تحمل إشارات صندوق النقد الدولي حول دخول الأردن في مرحلة أكثر صعوبة بسبب الحرب في الشرق الأوسط في طياتها علامات التشاؤم في الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى أن تأثير الاضطراب في المنطقة سيكون محدودا.
وتأثر القطاع السياحي وحركة السفر في الأردن منذ هجمات حماس على إسرائيل في أكتوبر العام الماضي، ليتطور الوضع إلى شبة حرب شاملة ضمت حزب الله وإيران والحوثيين في اليمن مما عطل حركة الشحن في البحر الأحمر.
واعتبر صندوق النقد أن استمرار الصراع في المنطقة واتساع رقعته أثرا على الاقتصاد الأردني أكثر مما كان متوقعا عند الموافقة على برنامج قرض بقيمة 1.2 مليار دولار في يناير الماضي.
وجاءت هذه التقييمات بعد زيارة فريق من موظفي الصندوق بقيادة رون فان رودن، العاصمة عمّان، لمناقشة مشاورات المادة الرابعة لعام 2024، والمراجعة الثانية للبرنامج الذي وافق عليه المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في العاشر من يناير الماضي.
وأشار فان رودن إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأردني بنسبة 2.3 في المئة هذا العام، مع تعويض ضعف الطلب المحلي بأداء أقوى في صافي الصادرات، كما يتوقع أن يبلغ النمو 2.5 في المئة خلال العام المقبل.
وكان صندوق النقد قد توقع في شهر أبريل الماضي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام الجاري بنحو 2.6 في المئة وثلاثة في المئة خلال عام 2025.
وسبق أن توقع وزير المالية الأردني محمد العسعس أن يبلغ النمو هذا العام 2.6 في المئة، وهو المستوى نفسه المتوقع للعام الماضي، “ما دامت الحرب بين إسرائيل وحماس لم تؤد إلى نشوب صراع أوسع نطاقا”.
ويقول المحللون إن تحقيق النمو سيكون مقرونا بمدى التحكم في التوازنات المالية مع تنفيذ برنامج الإصلاح بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتحصيل إيرادات من قطاعات إستراتيجية في مقدمتها السياحة وأيضا قوة الدينار.
وذكر البيان الصادر الجمعة عن الصندوق أن التضخم في السوق الأردنية سيظل منخفضا عند اثنين في المئة، وذلك بفضل “التزام البنك المركزي الأردني الراسخ بالاستقرار النقدي وحماية ربط سعر الصرف. ويظل القطاع المالي سليما وممولا بشكل جيد”.
ومن المتوقع أن يتقلص عجز الحساب الجاري إلى 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مما يساعد على بناء احتياطيات البنك المركزي الأردني بشكل أكبر، وأن يتسع قليلا إلى 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وفق البيان.
وخلال زيارة بعثة الصندوق توصل الفريق مع السلطات الأردنية إلى اتفاق بشأن المراجعة الثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد، مشيرا إلى أنه “تم الوفاء بجميع معايير الأداء الكمية والمعايير الهيكلية للمراجعة الثانية”.
وبموجب إتمام هذه المراجعة سيتيح الصندوق 131 مليون دولار أخرى من حجم البرنامج المتفق عليه سابقا، والبالغ نحو 1.2 مليار دولار، مما يشير إلى أن المؤسسة الدولية المانحة تبدو راضية عن مسار الإصلاحات الأردنية.
ودخل الصراع في غزة قبل أيام عامه الثاني، كما توسع الشهر الماضي إلى لبنان، حيث صعدت إسرائيل الحرب مع حزب الله وقتلت العديد من قادته في مقدمتهم أمنيه العام حسن نصرالله، وتواصل قصف العديد من المناطق المختلفة.
هذا التوسع أدى إلى تدخل إيراني، حيث أطلقت الأسبوع الماضي وابلا من الصواريخ على إسرائيل، التي تعهدت بالرد على هذه الضربات، ما يثير القلق من توسع إضافي لرقعة الصراع.
في المئة النمو المتوقع للاقتصاد في 2024 انخفاضا من 2.6 في المئة، وفق صندوق النقد
وشعر الأردن مبكرا بآثار الصراع، ففي يناير الماضي لفت وزير السياحة الأردني مكرم القيسي إلى أن القطاع السياحي الحيوي تضرر بشدة، إذ خسر نحو نصف الحجوزات الفندقية، وانخفض الإقبال على المطاعم بنسبة 60 في المئة.
كما أشارت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في الشهر ذاته إلى أن العجز الكبير في الميزانية، مقارنة بنظيراتها من الدول ذات التقييم الائتماني المماثل، يمثل نقطة ضعف ائتماني.
وأرجعت الوكالة تأكيد تصنيفها للأردن عند بي.بي- بنظرة مستقبلية مستقرة، إلى تقديرات بأن الصراع سيساهم في توسيع عجز الميزانية لعام 2024 إلى 7 في المئة من الناتج المحلي مقارنة بتوقعات سابقة عند 5.3 في المئة.
وذكرت فيتش في تقريرها آنذاك أن معظم التأثير سيكون من تراجع إيرادات قطاع السياحة التي قد تتأثر من انخفاض أعداد السائحين الأوروبيين والأميركيين.
وبحسب الوكالة، فإن اتساع نطاق الصراع أو استمراره إلى ما بعد النصف الأول من العام الجاري، من شأنه أن يهدد النمو الاقتصادي في الأردن، وقد يزيد من عجز الموازنة بأكثر من سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم ذلك يرى خبراء فيتش للتصنيف الائتماني أن قرض صندوق النقد من شأنه أن يخفف من مخاطر التمويل الخارجي، ويدعم زخم الإصلاح وثقة المستثمرين.
ومطلع 2024 حذر منتدى الإستراتيجيات الأردني من أن الحكومة ستواجه تحديات كبيرة لجعل الاقتصاد يمتص تأثيرات الحرب في غزة على الاقتصاد المحلي خلال العام الحالي والمقبل.
وسلط المنتدى في تحليل بعنوان “مخاطر الأردن بعد الحرب على غزة: هل تغيرت أو بقيت كما هي؟” الضوء على المخاطر المتوقعة على البلاد، ومقارنتها مع المخاطر التي رصدها المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في تقريره “المخاطر العالمية لعام 2024”.
وأشار التحليل إلى أنه وفق نتائج تقرير دافوس، فإن البطالة من بين أبرز المخاطر الخمسة المتوقع أن تكون الأكثر تأثيرا على الاقتصاد الأردني، تلاها الدين العام والتضخم والانكماش الاقتصادي والأمراض المعدية.
ويواجه الأردن، وهو إحدى الدول العربية الأكثر اعتمادا على المساعدات الخارجية، فعليا تحدي قلة الأراضي المستخدمة للزراعة.
وتشير التقديرات إلى أن الأردنيين يزرعون 25 في المئة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة وسط شح المياه الذي يفرض استخدام تقنيات بيئية وهندسة وراثية تزيد الإنتاجية.