أبدعت الكاتبة والأكاديمية إيمان البقاعي في كتابة القصص والروايات الموجهة للأطفال، وهي تعد من أبرز الشخصيات في مجال أدب الأطفال، كما أنها أستاذة الأدب العربي وأدب الأطفال والشباب في الجامعة اللبنانية الدولية، وأستاذة الكتابة الأكاديمية، وبين الجانبين الأكاديمي والتأليف أسهمت في تنمية الخيال لدى الأجيال الناشئة وزرع القيم الإنسانية، خاصة من خلال أعمالها الأدبية.
نغوص معها في عالم الكتابة للأطفال، ونتعرف على رحلتها الأدبية، وكيفية استلهامها للأفكار التي تجذب عقول الأطفال وتلامس قلوبهم. كما نتطرق إلى التحديات التي تواجهها في هذا المجال وأهمية الأدب في بناء شخصية الطفل.
خصائص أدب الطفل
لإيمان البقاعي ما يزيد عن 150 قصة ورواية منشورة للأطفال والناشئة، وروايات وقصص قصيرة للكبار، ولها كتب أكاديمية ودراسات في أدب الأطفال والناشئة، وهي تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي (اختصاص أدب الأطفال والشباب)، وعضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين.
في حديثها لـ”العرب” تؤكد البقاعي أن المواصفات التي يجب توافرها في النص المقدم إلى الطفل معرفة الأطوار، وقد عني علماء التربية بدراسة أنواع القصة على أساس الفكرة لمعرفة أيها أكثر ملاءمة للطفل والمراهق والبالغ في أطوار النمو العقلي والوجداني المختلفة. وهم – وإن كانوا غير متفقين على بدء هذه الأطوار ونهايتها – فقد حددوها تحديدا إجماليا كما يأتي: الطور الواقعي المحدود بالبيئة (ب) طور الخيال الحر (ت) طور المغامرة والبطولة (ث) طور الغرام (ج) طور المثل العليا.
وتضيف “لقد اعتمدت دراسات القصة وعلاقتها بالنمو، إلى جانب النمو العام، على: اللغة، الصور، الخيال، وعلاقة كل هذا بما يقدم إلى الطفل والناشئ من قصص. فاستنادا إلى الخصائص التي يتميز بها الأطفال في عملية التخيل، يتحدد المضمون الثقافي المناسب والشكل الذي يسكب فيه. وفي كل الأحوال، فإن “كل نوع فني أو أدبي مقدم إلى الأطفال يتطلب قدرا من الخيال يتوافق ومستوى النمو الخيالي للأطفال، ويزيد في الوقت نفسه من مستوى ذلك النمو”.
وتتابع البقاعي “لا بد من التوقف عند ‘أهمية الشروط التربوية‘ في قصة الأطفال بحيث لا يمكن التضحية بها، ولو بصورة جزئية أو مؤقتة، في سبيل تحقيق حبكة قصصية ناجحة أو الوصول إلى قصة فنية جيدة شكلا ومضمونا”.
وتحدد سبل استخدام الشروط التربوية الضرورية في أدب الطفل، بداية بـ”ألا ينظر إليها كعوامل معيقة تحد من حرية القاص في الانطلاق، خاصة وأن العلم بها يمثل القاعدة التي لا غنى عنها لتشييد صرح قصة أطفال ناجحة وسليمة. وثانيا ألا تطغى على مسار القصة فتصبح الأخيرة جافة، مليئة بالأوامر والنواهي والجو المدرسي المصطنع”.
وعن علاقة قصة الأطفال بالقيم، تجيب الكاتبة بأن هناك أيضا توصيات أهمها أنه على كاتب قصة الأطفال أن يطرح قيما شاملة، ثم عليه كذلك أن يتطرق إلى معالجة قيم: الشر، التهور، تشرد الأطفال، الطلاق، الموت، الإعاقات بأنواعها، الإدمان، الاستغلال، والعلوم الحديثة وغيرها، وهي قيم قلّما تعالج”.
وتضيف “كما على كاتب قصة الأطفال ألا يقع في شرك ارتباك تقديم قيمة مّا ممّا يقلل من قيمة العمل القائم أساسا على تكامل العناصر التربوية والفنية. وعليه أيضا أن يرفض الكتابة ‘على الطلب‘، لئلا يقع في خلل تقديم قيمة لم يتعمق بدراستها. على أن القصة يجب أن تحقق إلى جانب الهدف التربوي المغير والمنمي- الشروط النفسية (السيكولوجية) التي تبعدها عن كونها مجرد درس أخلاقي”.
وتشدد البقاعي على أنه لا نتوقف عند الأهداف التربوية فهناك أهداف نفسية وفكرية ولغوية وخيالية وسردية وفنية تتعلق باللوحات، وكلها لها علاقة بالأطوار إذ لا يمكن أن تعامل أدب الأطفال والناشئة كما تعامل أدب الكبار.
