عربي ودولي

هل حقق مسار 25 يوليو تطلعات التونسيين
هل حقق مسار 25 يوليو تطلعات التونسيين
طرحت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، حزمة من التساؤلات في الأوساط السياسية والحقوقية بالبلاد بشأن مدى تحقيق ذلك المسار لتطلعات التونسيين وطموحاتهم.

ومع بلوغ مسار 25 يوليو عامه الثالث، تباينت ردود أفعال التونسيين حول تقييم مسيرة السلطة في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.

وفي الوقت الذي تقول فيه أوساط سياسية، إن المسار أنهى مرحلة ما بات يعرف في تونس بعهد “العشرية السوداء” بكل تفاصيلها وحيثياتها التي أرهقت الفئات الشعبية وكرست نظاما سياسيا أهمل مشاغل التونسيين وتعامل مع السلطة بمنطق الغنيمة والولاءات والمحاصصة الحزبية، تذهب أطراف أخرى إلى أن المسار لم يغير الكثير في المشهد باستثناء إزاحة تيار الإسلام السياسي الذي تمكّن من السلطة بعد ثورة يناير 2011، كما لم يحقق ما كان يطمح إليه التونسيون اجتماعيا واقتصاديا من منطلق تحسين جودة الخدمات من نقل وتعليم وصحة، وتحسين مستويات المعيشة في علاقة بغلاء الأسعار وحلّ معضلة البطالة وبعث مشاريع تنموية تخلق فرص عمل للشباب.

وأحيت تونس الخميس، الذكرى 67 لعيد الجمهورية، حيث ألغي في مثل هذا اليوم من سنة 1957 باسم الشعب المجلس التأسيسي المنتخب في 25 مارس 1957 النظام الملكي وأعلن النظام الجمهوري.

ويحمل تاريخ 25 يوليو 1957 في طياته ذكرى إعلان الجمهورية التونسية بعد عام ونصف العام من إعلان الاستقلال، فبحضور 90 من أعضائه من أصل 95 صوت المجلس القومي التأسيسي بالإجماع على إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية وتكليف الحبيب بورقيبة حينها رئيسا للجمهورية الأولى.

وتتزامن ذكرى عيد الجمهورية، بتاريخ الإجراءات الاستثنائية للرئيس التونسي، حيث يرى مراقبون، أن اختيار قيس سعيد لذلك الموعد يحمل رمزية تاريخية وسياسية.

وتعتبر أوساط سياسية أن الرئيس سعيد فكّك المنظومة السابقة وفتح ملفات تتعلق بالأمن القومي، كما أسس لبرلمان جديد يقطع مع الممارسات الماضية، فضلا عن إقناع الاتحاد الأوروبي بتغيير المقاربة الأمنية في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، ورفض الشروط “المجحفة” لصندوق النقد الدولي مقابل إقراض تونس مبلغ 1.9 مليار دولار لمعالجة أزماتها الداخلية.

ويحرص سعيد على أن يبدو باستمرار في صورة المسؤول النظيف، الذي لا يتهاون في ما يتعلق بحق الدولة، وهو ما أكسبه شعبية كبيرة قادت إلى انتخابه في 2019 وينتظر أن يعزّز توجهاته السياسية من خلال مسار 25 يوليو لتساهم بحصوله على ولاية جديدة بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في أكتوبر المقبل.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أنه “تم إرساء نظام جديد بفلسفة جديدة، وهناك سلطة مركزية يمثلها الرئيس سعيد ومجالس جهوية سلطتها غير واضحة لأن مفهوم البناء القاعدي غير مبلور”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك نقاط إيجابية مثل استرجاع السيادة الوطنية في علاقة بالمديونية ومسألة الدوائر المالية الأجنبية، ومسار 25 يوليو 2021 أعاد الاعتبار للمسألة السيادية، لأن السياسات الرسمية كانت تخضع لاعتبارات باريس وواشنطن ثم قطر وتركيا”.

ولفت منذر ثابت إلى أن “المسار أعاد الاعتبار لاستقلالية القرار الوطني، لكن الديمقراطية المباشرة لم تتبلور إلى حد الآن بما فيه الكفاية”، موضحا أنه “في إطار محاربة الفساد والقوى التي تحتكر الثروة الوطنية، هنالك حرب قادتها التشكيلة الجديدة في السلطة ضد تلك القوى الخفية والتي احتكرت عديد القطاعات”.

وأشار المحلل السياسي إلى أن “المسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان تحتاج إلى تفعيل حقيقي وأكثر دقّة ووضوح”.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن قيس سعيد قطع خطوات جدية نحو تحسين الأوضاع الاجتماعية للتونسيين وواكب مختلف “الأزمات” عن قرب رغم العديد من المطبات والصعوبات.

ويضيفون، أن مسار 25 يوليو حقّق إلى حدّ الآن أهم المطالب، فضلا عن كونه فرض نوعا من الجدية والجرأة في فتح ملفات فساد لم تتجرأ الحكومات السابقة على فتحها، كما حاول إرساء مرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والقطع مع الانقسام الذي كان يشهده الشارع، فضلا عن مشهد برلماني وسياسي مأزوم غذته المشاحنات والتجاذبات بين الأحزاب.

