يشهد موسم الصيف في مصر حركة مسرحية ظهرت ملامحها مع توالي العروض المقدمة في مهرجان العلمين الجديدة، على الساحل الشمالي الغربي لمصر، وتنوع الأعمال التي تقدم على مسارح الدولة في محافظات مختلفة وشهدت نحو إحدى عشرة مسرحية بإشراف قطاع شؤون الإنتاج الثقافي خلال فعالياته الصيفية.
واستفاد المسرح الخاص من التنسيق المشترك بين الهيئة العامة للترفيه في السعودية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر وتقديم مسرحيات جرى عرضها في الرياض، وانطلاق عدد من المسرحيات في مدينة العلمين مؤخرا قبل عرضها في السعودية، ما أسفر عن تقديم تسع مسرحيات في شهري يوليو وأغسطس، وهو أمر لم يحدث في السنوات الماضية على مستوى المسرح الخاص الذي غاب بشكل شبه كامل.
اجتذاب النجوم للمسرح
قدم مهرجان العلمين مسرحيات: “الشهرة” للمخرج خالد جلال بمشاركة عدد من النجوم الصاعدين، و”السندباد” بطولة كريم عبدالعزيز ونيللي كريم، ومسرحية “فيلم رومانسي” بطولة وفاء عامر وشقيقتها آيتن، ومسرحية “التلفزيون” بطولة حسن الرداد وإيمي سمير غانم، وكل هذه العروض تمت بالتعاون بين الشركة المتحدة والهيئة العامة للترفيه.
واستضافت مسارح مدينة العلمين الجديدة أيضا مسرحيات: “البنك سرقوه” بطولة أشرف عبدالباقي، و”حدوتة بعد النوم”، و”الستات عايزة إيه”، و”دكان أحلام”، و”بولاك روج”، وجميعها قامت بالبطولة فيها مجموعة من الوجوه الشبابية.
وقدم المسرح الحكومي عروضا حققت نجاحات جماهيرية هذا الصيف، بدأت في يونيو الماضي، وتنوعت بين الكوميديا والاستعراض، وتقوم على الفنون الشعبية، وأبرزها “مش روميو وجيوليت” بطولة علي الحجار ورانيا فريد شوقي، و”عامل قلق” بطولة سامح حسين وسمر علام، و”العيال فهمت” بطولة رنا سماحة، و”حازم حاسم جداً” بطولة الفنان عمرو عبدالعزيز، و”الارتيست” بطولة هنادي عبدالخالق، و”الحلم حلاوة” بطولة عدد من الشباب، و”ذات الرداء الأحمر”، و”مغامرات المدينة الأسطورية” وهي ضمن أعمال العرض المسرحي الموجه للطفل.
ويتفق العديد من النقاد على أن نشاط المسرح له صلة بتوفير الدعم المادي الذي ساهم في جذب نجوم الدراما والسينما لتقديم أعمال مسرحية بعد أن غابوا عن التواصل المباشر مع الجمهور سنوات طويلة. وتشجع معادلة العرض المسرحي، القائمة على تقديم عروض في أيام قليلة لا تتجاوز الأسبوع، النجوم على الإقبال عليها، وبدت بعض العروض بروفة لقياس القدرة على جذب الجمهور، ومدى تحقيق عوائد مادية قد تمكنها من الاستمرار، مثلما هو الوضع بالنسبة إلى مسرحية “ميمو”، بطولة أحمد حلمي وأسماء جلال، التي عرضت في موسم الرياض الماضي.
محمود قاسم: العروض الاحتفالية يصعب إدراجها ضمن تطور حركة المسرح
ولا تنفصل حركة المسرح عن الرغبة في تقديم ألوان فنية تشكل جذبا سياحيا وجماهيريا لهذه الأعمال، ويتم توظيفها ضمن خطة مصرية لمدينة العلمين والتأكيد على وجود جميع الألوان الفنية والثقافية، وتبرهن إقامة عروض مسرحية في المدينة الجديدة، مثل مسرحية “عامل قلق”، على أن الهدف هو تحقيق عناصر جذب فنية لفئات تشجع الذهاب إلى مدينة يتم الترويج لها كنموذج لاحتواء البسطاء والأثرياء.
ويقول الناقد الفني عصام زكريا إن غزارة الإنتاج المسرحي أمر إيجابي، ويأتي كرد فعل على تطورات اجتماعية وفنية، والوعي بحاجة الأجيال الصاعدة إلى التواصل مباشرة مع الفنانين بعيداً عن الصور الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون ودور العرض السينمائي، وخلق إرادة لتحقيق تواصل من خلال الالتحام مع بعض المؤثرين أو بين الجمهور وبعضه ممن يشاهدون تلك الأعمال.
ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن “المسرحيات تحقق الانبهار المفقود، وتعوض نقص التواصل المباشر بين الجمهور وجهات حكومية تجد صعوبة في مخاطبته أحيانا، فضلا عن وجود مواهب بحاجة إلى أن تظهر للعلن وتقدم نفسها للجمهور، ويعد المسرح أبا الفنون والحاضنة الأولى لظهور هذه المواهب وثقلها”.
ويشير إلى تراجع معدلات الإنتاج السينمائي والدرامي وتأثيرها، مقارنة بالقدرة على استيعاب أعداد من الموهوبين عبر المسرح، ما يفتح الباب للبحث عن منفذ يمكن أن يطور مواهب الشباب، خاصة أن الممثل في المسرح يظل في حالة تدريب متواصلة مع توالي البروفات واستمرار عروض المسرح الحكومي لعدة مواسم.
ويلفت إلى أن المسرحيات المعروضة في مدينة العلمين الجديدة أو موسم الرياض تختلف عن حركة المسرح المتعارف عليها، فهي لها أهداف متعلقة بجذب فئة محددة من الجمهور لديها قدرات مادية تقودها إلى الترفيه برؤية نجوم السينما والتلفزيون، وإن كانت هذه العروض تحقق الجذب المطلوب للمسرح، لكنها لا تستمر لفترات طويلة، وتبقى مؤقتة وقاصرة على فترة زمنية محددة، وتختلف عن أعمال مسرح الدولة كحاضنة لشباب بحاجة إلى التحام واقعي مع الفنون.
مسرحيات بعمر قصير
ما زال المسرح المصري يعاني من عدم القدرة على الدعاية والتسويق للأعمال التي يتم تقديمها، خاصة المعروضة على المسرح الحكومي، جراء تراجع القدرات المادية وعدم الاتجاه نحو وسائل حديثة تخاطب جمهور مواقع التواصل بأسعار زهيدة، ما يخلق حالة انفصال بين جمهور المسرح الشعبي وبين الأعمال المقدمة، كما أن حصرها في مدينتي القاهرة والإسكندرية (شمال) يقلل فرص الوصول إلى الجمهور.
ويؤكد الناقد الفني محمود قاسم أن العروض الاحتفالية في موسم الرياض أو العلمين يصعب إدراجها ضمن تطور حركة المسرح أو نهضته، لأنها لا تحقق المبادئ الرئيسية لنجاح العمل، وتتمثل في الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور والاستمرار في مواسم وليال متعاقبة، وأن بعض المسرحيات في مصر كانت تستمر لسبع سنوات، وتنجح في تحقيق جذب جماهيري طوال فترة عرضها.
ويشدد في تصريح لـ”العرب” على أن مسرحيات الصيف غزت محافظة الإسكندرية، ودائما ما كانت تستمر في عروضها بالقاهرة ومحافظات أخرى خلال فصل الشتاء وهذا لا يتحقق حاليا للمسرحيات الخاصة، وهي ذات عمر افتراضي قصير، كما أن الأعمال المعروضة ترمي إلى الترفيه ولا تشارك غالبا في مسابقات أو مهرجانات فنية.
ويلفت قاسم إلى أن حركة المسرح الحكومي في مصر بطيئة، وإن كانت هناك عروض جيدة، لأن بعض الأعمال جرى عرضها في السنوات الماضية ولم يتم إنتاج أخرى بديلة، وجرى تقديم غالبية العروض في مهرجانات المسرح، وهي لديها ميزانيات مالية محددة لا بد من الالتزام بها، وبالتالي يتم تقديمها بدلاً من إنتاج أخرى جديدة.
وتواجه المسرحيات التي يتم تقديمها في عدد أيام قليلة انتقادات من النقاد بسبب تراجع جودتها وعدم قدرتها على الاعتماد على كوميديا الموقف الذي ميّز المسرح المصري سابقا، وأن الاعتماد على النكات والاستمرار على صيغة قريبة من التي ابتكرها “مسرح مصر” وتقوم على كوميديا الموقف خلال السنوات الماضية يجعلان التطور يسير باتجاه مغاير. وقد يناسب ذلك الأجيال الجديدة، لكن لا يحظى بترحيب من جانب مسرحيين لا يعتدون به كأعمال مسرحية محترفة.