صعّدت جماعة الإخوان المصرية وشخصيات محسوبة على المعارضة حملاتهما ضد النظام المصري خلال الأيام الماضية، في محاولة لإحراجه سياسيا، على خلفية صدور قرار رئاسي باختيار وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، والذي عمل في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك ضمن تشكيل هيئة استشارية اقتصادية تابعة لمؤسسة الرئاسة في مصر.
وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تعيين بطرس غالي عضوا في المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، ما دفع أصواتا إخوانية إلى استثمار القرار والسعي لتأليب الشارع ضد السلطة بدعوى أن ذلك يمهد لإجراءات اقتصادية أكثر صعوبة.
وتتزامن عودة يوسف بطرس غالي إلى المشهد الاقتصادي بقرار رئاسي مع معاناة البلاد من أزمة تضخم وديون خارجية وتذبذب في موارد الدولة من العملات الأجنبية، ما جعل النظام المصري يستعين بوجوه قديمة لها خبرة اقتصادية.
وحمل التصعيد الإخواني ضد السيسي رغبة في البحث عن ثغرة أو موقف لإحراجه سياسيا، واتهام الحكومة بالفشل في حل الأزمة الاقتصادية، ما دفعه إلى اللجوء لأحد رجال نظام مبارك الذين اتهموا بالسرقة وإهدار المال العام وزيادة معاناة الناس حتى قاموا بثورة شعبية.
بعيدا عن أهداف وخلفيات الاستعانة بوجوه قديمة، فإن النظام المصري مطالب بإيجاد حلول جذرية لإخفاقات الملف الاقتصادي، لأنه الثغرة التي ينفذ منها الخصوم لتأليب الشارع
وعاد غالي إلى مصر بعد تبرئته من جانب القضاء المصري من عدة قضايا فساد، وقضى نحو ثلاثة عشر عاما في بريطانيا، عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك التي أسقطته.
ويوسف بطرس غالي هو ابن شقيق الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي، وينتمي إلى عائلة لها تاريخ سياسي مع أنظمة مصرية مختلفة.
وتولى يوسف غالي خلال فترة حكم مبارك حقيبة المالية، وقبلها الاقتصاد والتعاون الدولي، وشغل منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وارتبط اسمه بقضايا فساد حوكم فيها، منها قضية “فساد الجمارك”، حيث واجه اتهامات بالتربح، وقضية “اللوحات المعدنية” مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وقضية “إهدار أموال المعاشات”. وبسببها جميعا حُكم عليه بالسجن قبل أن يستأنف ويحصل على البراءة.
وروّجت منابر إخوانية لتدخل السيسي لرفع اسم غالي من القائمة السوداء، والضغط على القضاء لتبرئته، لكنه حصل على البراءة منذ سنوات وليس قبل أيام أو أشهر، كما أن السيسي لا يملك صلاحيات دستورية للعفو عن متهمين يُحاكمون قضائيا، ما لم تصدر ضدهم أحكام نهائية.
ودافع البعض عن النظام المصري من بوابة أن الاستعانة بوجوه اقتصادية لها مكانة دولية في هذا التوقيت تُحسب للسلطة لا عليها، حيث وصف رجل الأعمال نجيب ساويرس عودة غالي بأنها قرار حكيم، وأكد أعضاء في مجتمع الأعمال والاستثمار أن الاستعانة بغالي كانت طلبا رئيسيا لهم.
ويختص المجلس الذي عُيّن فيه وزير المالية الأسبق بدراسة واقتراح السياسات الاقتصادية والإنتاجية العامة للدولة، ووضع خطط زيادة الإنتاج وتعظيم الاقتصاد القومي، وبحث الحلول للقضاء على المعوقات المؤثرة على النمو الاقتصادي، وتقديم الدراسات عن الأسواق الخارجية والتوسع في تصدير المنتجات المصرية إليها.
وبدا النظام المصري أكثر صلابة في مواجهة الحملة التي طالته، حيث لم يكترث بخطاب تحطيم المعنويات الذي يتبناه الإخوان وشخصيات معارضة مختلفة، وظهر ذلك في عدم مبادرة وسائل الإعلام الحكومية للدفاع عن غالي أو تجميل صورته.
