف الأمني خلال تغطية الأحداث والفعاليات
وما يعزز موقف النقابة إذا قررت الدخول في تفاوض مع الحكومة أن النسبة الأكبر من العاملين في المواقع الإلكترونية بمصر تتوافر لديهم المعايير التي تؤكد أنهم يمتهنون الصحافة، إضافة إلى تراجع دور الصحف الورقية ونفوذها وتأثيرها مقارنة بنظيرتها الإلكترونية، ما يتطلب سرعة تعديل قانون النقابة للحفاظ على المهنة نفسها.
ويدعم العاملون في المواقع الإلكترونية فكرة حصولهم على حقوقهم بخطوات تدريجية ومتلاحقة، وليس دفعة واحدة، خشية أن تدخل النقابة في صدام مع الحكومة والبرلمان، فيخسرون كل شيء لكنهم حاليا على الأقل، سوف يتمتعون بمظلة قانونية تحميهم، ويحصلون على تأمينات اجتماعية وصحية ويتحركون بعيدا عن التضييق الأمني.
وأكد نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن الحكومة مطالبة بالتعاطي بمرونة مع مطالب الصحافيين الإلكترونيين في ظل التطورات المتسارعة للمهنة، ويجب أن يكون التوصيف الحقيقي للصحف مبنيا على المحتوى والجماهيرية والتأثير، لا وفق الورقي والإلكتروني، وهذا الدور جزء منه يتعلق بنقابة الصحافيين، وفتح الملف ذاته خطوة مهمة للمهنة عموما.
وأضاف لـ”العرب” أن تعديل قانون نقابة الصحافيين لم يعد خيارا، بل ضرورة حتمية، مع هيمنة المحتوى الرقمي على المهنة، ولا يجب النظر إلى عضوية النقابة على أنها مصدر دخل، بل كيان ورمز للمهنة، يجب أن يحتضن كل العاملين الذين يستحقون الحماية والرعاية والاهتمام، لذلك يتطلب الأمر إعادة تعريف الصحافي بأنه ليس من يعمل في جريدة ورقية فقط.
وتظل المعضلة الرئيسية أن انضمام الصحافيين الإلكترونيين إلى النقابة يتطلب ملاءة مالية أكثر منها مشكلة قانونية، وهذا يحتاج أولا إلى تنمية مواردها في ظل الاعتماد الحالي على المساعدات الحكومية التي يتم توفيرها لزيادة المعاشات وبدل التدريب التكنولوجي الذي يُصرف شهريا لحاملي بطاقات العضوية الرسمية، بحيث تتجاوب الحكومة مع تعديل مقترح تعديل القانون.
وليس من السهل على النقابة أن تنجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد المالية، بشكل يسمح بضم أعداد كبيرة من الصحافيين العاملين في المواقع وتسهيل مهمة حصولهم على بدل التدريب كل شهر، والمقدر بنحو مئة دولار، لكن تلك الخطوة ضرورية كي تقابلها مرونة حكومية وبرلمانية، مع وجود أزمة مالية بالدولة لا تسمح بإضافة أعباء جديدة في أي قطاع، ولو كان الصحافة.
ويرى الكثير من أبناء المهنة أن قبول الصحافيين العالمين في المواقع في النقابة كمنتسبين خطوة إيجابية سوف يترتب عليها تقنين أوضاعهم داخل مؤسساتهم الصحفية، لأن الكثير من المواقع، ورغم حصولها على تراخيص لمزاولة المهنة، لم تقم بتعيين العاملين فيها، لكنها ستكون مطالبة بتعيين صحافييها بعد ذلك، كخطوة يتبعها الاعتراف بهم من جانب النقابة، وهذا في حد ذاته انتصار تاريخي لهم.