قرّرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، سحب اعتماد الصحافية ورئيسة تحرير موقع “توميديا” الإخباري خولة بوكريم وطالبتها بإعادته بسبب ما اعتبرته “عدم احترام واجب تأمين تغطية إعلامية موضوعية ومتوازنة ومحايدة للمسار الانتخابي وعدم التقيد بالقانون الانتخابي ومدونة السلوك وعدم احترام قواعد أخلاقيات المهنية”. ما أثار ضجة واسعة وجدد الصراعات بين الهيئة والهياكل المهنية وعلى رأسها نقابة الصحافيين.
وكشفت الصحافية التونسية عن أن سحب الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات لبطاقة اعتمادها هو بسبب ما اعتبرته الإخلال بالواجبات المنصوص عليها بقانون الهيئة الذي يتعلق بعدم احترام واجب تأمين تغطية إعلامية موضوعية ومتوازنة محايدة للمسار الانتخابي وعدم التقيد بالقانون الانتخابي ومدونة السلوك وعدم احترام قواعد وأخلاقيات المهنة.
واستندت الهيئة في قرارها بسحب اعتماد الصحافية خولة بوكريم للفصل 9 جديد من القرار رقم 10 لسنة 2024 المؤرخ في 9 يونيو 2014 ودعوتها لإرجاعها للهيئة (خلية الاعتماد). وتباينت الآراء حول خلفية القرار فهناك من أيد قرار الهيئة باعتبارها تحرص على سير العملية الانتخابية وفقا للشروط والقواعد الديمقراطية معتبرين أن جهات عديدة تعمل على تشويه صورة تونس في الخارج ومحاولة إفشال المسار الانتخابي وتشويه هيئة الانتخابات بالتعاون مع جمعيات ممولة من الخارج وأطراف يسارية متطرفة.
من جهتها، قالت الصحافية بوكريم في تصريحات صحافية إنها لن تقوم بتسليم بطاقة الاعتماد للهيئة، مشددة على تمسكها بالاستقلالية وحرية ممارسة المهنة. واعتبرت أنها التزمت وزملاءها بالحياد والموضوعية دون أي اخلال، مشيرة إلى أنها وبعد انتهاء مواكبة فترة تقديم الترشحات تحدثت عن حرمان الصحافيين من مواكبة عملية حساب التزكيات.
من جانبها، عبّرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، عن إدانتها ورفضها التام لقرار هيئة الانتخابات القاضي بسحب بطاقة اعتماد الصحافية بوكريم، معتبرة أنه “قرار مزاجي ويدخل في خانة تصفية الخطاب الناقد لعمل الهيئة وللمسار الانتخابي ومواصلة لسلسلة من الأخطاء الفادحة التي قامت بها الهيئة منذ انطلاق المسار الانتخابي".
وأضافت النقابة في بيان لها الأربعاء أن "هيئة الانتخابات غير متخصصة في مجال تقييمات التغطية الإعلامية على أسس أخلاقيات المهنة وأن كل قرارتها في هذا الخصوص منزوعة المشروعية"، ودعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للتراجع عن قرارها "غير القانوني وغير المفهوم".
ودعت عموم الصحافيات والصحافيين ووسائل الإعلام للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية أمام المقر المركزي لهيئة الانتخابات يوم الثلاثاء 27 أغسطس 2024 على الساعة العاشرة صباحا والاستعداد للخطوات التصعيدية القادمة.
كما أعلنت النقابة أنها قررت اللجوء إلى القضاء استئنافا لقرار الهيئة، مؤكدة أنّها خاضت مع مجلس الصحافة وبقية هياكل المهنة في قطاع الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة نقاشات متسارعة وعميقة من أجل إيجاد آليات التعديل الذاتي الضرورية للمواكبة الإخبارية والإعلامية للمسار الانتخابي في ظل تغييب هيئة التعديل وأصدروا وثيقة توجيهية للتغطية الإخبارية والإعلامية للانتخابات الرئاسية وستردف في الأيام القليلة القادمة بإصدار مخطط تفصيلي للتغطية الإعلامية لذات الانتخابات وفق نص البيان.
وأكّدت نائب رئيس النقابة عائدة الهيشري، خلال استضافتها في برنامج “ميدي شو”، الأربعاء تسجيل تضييقات على الصحافيين الميدانيين بشكل يومي، تقريبا، مضيفة أنّ مصالح وزارة الداخلية عادة ما تُبرّر ذلك بأنّه "تصرّف فردي أُحادي الجانب من الجهة التي قامت بالاعتداء". وشدّدت الهيشري على أنّ بطاقة الصحافي المحترف تُخوّل لحامليها العمل بكلّ أريحية في ظلّ احترام القانون.
واستنكرت قرار هيئة الانتخابات سحب بطاقة اعتماد الصحافية خولة بوكريم، متسائلة “هل يخوّل لهيئة الانتخابات سحب بطاقة اعتماد صحافي على خلفية “عدم الحياد”؟. وأضافت “قمنا بالاتّصالات الضرورية لحلّ المسألة بشكل ودّي.. في انتظار الردّ والتفاعل الإيجابي، وستكون بادرة طيّبة لو تراجعت هيئة الانتخابات عن قرارها".
وعبّرت عن رفضها التام لفكرة مقاطعة تغطية الانتخابات، قائلة “حسب رأيي ليس من الصائب حرمان المواطن والمتابع للشأن الانتخابي من حقّه في المعلومة.. نحن في خدمة المواطن والرأي العام ومن واجبنا توفير المعلومة”. وتابعت أنّه “سيقع تنظيم اجتماع إخباري عام في القريب العاجل لمناقشة كيفية القيام بدورنا في تغطيّة الانتخابات الرئاسية وكيف ستكون علاقتنا بالهياكل الأخرى”، وفق تأكيدها.
وأوضحت أنّ "هذه الانتخابات ليست الأولى التي يُغطيها الصحافيون الذين اكتسبوا خبرة وتجربة خلال عدّة محطّات منذ 2011، ولهم قوانين ومواثيق وأخلاقيات مهنة ومجالس تحرير تنظّم طريقة العمل". وذكّرت بالوثيقة التوجيهية للتغطية الإخبارية والإعلامية للانتخابات الرئاسية، مشيرة في هذا السياق إلى أنّ "هيئة الانتخابات لم تشرّكنا في إعداد مدوّنة السلوك التي أصدرتها بشكل أحادي".
وكان مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد صادق في يوليو الماضي على تنقيح قرار الهيئة المتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء.
ويتضمن القرار أربعة أبواب، حيث يتناول الباب الأول الأحكام العامة، ويُعنى الباب الثاني بالقواعد العامة المتعلقة بوسائل الإعلام، ويتعلق الباب الثالث بالقواعد الخاصة المتعلقة بوسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، في حين يتطرق الباب الرابع إلى العقوبات.
وكان الناطق الرسمي باسم الهيئة محمد التليلي المنصري أفاد في تصريح سابق بأن المقصود برقابة “الفضاء العام” خلال الفترة الانتخابية هو رقابة شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والمرئية والإلكترونية الخاصة والعمومية وذلك استعدادا للانتخابات الرئاسية، مشددا على أن ما ورد في بيان الهيئة بخصوص موانع الفضاء العام خلال الفترة الانتخابية لا يتعلق بالنقد البناء لعمل الهيئة.
وأضاف أن هذه الرقابة التي تنطلق شهرين قبل الحملة الانتخابية "مضبوطة بالقانون الانتخابي والقرارات الترتيبية الصادرة عن الهيئة" وهي تخص منع الإشهار السياسي وتحجير بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة بالانتخابات، إلى جانب منع تخصيص رقم هاتف مجاني بوسائل الإعلام أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مرشح أو حزب.
وكانت الهايكا تقوم برصد التغطية الإعلامية وتصدر تقريرا مفصلا حول أداء مختلف المؤسسات، مع فرض عقوبات مالية على وسائل الإعلام السمعية البصرية التي لم تراعِ ضوابط وشروط التغطية، لكن هيئة الانتخابات تعتبر أن هذه المهمة من صلاحياتها في فترة الانتخابات لتصبح هي المشرفة على التغطية الإعلامية وهي التي تتولى وضع الشروط والضوابط.