وقال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن صمت النظام على محاولة إحراجه رسالة غير مباشرة إلى الإخوان وغيرهم، يفيد مضمونها بأن السلطة قوية ولا تهتز، ومن يتسابق معها سيكون خاسرا، ولن تنجر إلى معارك لها أهداف مشبوهة، أو تقدم إلى خصومها خدمة مجانية وتجعل لهم وزنا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الاستعانة بوجوه قديمة لها خبرات دولية تُحسب للحكومة، بعيدا عن الحقبة السياسية التي عملت فيها، ونظام الرئيس السيسي لا يتحرك بأهواء أشخاص وليست لديه مراكز نفوذ يمكن أن تستفيد من مناصبها.
والواضح أن السيسي يحرص على أن يكون وحده صاحب القرار في عودة أيّ من رجال مبارك إلى الواجهة مرة أخرى، حيث يتمسك بأن يحدث ذلك وفق مقتضيات محددة، وطبيعة الاستفادة التي ستعود على الدولة من وراء تلك الشخصية.
وكان السيسي صاحب اختيار علي مصيلحي وزير التموين في عهد مبارك، ضمن تشكيلة الحكومة السابقة، بحكم خبراته في إدارة الملف. وهو أيضا من سمح بعودة مفيد شهاب، أحد أبرز رجال القانون في النظام الأسبق، ليدير مع أجهزة الدولة بعض المعارك القانونية المرتبطة بقضايا لها بُعد دولي أو إقليمي.
وعاد من رجال الأعمال البارزين في حقبة مبارك هشام طلعت مصطفى، الذي كان قد حُكم عليه بالسجن قبل أن يُفرج عنه لأسباب صحيّة، وصار أحد أضلع الدولة في قطاع الاستثمار، وشريكا موثوقا به في مشروعات عقارية ضخمة.
يوسف بطرس غالي هو ابن شقيق الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي، وينتمي إلى عائلة لها تاريخ سياسي مع أنظمة مصرية مختلفة
وتُبرهن الطريقة التي عاد بها غالي إلى المشهد على أن نظام السيسي لا يكترث بخطاب شعبي يدعو إلى إقصاء رجال العهد القديم كليّا، بدعوى أن الناس لن يتقبلوا عودة هؤلاء طالما يُمكن للدولة أن تستفيد من خبراتهم، وفق مساحة معينة للحركة.
ولدى يوسف غالي قاعدة علاقات وطيدة داخل المؤسسات الدولية والاقتصادية الكبرى، إضافة إلى الخبرة في دولاب العمل الحكومي والاقتصادات الناشئة والمتعثرة، وسبق تكليفه من صندوق النقد الدولي عام 2016 بوضع خطة لإخراج اليونان من الإفلاس، وشارك في برنامج الإصلاح الاقتصادي بدولتي نيجيريا وأنغولا.
وتُدرك الحكومة المصرية أن جزءا من خلخلة الأزمة الاقتصادية مرتبط بأن تكون على مقربة من مؤسسات التمويل الدولية عبر شخصيات تابعة لها، خاصة وأن لديها التزامات مع صندوق النقد على مستوى القروض وتنفيذ الاشتراطات والمعايير المطلوبة، وسبق أن ترأس غالي اللجنة النقدية والمالية بالصندوق.
وترتبط مخاوف البعض بأن وزير مالية مبارك لديه رؤية اقتصادية تختلف عن توجهات السيسي وحكومته، لكن هناك من يرى أن تلك نقطة إيجابية تعبر عن عدم تمسك النظام بوجهة نظر ضيقة تسببت في الكثير من العثرات، ولديه مرونة في مراجعة بعض السياسات الخاطئة.
وتركزت جهود السيسي منذ وصوله إلى السلطة على إعادة بناء الدولة اقتصاديا وتنمويا، لكنه اصطدم بقدرات ضئيلة على الأرض وشح في الكفاءات التي تحقق ذلك؛ فهناك نهضة في عدة مجالات، مقابل تعقد الأزمة في قطاعات أخرى ما انعكس على ضعف معدلات التنمية، في حين نجح يوسف غالي مع وزراء المجموعة الاقتصادية خلال عهد مبارك في جعل مصر تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي قبل عام 2011.
ويقول مراقبون إنه بعيدا عن أهداف وخلفيات الاستعانة بوجوه قديمة، فإن النظام المصري مطالب بإيجاد حلول جذرية لإخفاقات الملف الاقتصادي، لأنه الثغرة التي ينفذ منها الخصوم لتأليب الشارع. ومهما نجحت الدولة في القضاء على الإخوان أمنيا وسياسيا، فإن سوء إدارة الأزمة الاقتصادية يعني أن خطرهم لن يزول بسهولة.