تتزايد وتيرة المخاوف المصرية من التأثيرات السلبية لتوافد الفارين من الصراع الدائر في السودان مع طول أمد الحرب، وفي ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية داخلية صعبة تتطلب توازنا بين احتواء الهاربين من المعارك والحفاظ على التماسك الداخلي، وعدم خلخلة الحالة الأمنية بعد أن حققت الأجهزة المصرية نجاحات على مستوى التعامل مع أخطار الإرهاب ووأد مساعي إثارة الفتن والانتقال إلى حالة الرخاوة الأمنية التي سعى تنظيم الإخوان إلى الوصول إليها طيلة السنوات الماضية.
ويعبّر قرار فرض قيود جديدة على دخول السودانيين القادمين من دول أخرى أخيرا عن سعي لتقييد دخول الحاصلين على الجنسية السودانية إلى مصر مع ضمان عدم تعرضها لانتقادات دولية في حال طبقت ذلك على السودانيين الهاربين من الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع في ولايات مختلفة، وتترك الباب مواربا أمام وصول المزيد من النازحين إليها دون أن يقتصر الأمر على السودانيين المقيمين بدول أخرى.
وتضمنت القرارات التي أعلنتها مصلحة الجوازات المصرية (تابعة لوزارة الداخلية) أن يحصل أصحاب الجنسية السودانية والقادمون من دول أخرى غير السودان على موافقة أمنية مسبقة من السفارات المصرية بالدول القادمين منها، وتأشيرة الدخول، ودخل القرار حيز التنفيذ بدءا من الثامن عشر من سبتمبر الجاري، وتم إلغاء التعليمات السابقة التي كانت تسمح بدخول السودانيين بعد الحصول على تأشيرة مسبقة مشفوعة بمحل إقامة بدول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي.
ونصّت ضوابط السلطات المصرية على “السماح بدخول السودانيين حاملي تأشيرات الدخول المسبقة، الصادرة من السفارة المصرية بالسودان، مدوّن بها ‘معروف لدى البعثة’ دون الحصول على موافقة أمنية”، ما يعنى أن القرارات ليست سارية على القادمين من الأراضي السودانية.
وقال اللواء محمد نورالدين مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق إن الإجراءات تستهدف التعرف على خلفيات القادمين إليها من دول عدة حول العالم، وهي إجراءات متبعة في عدد كبير من دول العالم وليس الهدف منها تقييد دخول السودانيين إلى مصر، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية تضع أمام أعينها أسوأ السيناريوهات المرتبطة بإمكانية دخول أشخاص قد تتم عملية تجنيدهم في الخارج لإحداث قلاقل في الداخل المصري.
وأضاف نورالدين في تصريح لـ”العرب” أن حالة السيولة الأمنية التي يعانيها السودان ووجود مخططات لهدم الدول يستلزمان اتخاذ إجراءات أمنية على نحو أكبر لضمان التعرف على هوية من يدخلون الأراضي المصرية، وهي عملية تستهدف الحفاظ على الأمن القومي، والموافقة الأمنية إجراء متبع مع العديد من الجنسيات وليس السودانيين فقط.
وسبقت الإجراءات الأخيرة، قرارات اتخذتها السلطات المصرية بتحديث عمليات دخول السودانيين إلى أراضيها، واشترطت في نهاية أغسطس الماضي، ضرورة تقديم جميع السودانيين قبل الحصول على تأشيرة دخول “شهادة صحية معتمدة وموثقة من وزارة الصحة السودانية لتطعيم شلل الأطفال”، وطالبت بأن يتم تطبيق ذلك مع بداية أكتوبر المقبل، أي مرور 4 أسابيع على التطعيم، قبل تاريخ الوصول إلى مصر، وبما لا يتجاوز 12 شهرا من التطعيم.
