الكرملين يرد بحذر على تصريحات للرئيس الأوكراني فتح فيها الباب -لأول مرة منذ اندلاع الحرب- لقمة سلام مستقبلية بحضور موسكو.
وأمس الإثنين، أكد فولوديمير زيلينسكي أنّه يؤيّد حضور موسكو قمة مقبلة، بعد مؤتمر انتظم بسويسرا منتصف يونيو/حزيران الماضي بشأن السلام في أوكرانيا وجمع عشرات رؤساء الدول والحكومات بينما استُبعدت روسيا.
واليوم الثلاثاء، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف في مقابلة مع قناة "زفيزدا"، إنّ "قمة السلام الأولى لم تكن قمة سلام على الإطلاق. لذا، ربما من الضروري أولاً فهم ما يعنيه (زيلينسكي)".
وكان زيلينسكي قد أعلن الإثنين أنّه يريد تقديم "خطّة للسلام العادل" في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (شهر الانتخابات الرئاسية الأمريكية)، وذلك بعد عامين ونصف عام من بدء النزاع في أوكرانيا.
وفي الوقت ذاته، أعرب عن أمله في عقد قمّة أخرى بشأن السلام في أوكرانيا يمكن أن تشارك فيها موسكو هذه المرة، وقال "أعتقد أنّه يجب أن يشارك ممثلون روس في هذه القمة الثانية".
استسلام؟
وهذه المرة هي الأولى منذ فشل المحادثات في ربيع عام 2022 عقب اندلاع الحرب التي يطرح فيها زيلينسكي فكرة إجراء مناقشات مع روسيا من دون انسحاب روسي مسبق من الأراضي الأوكرانية.
وحتى الآن، استبعد الكرملين أي محادثات سلام طالما لم تتخلّ أوكرانيا عن المناطق الخمس التي أعلنت موسكو ضمّها وعن تحالفها مع الغرب، الأمر الذي يعتبر بمثابة استسلام.
ميدانياً، لم يحقّق أيّ من المعسكرَين اختراقاً حاسماً، رغم استمرار المعارك المكثّفة والعنيفة بشكل يومي.
غير أنّ الجيش الروسي الأكثر عدداً وقوّة، يستولي تدريجاً على أراضٍ في شرق البلاد، بينما يتكبّد خسائر فادحة على مستوى الجنود والعتاد.
وتكرّر أوكرانيا بانتظام الرغبة في استعادة سيادتها على كامل الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو عام 2014.
ويأتي ذلك فيما يكرّر الرئيس الروسي شروطه التي رفضتها كييف وحلفاؤها، أي التخلّي عن المناطق الأربع التي أعلنت موسكو ضمّها إضافة إلى شبه جزيرة القرم، وضمان أن تتخلّى أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويقول المسؤولون الغربيون إنّ الأمر متروك للمسؤولين الأوكرانيين لاتخاذ قرار بشأن ومتى وكيف يأملون خوض نقاش مع روسيا، وكما كييف، يشّددون على احترام سلامة الأراضي الأوكرانية.
غير أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لأوكرانيا، قد تؤدي دوراً مهماً في استمرار الصراع.
فقد تعهّد الجمهوري دونالد ترامب الذي أشاد بسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الماضي، بوقف الحرب خلال أسابيع إذا انتُخب رئيساً، الأمر الذي أثار مخاوف من إمكان خفض المساعدات الأمريكية التي تعدّ أساسية بالنسبة إلى أوكرانيا.
"لا سبب"
وأعرب الخبير السياسي ألكسندر غابويف مدير معهد "كارنيغي روسيا أوراسيا" الذي يتخذ من برلين مقرّاً، عن اعتقاده بأنّ تصريح زيلينسكي يأتي عقب "تعزيز موقف المجتمع الدولي" خلال القمة المنعقدة بسويسرا حيث أبدت عشرات الدول دعمها لكييف.
وأوضح غابويف، لوكالة فرانس برس، أنّه قبل زيلينسكي، طرح مسؤولون أوكرانيون مشاركة محتملة للروس في قمة ثانية "لتقديم إنذار نهائي لهم".
وبينما أعرب عن شكوك، أشار إلى أنّه "من غير المرجّح" أن تؤدي هذه التصريحات الأوكرانية إلى "تغييرات ملموسة" على المستوى الدبلوماسي.
ومن ناحية أخرى، رأى أنّه "ليس لدى روسيا أيّ سبب للمشاركة في مؤتمرات دبلوماسية في هذه المرحلة".
من جانبه، قال إيفان كليشتش من المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا لوكالة فرانس برس، إنّ غياب روسيا عن القمة في سويسرا ربما قلّل من قدرة أوكرانيا على الحصول على المزيد من الدعم من "خارج (المعسكر) الغربي"، الأمر الذي كان وراء تصريح زيلينسكي.
واعتبر أنّ "هذا قد يكون إشارة ضعيفة إلى أنّ المحرّمات المتمثّلة في إجراء اتصال مفتوح مع الروس لم تعد قوية".