المجتمع

التعليم الأخضر.. أولوية إماراتية للتمكين البيئي
التعليم الأخضر.. أولوية إماراتية للتمكين البيئي
تعتبر قضية التغيرات المناخية إحدى التحديات التي تواجه العالم الآن؛ لما لها من تأثيرات في شتى المناحي المختلفة، فبسبب التغيرات المناخية صرنا نواجه ظواهر لم نعتدها من قبل، ولذلك وجدت الدول أن هناك ضرورة ملحة لتوعية المواطنين بهذه الظواهر وكيفية التعامل معها، حتى نحد منها، بالإضافة إلى تعلم كيفية التعامل مع هذه الظواهر الجديدة.

وفرضت التغيرات المناخية مفهوماً جديداً في التعليم يُطلق عليه التعليم الأخضر أو بالأدق المدرسة الخضراء، وكلها مصطلحات تشير إلى تأكيد ربط مخرجات العملية التعليمية بشتى المراحل الدراسية المختلفة بمقومات التنمية المستدامة ومواكبة التطور التكنولوجي وتوظيف تقنياته في شتى مجالات العملية التعليمية؛ استناداً لمجموعة معايير ومؤشرات صديقة للبيئة.

وتقول الباحثة أسماء فريد الرجال في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن التعليم الأخضر صار اتجاهاً متنامياً لدى العديد من الدول ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث صارت الاستدامة وحماية البيئة من الأولويات الوطنية، وتهدفان إلى تعزيز الممارسات المستدامة وإعداد الطلاب لشغل وظائف في المجالات المتعلقة بالاستدامة.

ويعتبر مفهوم التعليم الأخضر من المفاهيم الحديثة، وهو يتضمن شقين؛ الشق الأول يرتبط بالجانب البيئي، والشق الثاني يركز على التنمية المستدامة، ولا يمكن فصل الشقين حيث يهدف التعليم الأخضر إلى زيادة الوعي البيئي لدى الطلاب، وتنمية وتحسين مهاراتهم العقلية والاجتماعية؛ لتوفير بيئة صحية ومستدامة، وتعزيز ممارسة أنشطة صديقة للبيئة. فالتعليم الأخضر، هو عملية تثقيف وتوعية للنشء لخلق جيل قادر على تحديد المشكلات البيئية التي يعاني منها الكوكب، ووضع حلول لها، وضوابط من شأنها ضمان عدم تصاعد مثل هذه المشكلات وتفاقمها.

ويتم ذلك من خلال العديد من الأشكال، عن طريق مناهج المدارس الابتدائية والثانوية التي تُعلم الطلاب العلوم البيئية والحفاظ على البيئة، إلى البرامج الجامعية التي تُدرب المهنيين على الممارسات والتقنيات المستدامة. ومن ثم يشير التعليم الأخضر إلى البرامج والمبادرات والممارسات التعليمية التي تركز على تعزيز الاستدامة البيئية والحفاظ عليها. وهي تشمل مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والحد من النفايات، والحفاظ على المياه، والزراعة المستدامة، والممارسات الصديقة للبيئة في صناعات مثل النقل والبناء.

ويساعد التعليم الأخضر في توضيح معنى الاستدامة وفهمها، ويسعى لتدريب الطلاب على المشاركة في أنشطة وممارسات عملية بهدف تعزيز المهارات الحياتية التي تتسق مع الاستخدام الصحيح للموارد، وتوظيف التكنولوجيا المتطورة في خلق بيئة محفزة لبناء مهارات الإبداع والابتكار والمشاركة الاجتماعية وتنمية الثقافة الفكرية والتواصل الفعال بين جميع عناصر العملية التعليمية وفق معايير صديقة للبيئة.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الهدف النهائي للتعليم الأخضر هو بناء مستقبل أكثر استدامة لكوكبنا من خلال تعزيز الإشراف المسؤول على الموارد الطبيعية وتقليل الضرر الذي يلحق بالبيئة. وهذا يتطلب نهجاً شاملاً يتضمن المعرفة العلمية والاعتبارات الأخلاقية والحلول العملية للتحديات البيئية في العالم الحقيقي.

