يرى محللون أن معدلات جرائم العنف المرتفعة والمسيسة بشكل متزايد في السويد تؤثر سلبا على استقرار البلاد السياسي وسمعتها الدولية وتماسكها الاجتماعي ونموها الاقتصادي. وأعلن وزير العدل الدنماركي بيتر هوملغارد في 9 أغسطس الجاري أن بلاده ستفرض ضوابط أكثر صرامة على الحدود مع السويد في مضيق أوريسند الفاصل بين كوبنهاغن ومالمو بعد سلسلة من الهجمات العنيفة التي نفذها مواطنون سويديون في البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.
وتتزامن الحوادث الأخيرة في الدنمارك مع سعي السويد لمعالجة الارتفاع الحاد في الجرائم المرتبطة بالعصابات وغيرها من الأنشطة الإجرامية العنيفة خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في العاصمة ستوكهولم وفي غوتنبرغ وأوبسالا، وفي المدن الجنوبية مثل مالمو. وشملت هذه الحوادث هجمات طعن وإطلاق نار وتفجيرات باستخدام قنابل يدوية وأجهزة متفجرة مرتجلة.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أن معدلات جرائم العنف ارتفعت بشكل مطرد في السويد خلال العقد الماضي، حيث تسجل البلاد اليوم أعلى معدل للعنف المسلح للفرد في الاتحاد الأوروبي. وليست هذه المرة الأولى التي تفرض فيها الدنمارك ضوابط على الحدود في مضيق أوريسند ردا على تصاعد النشاط الإجرامي أو الهجرة غير الشرعية. لكن تحركها يؤكد على بقاء المشكلة دون حل.
وقال هوملغارد إن السلطات الدنماركية ستزيد من عمليات تفتيش القطارات والمعابر البرية في مضيق أوريسند لمنع المجرمين من دخول الدنمارك عبر السويد. وأكد المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة، الذي يجمع إحصاءات الجريمة الرسمية ويحللها، ارتفاع جرائم العنف في البلاد خلال العقد الماضي.
وزاد عدد جرائم القتل بحوالي 40 في المئة بين عامي 2013 و2023. وكان السبب إلى حد كبير هو العنف المسلح الذي بلغ أعلى مستوياته في 2022 مع سقوط 62 ضحية في 392 حادثة منفصلة.
وشهدت سنة 2023 وحدها55 عملية إطلاق نار قاتلة من أصل 363 في المجموع، مقارنة بستة حوادث مميتة فقط في جيران السويد الثلاثة في الشمال (الدنمارك وفنلندا والنرويج) مجتمعين. وهذا يعني أنّ معدل العنف المسلح للفرد أعلى بنحو 2.5 مرة من المتوسط الأوروبي، حسب دراسة أجراها المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة.
وسُجّلت 148 عملية إطلاق نار في السويد منذ يوليو 2024، مع مقتل 20 شخصا وإصابة 26 آخرين. وجاء إعلان هوملغارد إثر سلسلة من عمليات إطلاق النار في الدنمارك شارك فيها مواطنون سويديون. وألقي القبض على رجل سويدي وامرأة، يبلغ كلاهما من العمر 24 عاما، في السويد يوم 6 أغسطس، فيما يتعلق بانفجار في كشك بكوبنهاغن لم يشهد وقوع إصابات. كما ألقي القبض على شاب يبلغ من العمر 17 عاما بتهمة الشروع في القتل بعد إطلاق نار في فريدريكسبرغ في 5 أغسطس.
وقُبض على شاب يبلغ من العمر 16 عاما في كوبنهاغن وشاب يبلغ من العمر 17 عاما في كولدينغ إثر حادثي إطلاق نار منفصلين في 1 أغسطس. وأصبحت الجريمة قضية مسيسة أكثر فأكثر في السويد، وهو ما ساهم في تزايد شعبية اليمين المتطرف وجعلها تمثل أولوية رئيسية لحكومة الأقلية اليمينية في البلاد.
وأدى ارتفاع عمليات إطلاق النار والتفجيرات في السويد إلى زيادة الضرر الذي يلحق بالمارة حيث أصبح العنف أكثر انتشارا وعشوائية بسبب الصراعات بين العصابات الإجرامية المتنافسة.
ويجعل هذا الجريمة أولوية للناخبين السويديين. ويتركز نشاط العصابات في المقام الأول في الأحياء المحرومة اجتماعيا واقتصاديا التي تحتضن مجتمعات المهاجرين الكبيرة، ما زاد تأجيج المناقشات حول سياسات الهجرة والاندماج الاجتماعي، وضاعف شعبية الأحزاب اليمينية التي تعد بإنفاذ القانون بشكل أكثر صرامة وإضافة ضوابط أكثر خنقا للهجرة.
ووصلت حكومة الأقلية اليمينية برئاسة رئيس الوزراء أولف كريسترسون، المدعومة من ديمقراطيي السويد اليمينيين المتطرفين في البرلمان، إلى السلطة في 2022 واعدة بخط أكثر صرامة بشأن الجريمة وتشديد ضوابط الهجرة.
