سانتو أنطونيو هو من بين ثلاثة سدود ضخمة في أعماق غابات الأمازون الممطرة والخصبة بالبرازيل. وكانت السدود الضخمة التي تتحرك توربيناتها نتيجة تدفقات الأنهار الطبيعية بدلا من مياه الخزانات الشاهقة رهان الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على مستقبل أخضر عندما كان في السلطة لأول مرة في أواخر القرن العشرين.
وأمكن تشييد سدود سانتوأنطونيو وجيراو وبيلو مونتي في غابات الأمازون المطيرة رغم معارضة الجماعات البيئية. ويعدّ بيلو مونتي، الذي انطلق تشغيله سنة 2016، رابع أكبر سد في العالم، لكن السدود الضخمة تعمل بأقل من طاقتها مع تقلص منسوب الأنهار بسبب الجفاف القياسي في الأمازون. ويسلط هذا الضوء على كيفية تحول تغير المناخ إلى تحد متزايد لطموح البرازيل الأخضر.
وقال مرشد سياحي شملت مناطق تجواله هذا العام سد سانتو أنطونيو “تختلف هذه المحطة عن محطات الطاقة القديمة، فهي تعتمد على النهر وسوف تتوقف عن العمل إذا جف النهر". واضطرت إدارة السد إلى التخلي عن 43 توربينا من أصل 50 في مطلع سبتمبر حيث اقترب منسوب النهر من مستوى قياسي منخفض بسبب الجفاف. وكان قد اضطر إلى الإغلاق تماما لنفس السبب لمدة أسبوعين في أكتوبر 2023.
وعملت السدود الثلاثة الضخمة بجزء بسيط فقط من طاقتها الكاملة في سبتمبر، مما فاقم الاتجاه الذي فشلت فيه شركات الطاقة الكهرومائية باستمرار، حيث لم تتمكن من تلبية “الحد الأدنى من إنتاج الطاقة المضمونة” المنصوص عليه في عقودها مع الحكومة. وذكرت البيانات الحكومية أن سانتو أنطونيو نشط بأقل من 10 في المئة من طاقته الكاملة في أول 20 يوما من سبتمبر، وجيراو بنسبة 5 في المئة، وبيلو مونتي بأقل من 3 في المئة.
وعلى سبيل المقارنة، عمل سانتو أنطونيو وجيراو بحوالي ضعف السعة في نفس الفترة من سنة 2021، التي شهدت فيها منطقة الأمازون البرازيلية الأمطار الغزيرة. ويقول الخبراء إن الوضع قد يتدهور مع تكرر موجات الجفاف في المستقبل. وقالت نورتي إنيرجيا، الشركة التي تدير بيلو مونتي، إن “الدراسات تشير إلى أن فترات الجفاف الشديد ستصبح أكثر تواترا في جميع مناطق البرازيل".
بدائل مكلفة
وتوقع تقرير صدر في 2015 بتكليف من الحكومة أن إمكانات الطاقة من تدفقات الأنهار الطبيعية في البرازيل ستنخفض بين 7 و30 في المئة بحلول 2030. وتمثل الطاقة الكهرومائية 47 في المئة من إنتاج الطاقة في البرازيل. ويجعلها هذا حجر الزاوية في طموح لولا لتحويل البلاد إلى مصدر صاف للطاقة الخضراء.
وكان رهان لولا على سدود الأنهار يهدف إلى تأمين الطاقة الرخيصة التي ستخلّف تأثيرا أقل على البيئة من السدود التقليدية التي تعتمد خزانات كبيرة. لكن الأداء الضعيف الذي سجلته السدود الضخمة في الأمازون ليس جديدا. ويثير هذا، حسب الخبراء، تساؤلات حول إستراتيجية الحكومة الخضراء.
وأبرز تحليل مؤسسة تومسون رويترز للبيانات من مشغل النظام الكهربائي الوطني أن سدود سانتو أنطونيو وجيراو وبيلو مونتي لم تتمكن من إنتاج “الحد الأدنى من الطاقة المضمونة” المحدد في العقود بين شركات الطاقة الكهرومائية والحكومة الفيدرالية في أي سنة منذ أن انطلق إنتاجها في 2010.
وحُدد “الحد الأدنى من الطاقة المضمونة” بأنماط تدفق النهر التاريخية، لكن سيليو بيرمان، الأستاذ في معهد الطاقة والبيئة بجامعة ساو باولو، قال إن التاريخ ليس مؤشرا كبيرا على مستويات الأنهار في المستقبل مع تواصل تغير المناخ. وقالت شركة إلكتروبراز، التي تدير سانتو أنطونيو، إن الحد الأدنى لإنتاج الطاقة المضمون في السد، والبالغ 2.31 غيغاواط، يستند إلى مستويات النهر القديمة التي “لا تعكس التغيرات الشديدة التي لوحظت خلال السنوات الماضية”.
وتضطر شركات الطاقة الكهرومائية إلى شراء الكهرباء من منتجين آخرين في السوق الفورية للوفاء بالتزاماتها التعاقدية مع انخفاض منسوب مياه الأنهار، وغالبا ما تتكبد تكلفة مالية باهظة.
السلطات تقرر اعتماد الوقود الأحفوري الملوث والمكلف مع انخفاض إنتاج الكهرباء من السدود في الأمازون
وقال المستشار في قطاع الطاقة ماريو داهر “ستفلس محطات الطاقة الأمازونية إذا لم ترتفع مستويات المياه خلال السنوات التالية". وتحدد بيانات وكالة تنظيم الكهرباء البرازيلية أن الحد الأدنى من إنتاج الطاقة المضمونة يبلغ 2.1 غيغاواط بالنسبة لجيراو، و4.41 بالنسبة لبيلو مونتي. وقررت السلطات اعتماد الوقود الأحفوري الملوث والمكلف مع انخفاض إنتاج الكهرباء من السدود الضخمة في الأمازون.
وتعمل الحكومة اليوم على تشييد 15 محطة إضافية تعمل بالغاز، يقول معهد أرايارا الدولي غير الربحي إنها ستعزز قدرة توليد الغاز الطبيعي في البرازيل بنسبة 30 في المائة على الأقل، مما سيزيد انبعاثات الكربون الصادرة عن البلاد. ويقترح تقرير أغسطس الذي شارك في تأليفه معهد الطاقة والبيئة غير الربحي اعتماد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحويل سدود الطاقة الكهرومائية الأصغر إلى “سدود تخزين الطاقة الكهرومائية التي تُضخ".
وتكمن الفكرة في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عندما يكون الجو مشمسا وعاصفا للمساعدة في ملء خزانات المياه التي يمكن استخدامها لاحقا لتوليد الكهرباء عندما تغيب الشمس وتخف الرياح. ونمت طاقة الشمس والرياح بسرعة على مدى السنوات الخمس الماضية في البرازيل وتمثل الآن، وفق بيانات مكتب أبحاث الطاقة في البرازيل،29.4 في المئة من قدرة الطاقة في البلاد.
وقال فينيسيوس أوليفيرا دا سيلفا، الباحث في معهد الطاقة والبيئة غير الربحي “يمكن أيضا تعزيز إنتاج سانتو أنطونيو وجيراو وبيلو مونتي عبر تشييد المزيد من السدود على طول النهر كما كان مخططا في الأصل". لكن هذا سيكون مثيرا للجدل نظرا لدرجة معارضة السدود الأصلية وسجلها المخيب للآمال.