وقاد طوفان اللجوء إلى مصر هربا من الحرب في السودان إلى تواجد أعداد هائلة في محافظات مصرية مختلفة، ما يثير حفيظة الأجهزة الأمنية التي تخشى من التأثيرات السلبية في حالة كان لدى البعض نوايا للوقيعة بين مصريين وسودانيين، أو جرى توظيف اللاجئين سياسيا ضد الدولة المصرية، مثلما وظف تنظيم الإخوان اللاجئين السوريين أثناء ثورة الثلاثين من يونيو 2013 والأحداث التي تلتها، وفي ذلك الحين اشترطت السلطات المصرية الحصول على موافقة أمنية مسبقة لدخول السوريين أراضيها.
وأدى ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في مناطق تمركز السودانيين على نحو يفوق قدرة المصريين على الاحتمال إلى تدخل السلطات للحد من وصول المزيد إلى هذه المناطق، وضمان عدم تحول السودانيين إلى قنبلة موقوتة يمكن انفجارها لاحقا.
وتبعث الحكومة المصرية رسائل للداخل مفادها بأنها جادة في اتخاذ إجراءات تخفف من وطأة الضغط عليهم، وتسعى للتأكيد على أنها لا يجب أن تتحمل بمفردها فاتورة الحرب مع الإصرار على عدم وقف القتال، الأمر الذي يهدد ثوابت الأمن القومي.
ووصف رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف (حقوقي) أيمن نصري قرار الحكومة المصرية الأخير بـ”الإيجابي”، ويحمل شقا أمنيا لأن طرفي الصراع لديهما أذرع في أماكن مختلفة خارج السودان يمكن تجنيدها، وغالبية من تورطوا في أعمال إرهابية سابقا على الأراضي المصرية جرى تجنيدهم بالخارج.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القرار يحمل أبعادا أمنية، ويؤكد أن الدولة المصرية رصدت خطرا ما تحاول التعامل معه مبكرا، وربما هناك نمط دخول من دول بعينها تكرر الفترة الماضية وتطلب التدخل للتعاطي معه أمنيا، وأن من يأتون من دول عربية وأجنبية ليست معلومة خلفياتهم بصورة كبيرة وتبقى لدى الدولة رغبة في التعرف على هوياتهم وموقفهم من الحرب، وهي لم تضيق الخناق على الفارين من الحرب داخل السودان.
وأشار إلى أن القرار يهدف إلى تقليل توافد السودانيين من خارج مناطق الصراع ويمنح الأولوية لمن يفرون من النزاع المسلح حاليا، ما ينفي وجود نية مبيتة للحد من أعداد السودانيين، وأن القاهرة لديها مبادئ تحافظ عليها فهي ترفض أن يكون جهدها الإنساني الذي تقدمه للدول التي تشهد صراعات مقدما على حساب أمنها القومي، وثمة قناعة بأن القدرة على ضبط الأوضاع تمنح حرية حركة خارجية في ملفات عدة.
وتشترط السلطات المصرية على السودانيين المقيمين بأراضيها تقنين وضع إقامتهم بإصدار تصاريح الإقامة القانونية، ووفقا لوزارة الداخلية المصرية، ووزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبدالعاطي، فإن مصر “أكبر دولة مجاورة للسودان استضافت سودانيين منذ اندلاع الحرب، وعلى مدار عشرات السنين الماضية".
وفي بداية اندلاع الحرب في السودان سهلت مصر إجراءات دخول السودانيين الفارين من الحرب، وبعد نحو شهرين من الصراع ألزمت الحكومة المصرية جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة من أجل دخول البلاد، وقالت حينها إنها فرضت هذا الإجراء بعد رصد “أنشطة غير مشروعة” منها إصدار تأشيرات مزورة.
واعتبر أيمن نصري في حديثه لـ”العرب” أن القرارات والإجراءات الداخلية التي تتخذها الحكومة المصرية بشأن الوافدين خاصة عند الاستفادة من الخدمات العامة مثل الصحة أو التعليم ترتبط بارتفاع أسعار هذه الخدمات على المصريين أنفسهم، وترى أنها تقدم تسهيلات لا تقدم للاجئين في أي دولة أخرى، وهي تهدف إلى التأكيد على أن الاستمرار في الوضع القائم مع طول أمد الحرب ليس مقبولا، خاصة وأنه لا توجد بشائر يمكن أن تشي بوقف الصراع على المدى القريب.