أنجز باحثون أول صورة ثلاثية الأبعاد لقلبين بشريين، أحدهما سليم والثاني مريض، وصولاً إلى المستوى الخلوي، باستخدام تقنية متطورة في السنكروترون الأوروبي في مدينة غرونوبل الفرنسية، بحسب بيان.
وأتت الخارطة التي كشفت عنها الأربعاء مجلة “راديولوجي” نتيجة عمل فريق من الباحثين من جامعة كولدج لندن والسنكروترون الأوروبي في غرونوبل. وأتيح ذلك بفضل طريقة تصوير مبتكرة تُعرف باسم "التصوير المقطعي ذو الطور الهرمي"، طوّرها فريق بقيادة الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بيتر لي.
وتتيح هذه التقنية الحصول على نظرة عامة ثلاثية الأبعاد لعضو ما، بدقة تتراوح من 20 ميكرومتراً إلى مستوى خلوي يبلغ 2 ميكرومتر. هذه الدقة أعلى بـ20 إلى 200 مرة على التوالي من دقة الماسح الضوئي الطبي.
وقال بيتر لي إن هذه "النظرة الشاملة للأعضاء بدقة غير مسبوقة" تتيح "الحد من نقص المعلومات الموجود بين التصوير الطبي التقليدي وعلم الأنسجة"، حيث تقطع الأعضاء إلى شرائح وأنسجة رفيعة للغاية، وفق ما ورد في البيان.
وتستخدم التقنية تياراً من الأشعة السينية القوية للغاية، في خط شعاع "بي إم 18" للسنكروترون (المسرّع الدوراني التزامني) في غرونوبل، لاستكشاف المادة. هذا الموقع هو "حتى الآن المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه تصوير أعضاء بشرية كاملة بمثل هذه الدقة العالية"، بحسب الباحث في السنكروتون الأوروبي في غرونوبل بول تافورو.
وكشفت الدراسة المنشورة الأربعاء تفاصيل نسيجية لأجزاء مختلفة من القلب السليم وذاك المريض، ما يشمل بالأساس تصويراً تفصيلياً خاصا لنظام التوصيل القلبي، مصدر نبضات القلب.
◙ التقنية تسمح للأطباء باكتشاف علاجات جديدة على سبيل المثال اكتشاف أدوية تعالج عدم انتظام ضربات القلب
وقال مدير معهد علوم القلب والأوعية الدموية في جامعة كولدج لندن بيري إليوت إن "هذه التقنية لديها إمكانات هائلة للسماح للأطباء باكتشاف علاجات جديدة"، على سبيل المثال اكتشاف أدوية تعالج عدم انتظام ضربات القلب. ويرمي الفريق إلى زيادة عدد العينات التي تتم دراستها في خط شعاع "بي إم 18"، في ظل الإمكانات الكبيرة المتاحة على هذا الصعيد. غير أن العائق الوحيد يتمثل في معالجة البيانات الضخمة التي تنتجها تقنية “ايتش إي بي”، بحسب بول تافورو.
ويندرج عمل الفريق في إطار مشروع علمي يحمل اسم “هيومن أورغن أطلس” (أطلس الأعضاء البشرية)، ويهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة لكل الأعضاء البشرية، مريضة كانت أم سليمة.
وفي السنوات القليلة الماضية استحوذت الطباعة ثلاثية الأبعاد على قطاع الرعاية الصحية كالعاصفة، على مستوى الجراحة أو الصيدلة أو طب الأسنان أو أي فرع آخر. وتلعب الطباعة الطبية ثلاثية الأبعاد دورًا نشطًا أو سلبيًا في تحسين العمليات والمنتجات والتنفيذ لمساعدة الأطباء على إنقاذ المزيد من الأرواح.
وقال الخبراء “لم تكن رحلة الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الرعاية الصحية أقل من رائعة. إنها تقنية أحدثت ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع جوانب مختلفة من الرعاية الصحية، والتي تشمل الجراحة والصيدلة وطب الأسنان وعددا لا يحصى من المجالات الأخرى”.
ومثل جميع التقنيات الرئيسية، كانت للأجهزة الطبية المطبوعة ثلاثية الأبعاد بدايات متواضعة. فقد ظهرت في الثمانينات كأداة تعليمية لتعليم النماذج والهياكل التشريحية المعقدة ولتدريب مقدمي الرعاية وغيرهم من المهنيين ذوي الصلة.
◙ النظرة الشاملة للأعضاء بدقة غير مسبوقة تحد من نقص المعلومات الموجود بين التصوير الطبي التقليدي وعلم الأنسجة
وبمرور الوقت تطورت التكنولوجيا بشكل أكبر، وأصبحت الحلول الشخصية ممكنة. وصارت الطباعة ثلاثية الأبعاد مرادفة للحلول المخصصة مثل الغرسات والمستحضرات الصيدلانية الخاصة بالمريض. وسمح هذا التحول النموذجي بتدخل طبي أفضل وأكثر فاعلية للمرضى وكان له دور كبير في تجنب مضاعفات ما بعد الجراحة وتحسين معدلات الشفاء.
وقد تجاوزت الطباعة ثلاثية الأبعاد في المجال الطبي الآن مراحلها الأولية. وهو ما يمثل اليوم ركيزة أساسية في الطب الحديث. من الطباعة الحيوية للأعضاء الطبية المطبوعة ثلاثية الأبعاد لزراعتها إلى إنشاء غرسات عظام معقدة، تعمل الطباعة ثلاثية الأبعاد باستمرار على دفع حدود ما هو ممكن في مجال الرعاية الصحية. إضافة إلى ذلك يمتد تأثيرها إلى المناطق محدودة الموارد، حيث توفر حلولاً ميسورة الكلفة ويمكن الوصول إليها.
وإحدى أهم مزايا الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية هي المستوى الذي لا مثيل له من التخصيص الذي توفره. فكل مريض فريد من نوعه، وغالبًا ما تتطلب احتياجاته الطبية حلولاً شخصية.
وسواء أكان الأمر متعلقا بإنتاج طرف صناعي مخصص أم بزراعة أسنان أم بدواء مصمم خصيصًا للتركيب الجيني للفرد، فإن الطباعة ثلاثية الأبعاد تضمن الملاءمة المثالية. ويقلل هذا المستوى من التخصيصِ الانزعاجَ، ويحسّن الوظيفة، ويحسّن في النهاية نوعية حياة المرضى. وغالبًا ما تكافح طرق التصنيع التقليدية لإنتاج هياكل معقدة، خاصة تلك المطلوبة في العمليات الجراحية الدقيقة أو أعمال الأسنان المعقدة.
وتتفوق الطباعة ثلاثية الأبعاد في هذا الصدد. ويمكنها تصنيع أشكال هندسية معقدة ومفصلة للغاية بدقة، وهو أمر مفيد بشكل خاص في إنشاء الأدوات الجراحية والنماذج التشريحية للتخطيط والتعليم الجراحي.