وأكد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أنه “تم تحقيق الكثير من تطلعات التونسيين، وأهمها تخليصهم من عشرية الخراب ومنظومة الفساد مع بدء عملية بناء فعلية، ثم كشف حقائق الجرائم الإرهابية ومحاسبة وإيقاف من كانت لديهم حصانة دولية فوق الحساب والمساءلة”.

وأوضح لـ”العرب”، “بخصوص الأوضاع الاقتصادية، لا يمكن أن ننفي وجود صعوبات، ولكن هي تبعات للعشرية الماضية، وباعتقادي اليوم هنالك حالة من الراحة المجتمعية، ولا ننسى أن يوم 25 يوليو 2021 كان الموت يخيّم على المشهد التونسي جراء نقص الأوكسجين وسوء إدارة أزمة فايروس كورونا”.

واعتبر باسل الترجمان أن “كل من لم يتورّط في قضايا أو تهم، ما زال حرّا طليقا، وليست هناك عملية تصفية حسابات سياسية، والجرائم التي ارتكبت في تونس كشفت الآن”.

وعلى الرغم من أن تاريخ الخامس والعشرين من يوليو 2021، في نظر الكثيرين، وضع حدّ لحالة من الفوضى التي كانت تربك المشهد السياسي والبرلماني، وأسس لنظام جديد بعيدا عن الانقسام والمصالح السياسية الضيقة، فإن البعض يعتبر أنه لم ينتج حصيلة منتظرة من الإنجازات.

وترى تلك الأطراف أنه كان بالإمكان التعامل بطرق مغايرة مع الأزمات بأكثر واقعية ونجاعة لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية.

كما اعتبرت شخصيات سياسية وحقوقية أن المسار لم يقدم إنجازات تذكر، وانشغل الرئيس سعيد بتقديم خطابات ومواقف للردّ على خصومه السياسيين، بدل الانكباب على فتح الملفات الحارقة والسعي لمعالجتها.

وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أنه “باستثناء استبعاد تيار الإسلام السياسي من الحكم المباشر في تونس، لم يتحقق شيء مهم يذكر، حيث نرى سياسيا وجود حصار للعمل السياسي وضعف دور الأحزاب والمنظمات الوطنية، واقتصاديا، اشتعلت الأضواء الحمراء في مختلف المجالات، واجتماعيا هناك حالة من الإحباط وسوء الخدمات على غرار النقل والصحة وضعف مستوى المعيشة”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “كان يجب المراهنة على كل القوى الحيّة من منظمات وكفاءات إدارية، لكن هناك محاولة للقفز على الوسائط التقليدية (الأحزاب)، وتحميل المسؤولية على الآخر”.

وأوضح مراد علالة أن “الإعلان عن محاربة الفساد كان جيّدا، لكن ما تحقّق عمليا كان قليلا بالمقارنة مع الأشياء المنتظرة، ولا نعلم أيضا حجم الأموال المنهوبة، كما أن مردودية آلية الصلح الجزائي محدودة جدا”.

وفي 25 يوليو 2021، بدأ سعيد فرض إجراءات “استثنائية” منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة وتعيين أخرى جديدة وحل المجلس الأعلى للقضاء وإقرار دستور جديد عبر استفتاء وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة قاطعتها المعارضة.

وأكد حينها، أن خطوته تهدف إلى إنقاذ البلد الذي عانى من انسداد سياسي وشهد حينها ارتفاعا في عدد الوفيات جراء كوفيد – 19. وجاءت قرارات الرئيس سعيد إثر اجتماع طارئ مع مسؤولين عسكريين وأمنيين  بالتوازي مع مظاهرات احتجاج ضد الحكومة نددت خصوصا بتعاملها مع أزمة كورونا.

وطالب الآلاف من المحتجين بـ”حل البرلمان” نتيجة استيائهم من الصراع الذي امتد لنحو ستة أشهر بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يرأس أيضا حزب حركة النهضة (إسلامي). وبعيد إعلان الرئيس عن قراراته، خرجت مظاهرات تأييد في العاصمة ومدن أخرى رغم حظر التجول الليلي.

وإثر الإجراءات، تشكلت جبهة الخلاص الوطني التي تقودها حركة النهضة وبعض الوجوه السياسية البارزة على غرار أحمد نجيب الشابي، ووصفت تلك التدابير بـ”الانقلاب”.

وإزاء تفاقم المشاكل في الآونة الأخيرة، اختار الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الاصطفاف ضدّ قيس سعيد في خياراته السياسية والاجتماعيّة، وأعلن القطيعة مع المسار الانتخابي والسياسي لسعيّد، مجدّدا القطيعة مع منظومة ما قبل الخامس والعشرين من يوليو.

26 يوليو 2024

هاشتاغ

التعليقات