وتشمل السياسات الحكومية في ما يتعلق بالجريمة تعزيز المراقبة وفرض عقوبات أكثر صرامة على جرائم الأسلحة النارية، وتحديد ما يسمى بالمناطق الأمنية حيث يمكن للسلطات إيقاف أي مواطن داخل منطقة تعتقد أن جرائم العنف فيها وشيكة وتفتيشه. لكن ارتفاع عدد جرائم العنف تواصل. ويبرز تقرير صدر في 2021 عن عنف العصابات، أعده المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة، أن تمثيل المقيمين السويديين المولودين في الخارج أو الذين ولد آباؤهم في الخارج كمشتبه بهم في حالات القتل والسرقة كان مفرطا.
واستفاد حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتطرف، الذي كان تقليديا في هامش السياسة السويدية، من المخاوف حيال الجريمة والهجرة، حيث زاد حصته من الأصوات من حوالي 12 في المئة في الانتخابات العامة سنة 2014 إلى 20 في المئة خلال الانتخابات الأخيرة في 2022. وبالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالهجرة والميز العنصري وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تخلق أرضا خصبة لتجنيد العصابات والعنف، تبدو مشكلة العصابات في السويد أكثر وضوحا مما هي عليه في بلدان أوروبا الشمالية الأخرى.
ويرجع ذلك إلى عوامل تشمل سوق المخدرات غير المشروعة الأكثر أهمية وربحا وشبكات إجرامية أكثر اتساعا وترابطا دوليا مقارنة بجيران البلاد. ويمكن أن يفاقم النشاط الإجرامي العنيف المتزايد -إن بقي دون حل- التوترات الاجتماعية، ويسبب عدم الاستقرار السياسي، ويخلق تدهورا تدريجيا في بيئة الأعمال التجارية في البلاد.
كما يمكن أن يزعزع غياب التقدم في معالجة الجريمة استقرار حكومة الأقلية في السويد، ما يشعل توترات تؤثر على الاتفاق غير الرسمي بين المعتدلين بزعامة كريسترسون وديمقراطيي السويد الذين قد يسعون إلى تعزيز فرصهم الانتخابية بين الناخبين السويديين عبر النأي بأنفسهم عن إخفاقات الحكومة على هذه الجبهة والمطالبة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة. وهذا ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى انهيار الحكومة وتنظيم انتخابات مبكرة إذا فشلت حكومة الأقلية في الحصول على دعم أحزاب المعارضة الأخرى.
◙ السياسات الحكومية في ما يتعلق بالجريمة تشمل تعزيز المراقبة وفرض عقوبات أكثر صرامة على جرائم الأسلحة النارية
وفي نفس الوقت يمكن أن يزيد ارتفاع معدلات الجريمة الانقسامات المجتمعية في السويد نظرا للتركيز المتزايد على الهجرة في مناقشات الجريمة، التي يمكن أن تسهم في زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين بين الجمهور السويدي، وتؤدي إلى اضطرابات يمينية متطرفة مماثلة لأعمال الشغب التي شهدتها المملكة المتحدة مؤخرا وتزيد من خطر العنف المتطرف. كما يمكن أن تؤثر الزيادة الكاملة في جرائم العنف (إضافة إلى الزيادة المحتملة اللاحقة في عدم الاستقرار السياسي والتوترات الاجتماعية) سلبا أيضا على سمعة السويد الدولية، بعد أن كانت تعتبر حتى وقت قريب من بين أكثر البلدان أمانا واستقرارا في أوروبا.
وهذا ما يوحي به قرار الدنمارك فرض ضوابط على الحدود في مضيق أوريسند. ويمكن أن يؤثر الشعور المتزايد بانعدام الأمن سلبا على السياحة والاستثمار الأجنبي في السويد، حيث تبقى السلامة مهمة لجذب الزوار والشركات والمواهب (مثل الطلاب الأجانب والعمال المهرة). وفي نفس الوقت يمكن أن تثني السياسات التمييزية المتصورة ردا على المشاعر المتزايدة المناهضة للهجرة الوافدين المهرة عن الانتقال إلى السويد، ما يفاقم مشكلة نقص العمالة في قطاعات تشمل الرعاية الصحية والتعليم.
وتبرز استطلاعات الرأي أن الجريمة لا تزال قضية رئيسية للناخبين. وإذا فشلت الحكومة في إظهار تقدم كبير في معالجة المشكلة قبل الانتخابات العامة المقبلة في 2026، فقد تنخفض معدلات تأييد الحزب الحاكم، وهو ما يدفع الديمقراطيين السويديين إلى إنهاء تعاونهم مع الحكومة سعيا منهم لتحقيق نتائج أقوى في الانتخابات المقبلة.
وذكر تقرير هيئة العمل الأوروبية المنشور في مايو 2024 أن السويد تواجه نقصا في العمالة في حوالي 40 نوعا من الوظائف، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والأمن الخاص وإصلاح الآلات وصيانتها. وأظهر استطلاع أجرته غرفة تجارة ستوكهولم في أكتوبر 2023 أن 80 في المئة من الشركات السويدية التي شملها الاستطلاع تعتقد أنه سيصعب مستقبلا جذب العمال الأجانب والاستثمار والزوار إلى البلاد إذا لم يتراجع عنف العصابات.
وقال محافظ البنك المركزي السويدي إريك ثيدين خلال مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز في ديسمبر 2023 إن تصاعد عنف العصابات يمكن أن يهدد إمكانات نمو البلاد الاقتصادي على المدى الطويل بسبب تآكل ثقة الجمهور، وهي من العوامل الرئيسية في إنتاجية السويد.