نسألها عن الصورة وعن أهمية الرسوم التي ترافق القصة الموجهة إلى الصغار، تجيبنا مؤكدة “طبعا وهي مفصلة تفصيلا حسب الأطوار أيضا، فلا لوحة تنطبق عليها صفات عامة، لكل مرحلة لوحات لها شروطها ولو أردت التحدث عنها احتاج الأمر إلى أكثر من خمسين صفحة”.
أما عن الجوائز التي حازتها البقاعي، وهل ترى أن الجوائز في الوقت الحاضر تصل إلى من يستحقها؟ تقول لـ”العرب” “لم أقدم لنيل جائزة ولا أتابع من ينالها لأن الجوائز عندنا تعطى حسب الوساطة. لا يهمني الموضوع أبدا”.
هناك تأثيرات كبيرة للتكنولوجيا الحديثة على أدب الطفل، ويرى الكثيرون أنها أدت إلى تقلص رغبة الأطفال في كتب القصص، علاوة على ذلك فواقع النشر العربي في أدب الطفل مرتبك، وهذا ما تشير إليه البقاعي في نظرتها إلى هذا الواقع من خلال تجاربها الشخصية، تقول “ربما تسيطر عليه التجارة التي تقوم بها دور النشر والتي تفتقد تقييم الأعمال قبل نشرها لأنه لا اختصاص لأدب الأطفال يطبق عندما تنشر الأعمال بل الكلفة والربح”.
حال الثقافة
لدى سؤال البقاعي هل يختلف أدب الطفل عن غيره من الآداب؟ وأين تكمن صعوبته في نظرها، تقول “يختلف لأنه له مراحل يجب التقيد بها، فإذا كنت أديب أطفال يجب أن تعرف إلى من تتوجه من هذه المراحل وهل تقيدت بشروطها؟”.
وعن الرسالة التي توجهها ككاتبة لكل من يهتم بأدب الأطفال، تقول “أن يكونوا أدباء حقيقيين يمتلكون موهبة الكتابة لا تربويين يدعون معرفة ما يقدم للطفل لمجرد أنهم تربويون حتى ليتطاولوا على الكتابة ويكتبوا لهم”.
أما عن رأيها في حركة أدب الطفل بشكل عام في العالم العربي وهل الطفل أخذ مكانته وحقه في المجتمع، فتجيبنا البقاعي “قلائل هم المبدعون وكثر هم التجار. الطفل؟ نعم أخذ حقه والدليل أنه يقتل ويهجّر ويطرد من مدرسته إذا لم يكن لدى أهله قسط مدرسي، وكذلك لا ترى حتى في القنوات التلفزيونية والإذاعية وغيرها برنامجا يتوجه إليه. إنه مسحوق كما الكبار”.
وحول أسماء كتّاب أدب الطفل الحاليين من وجهة نظرها، تذكر روز غريب من لبنان، “هذه الكاتبة قامت بما لم تقم به دور النشر وبما لم تقم به دولة وبما لم يقم به أديب أطفال” كما تقول.
وحول سؤال لمن يكتب المثقف العربي حاليا في ظل ثقافة التريندات ومواقع التواصل والتيك التوك؟ تجيبنا الكاتبة اللبنانية “يكتب للسطحيين الذين يريدون لقمة سهلة سريعة، فهم على عجل ولا وقت لديهم للتمعن في أيّ موضوع”.
معجم مصطلحات أدب الأطفال والشباب عمل جهزته البقاعي منذ حوالي عشرة سنوات، وهو فريد من نوعه لعدم وجود معجم كهذا عالميا. تسألها “العرب” لماذا لم يطبع حتى الآن؟ فتجيبنا “لم ينشر لأنه في حاجة إلى تمويل، ولو كان كتابا أصفر لوجد ممولين لكنه ليس كذلك”.
أما عن الإعلام إن كان أنصفها أو لا، تقول “لي مؤلفات كثيرة جدا ما بين قصص للأطفال وروايات ودراسات أدبية ونقدية، بعض النقاد المثقفين ثقافة أكاديمية أنصفوني، أما المتسلقون فلا يهمهم موضوعات ما أكتب”.
وإجابة عن تساؤلنا لماذا اقتصرت كتاباتها للقصة القصيرة جدا؟ هل أن القارئ لم يعد يقرأ؟ تقول كونها إيمان البقاعي “أنا أصلا أحب كتابة القصة القصيرة لا بسبب القارئ لكن القصة القصيرة مكثفة وتعطيك انطباعا مكثفا جميلا. القارئ طبعا لم يعد كما في أيامنا يقرأ روايات طويلة لكن هذا ليس السبب الذي من أجله أكتب القصة القصيرة، فأنا لا أتعامل مع الكتابة معاملة البائع والزبون. أنا أكتب لأنّ فكرة داهمتني ولا أستطيع ألا أكتبها”.
وأضافت حديثها لـ”العرب” قائلة إن طموحها أن يصير “مثقفونا” مثقفين.