وتعتبر تجربة دولة الإمارات في التعليم الأخضر من التجارب المهمة والمميزة فدائماً ما تسعى دولة الإمارات إلى تحقيق أفضل المبادرات في المجالات كافة، بالأخص عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، وتُجسد مبادرة شراكة التعليم الأخضر مع مؤسسة “اليونسكو” رؤية الدولة وجهودها في الحفاظ على البيئة وبناء جيل جديد قادر على تحديد المشكلات البيئية والمشاركة في وضع حلول لها والحد من تفاقمها، وتتضمن المبادرة أربع ركائز أساسية: (1) التعليم الأخضر، (2) بناء القدرات في التعليم الأخضر، (3) المدارس الخضراء (4) المجتمعات الخضراء.

وبالتأكيد حتى يتم ذلك هناك ضرورة واضحة لدور التعليم في خلق هذا الجيل الواعي حتى يُحدث تغييراً جذرياً في ثقافة المجتمع، لأن التعليم هو العامل الأساسي الذي يشكل الأفراد والمجتمعات. وبالنظر إلى تجربة دولة الإمارات نجد أنها تخطو خطوات كبيرة في مجال التعليم الأخضر كجزء من التزامها بالاستدامة. وتعتبر مبادرة المدارس المستدامة إحدى التجارب البارزة في التعليم الأخضر في دولة الإمارات، وهي عبارة عن برنامج مشترك بين مجلس أبوظبي للتعليم ومجموعة أبوظبي للاستدامة.

وتهدف مبادرة المدارس المستدامة إلى تعزيز الممارسات والسلوكيات المستدامة بين الطلاب والمعلمين وموظفي المدارس في أبوظبي. وتوفر التدريب والموارد للمدارس لمساعدتها على تقليل تأثيرها البيئي وتعزيز تعليم الاستدامة. على سبيل المثال، يتم تشجيع المدارس على تنفيذ أنظمة الإضاءة الموفرة للطاقة وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، وتركيب الألواح الشمسية، وتقليل النفايات من خلال برامج إعادة التدوير والتسميد.

ووفقاً لتوجيهات الدولة يتم طلاء مباني جميع المدارس بطلاء صديق للبيئة، كما أكدت الإمارات ضرورة تعزيز جودة مخرجات التعليم في كافة المراحل بما يتماشى مع الإستراتيجية المستقبلية لخفض البصمة الكربونية وتطبيق معايير الاستدامة في البنى التحتية للدولة، والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدولة.

ويتم استغلال أسطح المدارس في زراعة المحاصيل المختلفة من الخضروات والفواكه، إضافة إلى نباتات الزينة بهدف رفع الوعي البيئي لدى الطلبة وتنمية الحس الجمالي. كما عملت على ربط المناهج الدراسية بالبرامج البيئية وتوعية الطلاب بالممارسات البيئية الإيجابية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقة تحت اسم “جائزة المدرسة الخضراء” تسلم في نهاية كل عام دراسي.

كما يوجد أيضاً برنامج “القادة الخضر” التابع لمعهد “مصدر”، وهو مخيم صيفي لطلاب المدارس الثانوية يركز على الاستدامة والعلوم البيئية. ويجمع البرنامج طلاباً من جميع أنحاء دولة الإمارات للتعرف إلى الاستدامة من خلال الأنشطة العملية والرحلات الميدانية والمحاضرات من الخبراء في هذا المجال.

وبالإضافة إلى هذه البرامج، أطلقت حكومة الإمارات مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التعليم الأخضر والاستدامة في جميع أنحاء الدولة. فقد أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة إستراتيجية وطنية للتثقيف والتوعية البيئية، تهدف إلى دمج التثقيف البيئي في جميع مستويات نظام التعليم.

وإلى جانب البرامج الأكاديمية، نفذت حكومة الإمارات أيضاً العديد من المبادرات الخضراء التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة وحماية البيئة. فأطلقت الحكومة الأجندة الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة 2030، وهي خطة شاملة تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية للدولة وتعزيز التنمية المستدامة. وتتضمن مبادرات مثل تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز النقل المستدام، وتنفيذ معايير المباني الخضراء.

وبناءً على هذه الخلفية، تساعد هذه التجارب في التعليم الأخضر في الإمارات العربية المتحدة في إعداد الجيل القادم من القادة والمهنيين لمواجهة التحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين. من خلال تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات التي يحتاجون إليها لاتخاذ خيارات مستدامة، فتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء مواطنين أكثر وعياً بالبيئة يمكنهم قيادة التغيير على المستويين المحلي والعالمي.

03 أغسطس 2024

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة